الوزير، جزء من الآلة الحكومية المُكلفة بتحقيق مصالح الشعب، موظف عام بدرجة وزير، لا يَفضُل أي مواطن، مهما كَبُرَ موقعه واحتل أعمدة في الصحف. في الدول الديمقراطية الحقيقية، حيث تتضح معالم الحكم والاختصاصات في سُلَمِه الإداري، تتحدد تماماً حدود كل مسئول، محاسبتُه ركن أساسي في استمرار بقائه، تعيينُه يخضع لقواعدِ مرسومة بعناية قانونية. قواعدٌ لا يدخلُ فيها عشقُه للكرسي وبذلُه في سبيله النفيس الغالي، لا تنص علي استيفائه درجة قرابة ما أو علي مقدار ما أدي وسيؤدى من خدمات، ليس من بينها مدي خنوعه واستكانته وطاعته العمياء. قواعد البروتوكول في تلك الدول معروفة محترمة، ترتيب وقوف الوزراء بدءاً من رئيسهم، تَرَؤس ما يحضرونه من جلسات أو مناسبات، لا يسبقهم أو يرأسهم من لا يحتل منصباً في الجدول الإداري.
ما من صلاحيات مطلقة في دولة متحضرة، تعيين الوزراء لا يجوز أن تدخل فيه إلا اعتبارات صالح الشعب، لذا فإنهم لا يُولَون المسئولية إلا بعد مراجعات من جهات مستقلة، تملك أمرَها، تَضَعُ في اعتبارِها ماضيهم الوظيفي وتَقَبُل زملاءِ العملِ لهم؛ إضافة إلي ذلك يُراعي في المرشحِ قدرته علي القيادة وتحمل الضغوط، مدي استعداده لتقبل الآراء لمخالفة، نزاهته واتزانه النفسي. الصالحُ العام يُزكي وزيراً ذا شخصية، لا كياناً هلامياً؛ كثيرون أجادوا دورهم كمرؤوسين وفشلوا كرؤساء. هذه مواصفات لا فكاك منها في الدول الديمقراطية بحق، أما في ما دونها فإن الوزير كثيراً ما يأتي بالصدفة أو لاعتبارات أبعد ما تكون عن صالح الشعب، صاحب الحق. كم من الوزراء أُجلِسوا لأسباب خاصة تحت شعارات متنوعة ملونة من إتاحة الفرصة للشباب ثم تولية المرآة مروراُ بتمثيل العمال إلي تَذَكُر أهل الديانات الأخري. ما أكثر نوادر وزراء الغفله، شطحاتهم، مشاجراتهم، قضاياهم، تخبطهم، بعد أن ذهب الكرسي بعقولهم بمجرد أن أُجلِسوا.
خروج تعيين الوزراء عن الأُطُرِ التي يتقبلها الرأي العام يفتح البابَ واسعاً أمام القيل والقال، السخط العام، الرفض التلقائي لأية تصريحات أو أفعال. اِتساع الفجوة بين من أُجلِسوا علي الكراسي والشعب صاحب الحق الأصيل في كل التوجهات ليس من صالح النظام ولو أن الشعب وحده يتحمل تبعة فشل وإخفاق من حكموه. الرأي العام يفهم، ليس بغافل كما يتصور من أُجلِسوا، يعرف خلفيات كل وزير، يرفض بعضهم لجلبهم من مواقع متناقضة في أهدافها مع التزامات وزاراتهم، خاصة في الوزارات شديدة التأثير في كل بيت بدءاً من الطفل.
ليذبح الوزير ما شاء من القطط، الأولي أن يتعظ، خاصة ممن اِفتُدِيَ بهم. إذا أردت أن تعرف حقيقة نظام اِنظر إلي مسئوليه، كل ما فيهم، لن تتعب، الإجابة سهلة، سريعة، محزنة في دول لا تعرف من الديمقراطية إلا اِسماً، بلا مُسمي.

ا.د. حسام محمود أحمد فهمي
أستاذ هندسة الحاسبات