إسمحوا لي إن كنا نتحدث عن الديمقراطية و الحرية في كوردستان العراق أن أتخذ موقف المعارض من إتفاق الإدارة الكوردية الموحدة الذي دخل حيز التنفيذ بعد أن أقره البرلمان الكوردستاني في هولير. و لدي في ذلك أكثر من سبب و مبرر تمليه أهمية المرحلة الراهنة و خطورتها. و لعل أهم سبب يدعوني و يشدني الى موقف المعارض هو أن ماتم الإتفاق عليه بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الرئيس مسعود البارزاني و الإتحاد الوطني الكوردستاني برئاسة الرئيس جلال الطالباني هو أقرب الى شكل laquo; التسويةraquo; منها الى laquo; الإتفاق raquo; و شتان بين هذا و ذاك. فقد كان الشعب الكوردي ينتظر بفارغ الصبر أن يفضي مرحلة ما بعد إنحدار الديكتاتورية و سقوط النظام البعثي في بغداد الى إنتشال الإقليم الكوردي من حال الإنقسام و الفوضى و تقاسم النفوذ. و بالتوازي مع سعي القيادة الكوردية للعب دور محوري و أساسي في العملية السياسية الجديدة في العراق و تبوأ موقع رئيسي في المعادلة الوطنية العراقية التي يحاول كل مكون و طيف عراقي أن يكون أحد أطرافها المهمة، دخل الحزبان الكورديان الأساسيان في مناقشات و حوارات جادة بهدف توحيد الإدارة الكوردية و مؤسساتها المنقسمة بين إدارتي السليمانية و هولير و أخذت من الوقت الطويل ما يكفي للوصول الى إتفاق نهائي و شامل ينهي جميع القضايا الخلافية بين الطرفين، بيد أن الإتفاق المعلن و الأخير حول الإدارة الموحدة و الذي أعلن من قبل الرئيس مسعود البرزاني و تم تصديقه من قبل البرلمان الكوردي جاء دون سقف التوقعات و مخيباً للآمال. ما تم الإتفاق عليه بصدد الإدارة الموحدة لا يشكل إتفاقاً بمعنى الإتفاق و إنما تسوية سياسية مرحلية عالجت بعض القضايا الثانوية و اجلت القضايا و المسائل الأهم الى مرحلة لاحقة دون وجود أية ضمانات أو تطمينات قانونية لحلها. فالخلافات الأساسية بين الطرفين كانت تدور حول توحيد قوات البيشمركة و قوات الأمن و توزيع الثروة عائدات المعابر الحدودية. الإتفاق كما تم الإعلان عنه أجل توحيد وزارات الداخلية، البيشمركة، المالية و العدل و هي من الوزارات الأساسية في الحكومة الإقليمية في أية دولة فيدرالية ديمقراطية في العالم، مما يعني أن تقاسم السلطات الفعلية على الأرض سوف تكون قائمة في الإقليم الى حين الإتفاق النهائي على توحيد جميع الوزارات و المؤسسات الكوردية و خاصة تلك المؤجلة لفترة عام. و لعل من الواضح في هذا السياق أن ما يؤسس لأي حوار أو نقاش بين الطرفين حتى الوقت الراهن هو منطق المحاصصة الحزبية الذي لا ينسجم مع التقاليد الديمقراطية و آليات إدارة الحكم بالرغم من إجراء إنتخابات برلمانية، حرة و نزيهة التي من المفروض الى تؤدي الى فوز أحد الأطراف و دخول الأخر في معارضة داخل البرلمان و يؤدي بالتالي الى قيام النظام الديمقراطي المستقر و المتوازن في كوردستان. كما تم ملاحظة غياب قانون واضح و صريح فيما يتعلق بتشكيل الحكومة و إلا ما معنى إستحداث هذا العدد الهائل من الوزارات التي يمكن الدمج بين الكثير منها توفيراً للموارد و الإجراءات البيوقراطية التي إستغنت عنها معظم الديمقراطيات العالمية المعروفة، الأمر الذي يشير الى قضية في غاية الخطورة و هي تطويع الديمقراطية لإرادات حزبية و فئوية ضيقة إستشرت في المجتمع الكوردستاني نتيجة للظروف الإستثنائية التي عاشها شعب كوردستان في عقود سابقة.
لهذا ما تم الإعلان عنه بشأن توحيد الإدارة الكوردية في إقليم كوردستان هو تسوية سياسية جزئية بين الديمقراطي الكوردستاني و الإتحاد الوطني الكوردستاني و لا يرتقي الى مستوى الإتفاق الكامل و الشامل الذي ينهي كل الخلافات و الإشكاليات التاريخية بسبب جملة الأسباب الأنفة الذكر و التي يشكل كل خطوة في طريق تجاوزها الخطوة الأولى في سباق الالف ميل صوب تحقيق طموحات شعب كوردستان في نظام ديمقراطي تعددي يأخذ بعين الإعتبار مصالحه أولا و أخيراً و بما يحقق الأمن و الإستقرار في ربوع كوردستان.
زيور العمر
التعليقات