يخيم شبح وباء أنفلونزا الطيور على العالم برمته، ففيروس هذا الوباء يحوم فوق الأجواء من غير أن يحتاج الى تأشيرة دخول، أو الوقوف في الحجر الصحي لدى البوابات الحدودية،ويضرب مشارق الأرض ومغاربها،فلا يعترف بالحدود الجغرافية مثل بعض الفيروسات المتوطنة الأخرى،يقتحم جميع الأماكن بغض النظر عما إذا كان المكان دولة سياحية ناهضة في جنوب شرقي آسيا،أو قرية صغيرة في أقليم كردستان تدعى (سركبكان) وهي قرية تتبع ناحية والناحية تتبع قضاءا لا وجود لهما على الخارطة الجغرافية للشرق الأوسط.فقد داهم الفيروس هذه القرية الصغيرة بعد إنتشاره السريع في جنوب تركيا و قيل أنه وفد من هناك.
عندما ماتت الطفلة الجميلة( كيزان) في قرية (سركبكان) وهي من قرى مدينة رانية الحدودية في كردستان،جاءت التصريحات الرسمية لتؤكد أنها توفيت بمرض الإلتهاب الرئوي الحاد،وبرر المسؤولون في وزارة الصحة في الأقليم تشخيصهم للحالة قائلين quot; إن معظم أفراد عائلة الفتاة هم مرضى أيضا بنفس الأعراضquot;ونسي هؤلاء السادة، أن موت الفتاة بأنفلونزا الطيور هو أرحم من موت العائلة برمتها بمرض التدرن الرئوي (السل) ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرون. وفي غمرة هذه الحمى الداهمة عن وصول المرض غض السادة المسؤولون الطرف عن تفسير أسباب نفوق مئات الدواجن في نفس القرية حسبما ذكرت بعض المصادر الطبية هناك،بالإضافة ما سبقه من هلاك أكثر من 100 دجاجة في قرية شيلادزي الكردية القريبة من الحدود التركية.وجاء التفسير في كلتا الحالتين، أن الهلاك ناجم عن الإصاية بمرض (نيو كاسل) وليس أنفلونزا الطيور!
وتؤكد التصريحات الرسمية الصادرة لحد الآن أنه لم يصب أي من الدواجن و الطيور في كردستان بالمرض، ولكن التجار في المنطقة أصيبوا بخسارة فادحة جراء أمتناع الناس من شراء أي منتج تركي المنشأ، وتركيا تعتبر من أهم المجهزين لكردستان بالمواد الإستهلاكية،فقد وصلت أسعار المنتجات التركية ومنها البيبسي كولا ومعجون الطماطة الى أدنى مستوياتها في السوق، مع أن الدواجن سواء كانت تركية أو مغربية لا تشرب البيبسي كولا ولا تستخرج المعاجين من بيضها بطبيعة الحال،لكنها حالة الهلع والفوبيا من كل ما هو تركي المنشأ.
فالناس فقدوا الثقة بمسؤولي الحكومة، ولعلهم على جانب من الحق والصواب بسبب الحالات المماثلة التي توارثوها منذ العهود الماضية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بكشف إنتشار الأوبئة والأمراض السارية في البلد، فهناك الكثيرون من أنصار نظرية المؤامرة ما زالوا يعيشون بيننا ويؤكدون أن السلطات الحكومية حتى لو إكتشفت حالات منتشرة من أنفلونزا الطيور فأنها لن تعلنها للناس، ويزعمون أن كثيرا من حقول الدواجن في الأقليم يملكها بعض الأشخاص من ذوي النفوذ والسلطان، وهم ليسوا مستعدين للكشف عن تلك الحالات كي لا يخسروا إستثماراتهم.إذن هي نظرية المؤامرة العتيدة ذاتها تتكرر مرة أخرى. ويتذكر هؤلاء كيف كانت الحكومات السابقة وخاصة حكومة صدام حسين تخدعهم في بياناتها الرسمية،فهم لم ينسوا بعد، البيانات العسكرية التي كانت تصدر أثناء الحرب العراقية الإيرانية عن القيادة العامة للقوات المسلحة، حيث كانت تشير أن في معظم العمليات العسكرية التي كانت تجري على جبهات القتال تلحق القوات العراقية خسائر فادحة بالعدو الإيراني فتقتل منهم أكثر من 100 مقابل سقوط (شهيد) وجريحين من الجانب العراقي،وكان الناس إعتادوا على التبسم والضحك عند ذكر أعداد الضحايا العراقيين؟.
وفي فترة تلك الحرب اللعينة كان تعاطي المخدرات ينتشر بصورة واسعة النطاق بين الشباب العراقي اليائس، فمن كان يزور بغداد ويذهب الى حديقة الأمة قرب نصب الحرية في ساحة التحرير، يجد مئات الشباب المنحرفين من مدخني الحشيش وأنواع المخدرات الأخرى، ولكن النظام كان يعتبر العراق خاليا من هذه الآفة الخطيرة،التي أصبحت اليوم أكثر انتشارا من قبل بفضل الحدود السائبة للبلد، حيث تعلن الحكومة الحالية بين فترة وأخرى عن مصادرة أطنان من المخدرات المهربة من قبل الإيرانيين الى داخل العراق وتحديدا الى مدن الجنوب، وهذه أحدى فضائل النفوذ الإيراني في العراق الديمقراطي الجديد قبل إقرار فدرالية الجنوب وإستقلالها عن سلطة المركز؟؟zwj;zwj;.
ويبدو أن تلك الحالة من إحجام السلطات عن كشف حقيقة إنتشار الأوبئة والأمراض توارثتها السلطات الأقليمية في كردستان أيضا، فمن المعروف أن مرض الإيدز يصاب به الملايين من الأطفال في شتى بلدان العالم، وخصوصا في أفريقيا موطن الفيروس، بينهم حتى أطفال رضع،ولا يتصور عقل إنسان سوي أن هؤلاء الأطفال مارسوا الجنس ولهذا إنتقل اليهم الفيروس، ولكن في المجتمعين العربي والكردي إكتسب هذا المرض سمعة سيئة على الدوام لإرتباط بعض أسبابها بالممارسة الجنسية المحرمة، لهذا تتكتم معظم الدول العربية عن كشف حالات الإصابة فيها، رغم أن المرض قد يكون في بعضها منتشرا على نطاق واسع،ومنذ سنوات حاول الكثير من المسؤولون في كردستان نفي وجود أي حالة من مرض الإيدز في الأقليم، ولكن مصادر إعلامية تمكنت فعلا من تسجيل أكثر من 120 حالة في مدينة واحدة من المدن الكردية؟؟zwj;zwj;.
ورغم البون الشاسع بين الوبائين الذي يضرب أحدهما الطير والأخر الأنسان، الا أن الإنكار المتعمد من السلطات لوجودهما في المنطقة تبعث على الإستغراب الشديد؟zwj; فكل دول العالم معرضة للأوبئة الوافدة مع إنفتاح الحدود وإتساع التجارة وتبادل المواد الإستهلاكية فيما بينها،وليس من المعقول أن ندفن رؤوسنا في الرمال الى أن يضرب الوباء كل مناطقنا فيهلك الحرث والنسل معا.
ويبرر البعض من أنصار نظرية المؤامرة موقفهم من نفي أي وجود حقيقي لشيء إسمه مرض أتفلونزا الطيور قائلين: أنه في العقد الماضي اثيرت ضجة كبرى في عدد من الدول الأوروبية حول مرض جنون البقر، فحرم الناس على أنفسهم تناول اللحوم الحمراء وخاصة لحم البقر، ولجئوا الى تعويضها بلحوم الدواجن،واليوم تعكس بعض الشركات العالمية الآية، بالدعاية لهذا المرض الخطير فيوجهون الناس لشراء اللحوم الحمراء،ويحتجون على ذلك بضجة مماثلة اثيرت قبل عدة أشهر حول مرض السارس،ويعتبرون تلك الضجة المفتعلة بأنها كانت مجرد لعبة من بعض الشركات الإحتكارية إنطلت على الناس لفترة ولأهداف معينة، بدليل أن هذا المرض أنمحى من الوجود وأصبح من الماضي،عليه فهم يعتبرون أنفلونزا الطيور ( فشة) وهذه كلمة كردية تعني (الهراء)،و يرون أنه لا يختلف عن مرض سارس حيث سرعان ما تخبو الضجة حوله بمجرد جني بعض المليارات من الدولارات من قبل الشركات العاملة في تجارة اللحوم.
ولكن بالمقابل وعلى طريقة الدعايات التي يطلقها فيصل القاسم لحلقات برنامجه الإتجاه المعاكس،إليس هناك عدد من الضحايا ماتوا بسبب هذا المرض؟.أليست هناك عشرات المختبرات والمراكز الطبية منشغلة بإيجاد علاجات أو أمصال وقائية للمرض؟ ألم تخصص حكومات العديد من دول العالم مليارات الدولارات لمواجهة هذا الوباء بما فيها بعض الدول التي تعاني من عجز في موازناتها المالية؟.
ليس من السهل أن نقنع أنصار نظرية المؤامرة بهذه الحجج، وبينهم العم علي صالح من سكان قرية في سفح جبل آسوس قرب قلعةدزة الذي قالquot; منذ عشرات السنين ونحن نتوارث في عائلتنا تربية الدواجن والمواشي داخل بيتنا، لا أصبت منها بمرض ولا أصيبت مني بمرض، فهل يعقل أن ينتقل عدوى الحيوان الى إنسان؟ الإنسان إنسان والحيوان حيوان، فكيف يجتمعان في الإصابة بمرض، والله هذا شيء عجيب لم أسمع به طوال حياتي،أنا سأستمر في تربية الدجاج وسأتناوله كل يوم كعادتي ولينطح مدير الصحة رأسه بهذا الجبل خلفي؟؟

شيرزاد شيخاني
[email protected]