يعاد النقاش دوما في المستوى السياسي العربي عموما والسوري خصوصا حول العلاقة مع أمريكا والدور الأمريكي في المنطقة، وفي كل مرة نجد أنفسنا أمام حزمة من الخطب التي تتكرر دوما أيضا ! وفي كل مرة أيضا لا بد من دخول المرء على خط النقاش الساخن ـ ليته نقاشا بل اتهامات واتهامات بالعمالة والخيانة متبادلة بين السلط وبين النخب من جهة وداخل النخب نفسها وخصوصا بات الآن لدى النخب مثالا سيئا كما تراه قسما من هذه النخب وهو الحالة العراقية عموما ومعارضتها السابقة التي أصبحت في السلطة الآن خصوصا ـ وأمريكا ليست بوارد تخليها عن ديمقراطيتها التي يمكن أن تجلب إلى السلطة هناك تيارات محافظة أو غير محافظة وتسبب سياسياتها في العالم كثيرا من السوء والكلبية في البحث عن مصالح محددة ! كما أنها ليست بوارد أن تتخلى لأي كان عن دورها الريادي في الاقتصاد العالمي ! ولم تكن أي من تلك الدول تمثل في يوما ما مشروعا للعدالة الاجتماعية على مستوى الدول نفسها والعالم فهي ول رأسمالية بالمؤدى الأخير للكلمة ! وأعتقد أن الدلالات الأساسية لهذا المفهوم واضحة ولا تخفي على أحد ! وهنا يحضرك تساؤل مشروع وجبهي مع ما نقول وداخل الهم السوري:
هل إيران دولة عدالة اجتماعية وتتحرك في العالم الإسلامي لتحقيق العدالة الاجتماعية؟!
من البداهة في رأيي أنه عندما يغيب بشكل كامل وسافر دور الدولة في مجتمعاتنا فإن المحدد للسلوك السياسي هو دور المغتصب لدور هذه الدولة المغيب وهي هنا السلطات المحلية في دولنا العربية ! فيصبح الحديث عن دور الدولة هو حديثا وبشكل تلقائي عن دور السلطة / ديكتاتورية / عن دور أشخاص هذه السلطة ومصالحهم ورؤيتهم لتحقيق هذه المصالح تحت بند مصلحة شخص أولا ! لأنه هو المحدد الأساس وسأعطي مثالا:
كان الراحل حافظ الأسد لايسمح لأية قوة يسارية سورية أن يكون بينها وبين السوفييت أية علاقة من نوع ما شريطة أن تكون هذه القوة حلفيته أو تدور في فلك سياسياته أو خاضعة له!
أما عندما تكون هذه القوة السياسية معارضة لسياسة الأسد فيتهمها بالعمالة لموسكو ! وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع أمريكا والتي بقي يحصرها بيده هو شخصيا في مدها وجزرها حتى رحيله ! وكل من تسول له نفسه الاتصال بأمريكا فإن الحكم عليه هو إما الإعدام أو البقاء في السجن حتى أجل غير مسمى ! ولكنه يسمح لنفسه بنفس الوقت أن يستقبل المعارضين للسياسة الأمريكية وهم أمريكان الأصل ! لماذا يستقبل معارض أمريكي أو عراقي / كان يستقبل كل قيادات المعارضة العراقية أيام صدام حسين صنوه الأكثر غباء ! وأعدم الآلاف بتهمة التعامل مع العراق !تماما كما كان يفعل صدام ! دون السؤال البسيط أين تكمن مصلحة الدولة السورية في مثل هذه المعادلة وماتنتجه من معيار سياسي في الحكم على أي معارض يتصل بأية جهة كانت !
كمال اللبواني نموذجا ! وصلت التهمة الموجهة إليه إلى عقوبة الإعدام لاتصاله بأمريكا علنا وعلى رؤوس الأشهاد، بينما السلطة تتصل بمن تشاء ودون أن يعلم المواطن السوري ما يدور من مباحثات داخل هذه الاتصالات ! إن البساطة في الحديث تقتضي التالي:
لأن السلطة تعرف أن التغيير هو موضوع فعل وتحشيد قوى من أجل هذا التغيير وتعرف أن التغيير في العالم الراهن من سلطة ديكتاتورية نحو الديمقراطية يتطلب دعم المجتمع الدولي فإنها:
لاتسمح لكائن من كان بأن يحوز على هذا الدعم ! لهذا عندما تفكر المعارضة بعدم الاتصال بدول العالم من أجل دعم مطلبها في التغيير الديمقراطي وشرح موقفها أيضا لمجتمعات هذه الدول من أجل تكوين رأي عام ضاغط وتثقيل ميزان قوى التغيير، عندما لاتتصل فإنها تخدم دون إرادة منها ما تريده هذه السلطة ! لأن غالبية القوى المعارضة مقتنعة أن المجتمع الدولي لازال لم يرفع الغطاء عن النظام السوري ! ومنها من يقول: لو أرادت أمريكا والدول الغربية تغيير هذا النظام لفعلت، ولكنها لاتريد ! وهذا ليس العجيب بل العجيب أنه عندما يذهب معارض ويتصل بإحدى هذه الدول نفس هذه القوى تتهمه بالعمالة بنفس ميزان السلطة !
هذه حال النخب السورية الآن !
علينا تجديد الورشة المفاهيمية للعملية السياسية وخطابها الذي بات خاليا من الحضور المباشر للأيديولوجيات المهزومة في كل دول العالم ماعدا سورية ـ نحمد الله على هذه النعمة !
عندما يبيع القذافي نفط ليبيا للغرب هل يأخذ الغرب هذا النفط مجانا !؟ وهل يقوم هذا الغرب بتحويل المسلمين الليبيين إلى المسيحية !؟ كما تفعل إيران الآن في حملة التشييع التي تقوم بها الآن في سورية ! أم أن إيران دولة تناصر القضايا العربية !؟ إن القذافي يأخذ كامل أسعار النفط وفق السوق العالمية ويتصرف بها كسيد أوحد ! كما كان الراحل يفعل نفس الشيء في سورية !
هل يمكن لرئيس أمريكي أن يتجرأ مجرد تفكير في أن يطرح مشروعا يتصرف بموجبه بقسم لو بسيط من عائدات الدولة الأمريكية في أي قطاع من القطاعات الاقتصادية؟!
إن السلطة في سورية منذ بدايتها كانت تراهن دوما على العلاقة مع أمريكا ! لم تكن تهتم بنتائج هذه العلاقة على الدولة السورية والشعب السوري أو اللبناني ! بل جل همها هو مصالح هذه السلطة التي يحددها في النهاية رجل واحد يريد أن يبقى إلى الأبد حاكما بالحديد والنار !
أما من جهة المعارضة فعلينا القبول بالتالي:
إن القوى صاحبة المصلحة في تغيير النظام نحو نظام ديمقراطي هي قوى متعددة المشارب والمصالح والأهداف سواء على المستوى الأيديولوجي أو على المستوى الشخصي ! منها من يرى مصلحة سورية تكمن في العداء لأمريكا ومنهم من يرى مصلحتها تكمن في تبادل المصالح مع هذه الأمريكا وبينهما توجد تيارات متنوعة كثيرة في رؤيتها لهذه العلاقة، وما يجمعها رغم ذلك هو أكثر مما يفرقها وهو المطلب الديمقراطي السوري وبعدها لتحدد كل قوة ينتخبها الشعب برنامجها للعلاقة مع أمريكا ! وعندها مهما كان موقفها فهو مختبر من قبل صندوق الاقتراع !
أما الآن لنترك هذه المساحة قليلا وهي مساحة خلاف ! ويتم البحث في السبل الكفيلة بجر المجتمع الدولي لتبني المطلب الديمقراطي السوري وهذا لايتم باستمرار حالة الخوف من الحوار مع القوى والفعاليات الدولية الحكومي منها وغير الحكومي ! وعلى أرضية واضحة المعالم. وهذا التواصل لايمنع مطلقا بقاء الحوار في المنطقة العمومية والتي تدور حول السبل في دعم حركة المعارضة كلها. لايمنع أن تتعرض بالنقد الدائم للسياسات الغربية التي من شأنها ألا تكون في مصلحة شعبنا. ولكن بعيدا عن خطاب السلطة المتحرك بتحرك هذه المصلحة السلطوية الضيقة
كما أن المصالحة مع العالم بكل ما فيه هي من مصلحة الشعب السوري !

غسان المفلح