المسئول العربي: ينطلق في تحمل المسئولية من مبدأ خدمة مصلحة الذات والأقارب على حساب مصلحة الإنسان والوطن، لأنه يفتقد الثقافة والقيم التي ترفع مصلحة الوطن فوق كل المصالح وينظر للإنسان سواء ذلك الذي يشاركه المواطنة أو الإنسانية كأداة تحقق له المزيد من المصالح. هذا النوع من المسئولين لا يكل ولا يمل من البحث وراء المزيد من المال الذي لايستحقه ونهب المزيد من الأرض التي لم تكن ملكا له كأبشع أنواع الإقطاع في القرن الواحد والعشرين. وعندما يترك الحبل على الغارب للمسئول العربي كي يعبث بأموال وأراضي الوطن دون أن تتم مساءلته كأبسط أنواع الجزاء، فإنه يصاب بمرض quot; عدم الشبع quot; مما يجعله يبحث عن المزيد حتى يصل به الأمر إلى أن يطمع في بعض أملاك المواطنين. بل أنه ينسى دوره في مراقبة الأعمال التي تقع تحت مسئوليته ويصبح أغلب المرؤوسين في إدارته مصابين بنفس المرض الإقطاعي، وتصاب المؤسسة التي يرأسها ذلك المسئول بالمرض، وينعكس كل ذلك على مصلحة الناس والوطن بكل الآثار السلبية التي تسيء إلى سمعة البلد وترسخ فكر الفساد لدى الشباب الطامحين لخدمة أوطانهم مما يجعلهم يفكرون في استخدام أقصر الطرق للثراء عن طريق الفساد وهم يرون المسؤولين العرب quot; القدوة quot; يمثلون أوضح أمثلة الثراء السريع المتجرد من أبسط قوانين الضمير والنظام والعدالة.

المسئول الغربي: ينطلق في تحمله للمسئولية من مبدأ خدمة الوطن والإنسان على حساب المصلحة الشخصية الضيقة، مستندا على ما تعلمه من قيم وثقافات تؤثر في الضمير الإنساني كي تجعله مستيقظا و مدعومة بقوانين قوية لا تفرق بين شخص وآخر مما يجعل الإنسان يفكر كثيرا كلما حاول الضمير فيه أن يستسلم لشهوة الإغراء المادي ضد مصلحة الإنسان والوطن.

ثقافة تقوية الضمير في الغرب تجاه حقوق الإنسان ومصالح الأوطان، تبدأ من البيت فالمدرسة، والمجتمع بكل قنواته الإعلامية والثقافية، لكن المجتمع الغربي لا يركن إلى تلك الثقافة دون أن يسندها بالقوانين التي لا يكبر عليها أحد ويخضع لها الجميع مما يجعل من القانون حاميا لمصالح الناس والأوطان. بينما يفتقد العرب إلى ثقافة تقوية الضمير عدا ما يوصي به الدين من قوانين شرعية تمنع استغلال السلطة لسرقة ثروات الشعوب، لكن الدين في الأوطان العربية لا يطبق سوى عبر المفاهيم الخاطئة عند بعض المحسوبين كمتحدثين باسمه، حيث لا نرى رجل دين يحارب الفساد وسرقة الأموال واحترام حقوق الناس، بقدر ما نسمع ونشاهد أولئك الذين يدعون التحدث باسم الدين ولكن كأعداء للإنسان يقفون ضد حريته ويسكتون عن قول الحق. كما أن العرب يفتقدون إلى القوانين التي تحافظ على حقوق المواطن ومصالح الوطن، وإذا وجدت تلك القوانين فهي للاستهلاك فقط، لأنها تسقط ولا تصلح للتطبيق منذ أن يرى الناس مسئولا ينهب أرضا ليست له في وضح النهار، ويودع في حسابه مالا تم رصده لأحد المشاريع التنموية دون أن يخشى مساءلة من قانون غائب أو مغيب.

المسئول الغربي: يعتبر الأمين على مصالح الناس والوطن.

والمسئول العربي: يعتبر أول من يكسر القوانين ويخون الضمير ويستهتر بالوطن وبالمواطنة.

المسئول الغربي: يتشكل الوطن في دمه منذ نعومة أظفاره.

والمسئول العربي: يتضخم الطفل فيه حتى يصبح (وطنا ) لذاته المريضة.

الفرق بين المسئول الغربي والمسئول العربي كالفرق بين الوطن في الغرب والوطن عند العرب.

الوطن في الغرب: كبان... وعند العرب: كانتونات..!!

ويستغرب بعض المسئولين العرب عدم احترام الناس له، وكأنه تربى على أنه فوق القانون، وأنه ليس من حق الناس أن تتساءل عبر السؤال البسيط المهم ( من أين لك هذا )؟!

وهو يعتقد أنه على حق عندما يسرق الأرض وينهب المال ويصبح قدوة لكل اللصوص في إدارته التي تتحول إلى عصابة من الانتهازيين طبقا للقول ( إذا كان رب أهل البيت سارقا فشيمة أهل البيت هي السرق ).

ويغضب المسئول العربي لو قيل له أن إدارته قد تحولت إلى وكر للفساد الإداري حيث تنتشر الواسطة والمحسوبية والرشوة وسرقة الأموال وضياع حقوق الناس، وربما يقسو على بعض الذين ينتمون إلى إدارته انتقاما لسمعته التي انفضحت دون أن يدرك أن المشكلة تكمن فيه وليس في الموظف الذي تعلم الفساد في مدرسة المسئول الفاسد.

الناس تحتقر المسئول الذي يسرق أموال الناس والوطن أشد الاحتقار، وتكفر بكل القيم التي يدعيها ذلك المسئول.

وكل مسئول يسرق أموال الوطن وينهب أراضيه يعتبر مسئولا خائنا للوطن ويجب محاكمته ومعاقبته بأقسى أنواع العقوبات، لأنه يكـــــّره الناس بوطنهم، وبقيمهم، ويجعلهم مشككين في أنهم (خير أمة أخرجت للناس ). بل أن ذلك المسئول قد يكون قدوة لأجيال من اللصوص التي كان يجب أن تقتدي بمسئول يقدر المسئولية ويعشق الأرض، ويطمح إلى خدمة الوطن بإرادة الرجال الأمناء الشرفاء الذين يحلمون ببناء الشعوب القوية.

وغالبا ما تتساءل الناس بألم وحسرة: كيف يتم محاكمة اللصوص الصغار (لصوص الملاليم ).. ولا يتم محاكمة لصوص (الملايين )؟!

ويعتقد المسئول العربي أن الناس تحبه بالرغم مما يمارسه من فساد إداري، لأن المال الحرام قد حوله إلى إنسان بدون شعور أو إحساس بالمسئولية والأمانة.. ولا أعرف كيف سوف يكون شعور المسئول العربي لو قال له إنسان متضرر: يا لص؟!

هل سيصدق أنه لص أم أنه سوف يغضب؟!

لكنه مهما فعل يعتبر في نظر الناس لصا كبيرا... رضي أم لم يرضى!

لأن من أخذ شيئا ليس له فهو لص.

لكن مشكلة المسئول العربي، أن بداخله طفلا لم يكبر، وهذا يجعله دائما يعتقد أن العالم كله ملك له!

وعندما يكبر المسئول في سنه دون أن يكبر بداخله ذلك الطفل ويتحول إلى لص مسئول، يستغرب أن يقول له أحد.. خلاص.. كفى.. ماشبعت؟!

وهكذا تضيع المشاريع.. وتتحول المدن العربية إلى مجاري للصرف الصحي، وشوارع مخنوقة، ولا أحد يعرف أين ذهبت كل الأموال المصروفة التي تتكرر إعلانات مشاريعها سنويا دون أن يسمع الناس سوى الجعجعة وقد طار المسئولين الفاسدين بالطحين والطاحون والطحان!

لقد شاهدت مرارا مسئولين في مطارات عربية يطلبون الرشوة أمام الناس، وتألمت من رؤية تلك المناظر المؤذية، والأكثر إيلاما أن هناك مسئولين عربا يسرقون ليل نهار ولا يشبعون ولم يجدوا من يوقف سرقاتهم عند حدها، لأن هذا النوع من المسئولين تربى تربية فاسدة فهم عن طريقها: أنه من جنس الملائكة وغيره من جنس الشياطين. تلك التربية الفاسدة جعلته يتأفف عن مراعاة شعور وحقوق البشر (الشياطين ) وهو يمارس الفساد في أبشع ألوانه.

أخطر شيء: أن يعتقد اللص أنه شريف.

وبسبب ذلك الاعتقاد: يتناسل اللصوص العرب أكثر من الشرفاء في ظل غياب القوانين التي تمنع الذين فسدت ضمائرهم أن يسرقوا أموال الشعوب!!

سالم اليامي

[email protected]