ما أن أقرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية حتى انبرى عدد من أئمة المساجد ممن يحسبون على تيار ديني يهاجمون في خطب الجمعة وفي المساجد، وفي الجلسات الخاصة والعامة من سيشاركون في هذه الانتخابات كمرشحين أو كناخبين، وتتفاوت نعوتهم لهم ما بين ارتكاب مخالفة شرعية منكرة، وبين التكفير، ووصل البعض منهم الى الصلاة لله طالبا من الله ان يقضي على أمريكا واسرائيل والسلطة الوطنية، وبصريح العبارة: اللهم عليك بأمريكا واسرائيل، اللهم عليك بالسلطة الفلسطينية.
ودعوات هؤلاء وسذاجة وعفوية بعض المصلين الذين يفتحون ايديهم مرددين quot;آمينquot; أي اللهم استجب دون ان يعوا ما يقال فيها استغلال لتقوى المصلين وعفويتهم في الدعاء والناتجة عن ثقتهم بأن إمامهم لا يدعوا إلاّ خيرا. فإذا كانوا يعتبرون أمريكا واسرائيل عدوين وهذا حقهم، فهل يعتبرون السلطة الفلسطينية التي هي بمثابة المشروع الوطني للشعب الفلسطيني، وهي المقدمة للدولة الفسلطينية المستقلة، هل يعتبرونها quot;عدوا ً ويدعون الله كي يقضي على هذا العدو؟؟ وهل دولة الخلافة التي يحلمون بها ضد استقلال الشعب الفلسطيني، وضد خلاصه من نير احتلال بغيض اهلك البشر والشجر والحجر؟؟
لكن المحزن ان اصحاب هذه الدعوات التي يطلقونها في الاردن وفلسطين فقط من بين جميع الدول العربية والاسلامية، سبق لهم وان خاضوا هذه الانتخابات ثلاث مرات في الاردن، وفي المرة الاولى كان مرشحهم عام 1958 في الاردن وهو رجل- رحمه اللله ndash; مشهود له بالعلم والتقوى والاجتهاد، وهو مؤسس حزبهم، وكلهم عيال في مدرسته، ولم يحالفه الحظ بالوصول الى المجلس النيابي، فهل هم يحللونها متى يشاؤون ويحرمون متى يشاؤون ايضا؟ وهل هناك نص قطعي في الكتاب او السنة او اقوال الصحابة او التابعين او المجتهدين، او العلماء الذين يعتد برأيهم يحرم المشاركة في الانتخابات النبابية حتى يحرموها!! وقد خفت ان تخونني معلوماتي بهذا الخصوص فسألت عددا ممن هم أعلم مني في العلوم الشرعية، وجميعهم اكدوا بعدم وجود ما يحرم الانتخابات، حتى ان سماحة القدس والديار الفلسطينية وجه دعوة عبر وسائل الاعلام ومن ضمنها الفضائيات داعيا جمهور الناخبين الفلسطينيين الى المشاركة الجماعية في الانتخابات، وفي العراق الشقيق الذي يعيش ظروف احتلال مشابهة كان على رأس القوائم الانتخابية رجال دين مسلمين من السنة والشيعة.
وفي مصر الشقيقة شاركت حركة الاخوان المسلمين في الانتخابات والازهر الشريف أيد الانتخابات، وفي فلسطين تشارك حركة quot; حماس quot; المنبثقة عن جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية، كما شاركت في الانتخابات المحلية، والذي يعارضها ويتحفظ على مشاركتها بل يتخوف منها امريكا واسرائيل، فهل تتفق مصالح امريكا واسرائيل مع مصالح دعاة دولة الخلافة؟؟
ولقد سألت بعضهم عن وجه حرمة المشاركة في الانتخابات، فأجابني احدهمquot; ان ما بني على باطل فهو باطل، وهذه الانتخابات مبنية على اساس اتفاقات اوسلو quot; ومع التحفظ على هذه الاتفاقات التي لم يبق منها الا الاسم فان الفضل يعود اليها في اقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي عودة حوالي ربع مليون فلسطيني، جزء منهم قيادات سياسية، وجزء منهم مقاتلون في صفوف الثورة الفلسطينية، فهل اقامة السلطة الوطنية وعودة هذا العدد الكبير من الفلسطينيين الى ديارهم عمل منكر، يخرج الداعمين له من الايمان ويدخلهم في الكفر؟؟ واين نحن من quot; وامرهم شورى بينهم quot;؟؟
وهل يتقي دعاة مقاطعة الانتخابات ربهم في شعبهم؟؟ ويعيدون النظر في حساباتهم ام انهم يريدون ان تبقى الاراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، حتى تفيض بالمستوطنات والمستوطنين، ويتم تشريد من تبقى من شعبنا في اصقاع الارض انتظارا لدولة لخلافة التي يؤمنون بحتمية اقامتها ثانية؟؟ وعلى ماذا يراهن هؤلاء؟؟ خصوصا وان دعوتهم لمقاطعة الانتخابات ليست مجرد وجهة نظر، خصوصا عندما خرجت الى دائرة التحريض واستعمال منابر المساجد لخدمة هذه الدعوة.
ومع ذلك فاننا ندعو الله ان يهديهم ويعيدهم الى سواء السبيل.

جميل السلحوت