السيد المرابط حسن نصرالله
تحية وبعد:

في البداية ألفت نظركم، بأني صعلوك يساري فوضوي (رهن متاعه في سبيل القضايا الخاسرة) وأحد

أريد أن أرسم المشهد ثانية... وحسبي أن تفهمني دون الخوض في ملابسات إحتلال العراق، والذي أثمر عن كثير من الويلات والخراب ومنها تلك المحكمة المهزلة..لأسير حرب في دولة محتلة ..لأن عكس هذا الكلام يعتبر إشكالية قانونية وأخلاقية، لاأنتظره من شخص عزيز بمقامك، وقائد يقيم للتاريخ وزنا
المهرطقين الكارهين لديباجات الدين وثنائياته القاتلة، لكني أكنّ لكم، ولمدرسة محرومي جبل العامل كل المحبة والتقدير، ومشاعر الأخوة النبيلة، لما تمثلوه من قيّمة إنسانية نضالية، تقف أمام قوى الطغيان والإستكبار والجبروت( ذرا لإستخدامي قاموس كلماتكم، التي أتفق مع مضمونها ليس أكثر)
أود أن أحيطكم علما، بأن إعدام الرئيس العراقي صدام حسين قد أثارني، لما تحمله الصورة من دلالات رمزية وميثولوجية ساحقة ..فكما تعلمون، فإن التاريخ في جوهره العميق ليس أكثر من قاطرة لرأسمال رمزي ومادي، وقوة غير منظورة لتحريك الوعي الجمعي..ولأنكم معنيّون بما حدث، رأيت من واجبي أن أدبج لكم هذه الرسالة:
الأخ المرابط حسن نصرالله:
شاهدتم ولا شك صورة الإعدام ، والتي بدت كما لو أن مجموعة من الغوغاء تقود قديسا في ساحات روما القديمة، أو مسيحا يصلب في يوم الفصح اليهودي، أو حلاّجا كان يتوضأ بالعشق، فقطعت أطرافه على ضفاف دجلة؟..للصورة أيها المرابط ( شعرية أم رمزية ) قوة تدخرّ المعنى وتأبده في الذاكرة..أذكركم بصورة تشي غيفارا وهو مسجى في تلك القرية البوليفية البائسة..والتي تطابقت بمحض الصدفة، مع صورة ابن الناصرة المصلوب، مما سبب طيرانها السحريّ في أرجاء المعمورة ولتصبح لعنة أبدية على قاتليه!!


أعلمكم أيها المرابط، بأن صورة صدام ، مقادا من جلادين مقنعين، يضعون أنشوطة الإعدام في رقبته ، وماصاحبها من هتافات ..مقتدى ..مقتدى ...اللهم صلي على محمد وآل محمد ( بلكنة معروفة ) وكأنها تأخذ بثارات ( سقيفة بني ساعدة ) في برهة زمنية ظهر فيها صدام رابطا جأشه كقديس ..أقول هذه الصورة سحقتني، وأجبرتني على البكاء!! وأرغمتني على التعاطف معه، وعلى مقت ضحاياه ولعن تلك القصة السقيمة منذ فتنة عثمان إلى اليوم!! ليس لأني من عشاق نظام صدام، فأنا أعرف أن حكمه كان تراجيدية مليئة بالأنات والغصات، وأعرف أن آلاف العائلات في إيران والعراق كانت تنتظر مايشفي غليلها( الغريزي ) منه !!


الأخ أبو هادي
أريد أن أرسم المشهد ثانية... وحسبي أن تفهمني دون الخوض في ملابسات إحتلال العراق، والذي أثمر عن كثير من الويلات والخراب ومنها تلك المحكمة المهزلة..لأسير حرب في دولة محتلة ..لأن عكس هذا الكلام يعتبر إشكالية قانونية وأخلاقية، لاأنتظره من شخص عزيز بمقامك، وقائد يقيم للتاريخ وزنا.. فالمشهد فبرك بعناية فائقة، وبإشراف علماء ودهاة استطاعوا ببراعة أسطورية أن يصلوا إلى أهدافهم، التي ترمي إلى احتقار الأمم وتحويل المشهد إلى مجرد إعدام شخص (سنيّ) في جمهورية شيعية ثأرية متوحشة ؟؟ صدقني إن الحكومة الحالية لاتستطيع فكّ رجل دجاجة، ومالكها( المالكي) شخص مملوك..لذا كنت أتمنى لو تساءلتم من أين للجزيرة بهذا الفيلم( الرديئ) ومن كان وراء تسريبه؟


أعلمك وبكل مرارة أن هنالك من أوقع الجميع في المصيدة، مستخدما بعض المشبعين غباءا ( في مذهب التشيّع ) ..لقد تمت مسرحة المشاهد، بعبقرية فذة كي تمهد بالنتيجة لحلف سنيّ عربي متأجج ومحتقن بعواطف الثأر والكراهية المقيتة( وكأن عثمان بحاجة لقمصان جديدة )..أعتقد يا أبا هادي، أن إعدام صدام هو الطلقة الأولى في حرب تدمير إيران وتدمير كل مابنيتموه من إرث وطني وأخلاقي في لبنان، لهذا كله أرجو أن تدينوا ماجرى( حتى وإن خالفتم رأي المرجعيات التي تأسركم بتقليدها) ..كتبت هذا لعلمي أنكم من القلائل الذين أتشرف بالكتابة إليهم.


وأخيرا أرجوكم ملاحظة مايلي:
تم تسليم الزعيم الصربي ميلوشوفيتش لمحكمة لاهاي يوم28. 06. 2001 لما يمثله هذا اليوم من رمزية في الذاكرة الوطنية الصربية..ففي نفس اليوم من عام 1389م ، ذكرى موقعة أمزلفيلد بين السلطان مراد العثماني والقيصر الصربي لازار، وقد قتل في تلك الموقعة كلاهما..لكن الذاكرة الصربية اعتبرت ذلك اليوم من مقدساتها الوطنية، وفي نفس اليوم من عام 1914م قتل صربيان مدججان بالعزة القومية وريث العرش النمساوي فرنديناد ! لهذا اقتضى التنويه مع التقديروالإحترام.


نادر قريط