لايمكن وصف بعض المسلمين والعرب تحديدا منهم الا بوصف quot;الحسود الحقودquot; وخصوصا اولئك الذين لم يجدوا في الحق الايراني في امتلاك السلاح النووي الا تعديا على quot;حقوق الانسانquot; متناسين ان بين ظهرانينا اكبر ترسانة نووية في العالم فيما هي quot;اسرائيلquot;.
بل ويذهب البعض منهم بعيدا بعيدا ليفرض على الرئيس الايراني المنتخب مايجب ان يقول ومايتوجب عليه ان يفعل متناسين اننا في العالم العربي لانفقه من السياسة الدولية لا النزر اليسير! ولو خطأ ظني هذا لاجاب حجم الجاليات العربية المنتشرة على ارجاء المعمورة والهاربة من جحيم سياستنا الداخلية والخارجية معا. فعلى مستوى الداخل العربي اعتقالات بالجملة وسحق لارادة الانسان وتمييز تارة طائفي واخرى مناطقي وثالثة قومي. اما خارجيا فالامثلة كثيرة واخص بالذكر منها ان برلماناتنا العربية لم نسمع بها يوما وقد استنطقت المسؤولين الحكوميين عن سياساتهم مع الدول الاخرى هذا فضلا عن مراجعة الخطوات التي خطتها الحكومة على المستوى الخارجي وتقييمها. فعلى سبيل المثال لاالحصر لم يكن ايمن نور زعيم حزب الغد المصري مزورا الا بعد ان اصبح مؤثرا في الساحة المصرية وله انصار كثر ويعتبره الكثيرون منافسا قويا لجمال مبارك. كذلك الحال مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدّام على مدى ثلاثين عاما قضاها في خدمة سوريا الاسد، لم يكن لصا ولاكاذبا ولاخائنا ولامرتشيا ولاناهبا للمال العام الا بعد ان تفوه ضد الحكومة التي من المفترض انه احد اهم اركانها وتقييم ابن اوى لها يجب ان يكون ذنب مغتفر في حضرة الاسد؟! ليس من تقييم يذكر لسبب بسيط فالحاكم عندنا نحن العرب فوق النقد والمسائلة وما الارض الا ملكه وما الشعب الا عبيد في بلاطه، ومن كانت هذه حالته فهل يقوى على الحراك؟! بانقلابه الدموي على من سبقه اشترى الارض والعرض وصار الحاكم والمتحكم وهو القاضي والجلّاد وهو الخصم والحكم.
نحن لسنا هنا في معرض ان نعيب على الاخرين تحليل مواقف وسياسات حكومات الدول الاخرى بعين المستقل الواعي ليقدم لمجتمعه خبرة التحليل والتصويب من باب الفائدة واخذ العبرة، بل نعيب على هؤلاء ان يسمحوا لانفسهم التدخل في شأن داخلي لدولة اخرى يتوجب ان نحترم حكومتها على اقل الامور احتراما لشعبها الذي انتخبها والذي يقدر بالملايين من البشر، هذا اذا كنا على اختلاف معها جملة وتفصيلا، ناهيك عن حجم التأييد لتلك الحكومة في الشارع؟ لقد الوصل الامر بالبعض من quot;كتبة الانترتquot; ولا اسمّيهم غير ذلك ان يسبّوا علانية القيادات الايرانية وكأنهم كانوا يبحثون عن متنفس ليفرغوا احقادا وينفثوا سموما في وقت لم نسمع لهم ولا حتى دبيب النمل في الكثير من القضايا العربية والاسلامية ذات المنعطف الخطير على الوطن والامة!
بعض النقاد العرب ومن يمتهنون السياسة كسبا للقمة العيش اقاموا الدنيا ولم يقعدوها لسبب ان الرئيس الايراني قد ردد مقولة طالما رددتها الحناجر العربية ردحا من الزمن من قبيل quot;رمي اسرائيل في البحرquot; مثلا! ولان الرجل على درجة من الحنكة والدراية في السياسة العالمية فهو لم يقل ذلك صراحة ربما لعدم قدرته على فعلها، فالرجل يعرف تماما حجمه ومايستطيع فعله. فجل ماقاله هو quot;يجب ان تمحى اسرائيل من الخارطة الدوليةquot;. ولاننا لسنا على دراية تامة بما يقصده الرجل فقد فهمناها بعقليتنا العربية تماما كرمي اسرائيل في البحر فقمنا مدافعين عن اسرائيل من حيث ندري ولاندري؟! بيد ان مقصد الرجل من محي اسرائيل من الخارطة الدولية هو عودة مواطنيها من حيث اتوا وارجاع الارض الى اهلها من الفلسطينيين وبذلك يمحى شئ اسمه دولة اسرائيل من الوجود. بيد انه كل الدلائل تذهب الى صحة هذا الطرح سواء الديني منها quot;الاسلامي تحديداquot; ام الدراسات الاخيرة المحايدة وحتى الاسرائيلية منها والتي اصبح اغلبها من المحال طمسه او اخفاءه على العامة والتي تؤكد ان اسرائيل كيان ليس له مقومات دولة على المدى البعيد. اما تصريحات الرئيس الايراني الاخيرة حول فرية المحارق اليهودية في عهد هتلر فالاسرائيليون انفسهم يعترفون بانهم قد ضخّموا حوادث كثيرة من هذا النوع استدرارا لعواطف الاخرين من جهة وابتزاز دول اخرى من جهة ثانية. ثم مادخل العرب في شأن دعنا نقول عنه بين عدوين لدودين للعرب هذا اذا سلّمنا جدلا ان ايران عدو للعرب كما اسرائيل. واذا كانت كذلك اليس من الاولى استغلال طاقات هذا العدو لتدمير العدو الاخر وذلك بناءا على قاعدة quot;عدو عدوي صديقيquot;؟!
الغريب في الامر ان صدام حسين حينما كان يردد التهديد والوعيد لاسرائيل كان يعتبره جل العرب بطلا قوميا لانه عازم على رمي اسرائيل في البحر دعائيا! والمفارقة الاغرب هي ان اغلب المثقفين العرب وهم متفقون مع حكامهم في هذا الطرح هو انهم لايحبون ان يسمعوا هذا القول من غيرهم وان كان هذا الغير هو ايران الذي يعتبره العرب عدوا لدودا على الرغم من تقبلهم لدولة اسرائيل المحتلة لارض العرب في الوقت الذي تدافع فيه ايران عن تلك الارض علانية سواء في لبنان ام فلسطين؟!
الحقيقة المرة هي ان ايران تحرج العرب كثيرا وخصوصا حكوماتهم التي اصبحت بمرور الايام رهينة الكراسي والعروش. هذا الحرج الذي تعدى علاقة الحاكم بالشعب لينتقل ويصبح حرجا دوليا لكل الحكومات العربية التي تصرخ ليل نهار بقدسية الاقصى وحرمة مسجده فضلا عن الارض quot;الي بتتكلم عربيquot; ويستبيحها مستوطن قدم من اقاصي الارض ولايواجه الا اكف ناعمة تمسك حجرا ضمن مشهدا بات مألوفا على الشاشة العربية. الحرج الاخر هو الديمقراطية التي تنتهجها ايران في تداولها السلمي للسلطة والذي تفتقر اليه كل الانظمة العربية بلا استثناء ماخلا الكويت وشيئا من هذا القبيل في لبنان! اما قصة الدبلوماسية الايرانية ونفسها الطويل في المباحثات والمناورات والشد والجذب فذلك قصة اخرى تجد فيها حكوماتنا العربية شئ يستحق من اجله ان تدس رأسها في الوحل تماما كما النعامات؟! وقائمة الحرج بطبيعة الحال لاتنتهي عند العلاقة القوية التي تربط الحكومة الايرانية بشعبها، كيف لا وهي من رحمه، على خلاف الانظمة العربية تماما.
المثير للسخرية هو ان العرب باقون متسمرون في اماكنهم بينما طوّرت ايران من امكاناتها التسليحية والاقتصادية وهي في طور النمو النووي لتصبح مرشحة للدخول الى منتدى الدول العظمى على الرغم من الزمن القصير من عمر الدولة الاسلامية الحديثة والردح الطويل من عمر الدول العربية فاقل حاكم عربي لم يقل حكمه عن الخمسة والعشرين عاما وهو عمر الدولة الايرانية الحديثة؟! الانكى من ذلك هو ان يعتبر العرب ان جانب اسرائيل مامون شره وجانب ايران على الضد من ذلك؟! ولو كنا منصفين حقا فعلى اقل الامور يمكن التعامل مع القضيتين بعين واحدة وبميزان واحد.
نهاية المطاف يؤكد الحدث ان للتأريخ المزيف دور وللطائفية دور اكبر ولاصحاب النظرة القومية الضيقة دور ليس اقل. لكن نصيحة من مجنون فضلا عن عاقل لاولئك الا يرددوا كالببغاوات مايثيره البلاط وان يتركوا ايران وشانها فلديها من يدير بيتها وليس لدينا من يتدبر امر النفايات التي تملأ شوارعنا والعدد المتزايد من طالبي اللجوء على ابواب السفارات الدولية املا في العيش الكريم ناهيك عن حجم المتسولين الذي فاق عدد المنفقين في كثير من الدول العربية، الى غير ذلك من المشاكل التي يجب ان تأخذ من وقت مثقفينا ومسؤولينا الحكوميين اكثر مما تاخذه قضايا الدول المجاورة التي لاناقة لنا ولابعير في التدخل بشأنها الداخلي سوى مضيعة الوقت وقتل الضمير الانساني شيئا فشيئا. وحتى لايتحول الواحد منا الى حسود ناقم على كل شئ وننصرف لايجاد الحلول لمشاكلنا فيجب علينا ان نترك ايران للايرانيين فهناك من يتعمّد ان يصرفنا عن الهدف الاهم فيما هو بناء بيتنا المتصدع الذي هو اولى بكل جهد منا، بالدرجة نفسها التي نطالب بها الايرانيين ان يتركوا شأن العرب للعرب؟!

رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل
www.iraqiwriter.net