هذه هي المرة الثانية، التي أرنو فيها إلى الشاشة الصغيرة، وهي تعرض فلم quot; ناجي العلي quot; بطولة الممثل المصري نور الشريف وإخراج مواطنه المخرج المعروف عاطف الطيب. المرة الأولى كانت في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وكانت في طهران، التي عرضت قناتها التلفزيونية الأولى الفلم، كاملا ً، عصر ذات جمعة، احتفاءً بالذكرى السنوية لاغتيال رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشهير، بين 22 تموز ( يوليو ) ndash; 29 آب ( أغسطس ) 1987، في العاصمة البريطانية لندن.


أما المرة الثانية، فكانت قبل عدة ليال ٍ، حينما عرضت قناة quot; روتانا سينما quot; الفلم، لكنها quot; قضمت quot; منه أهم جزء فيه، وهو الذي يصوّر مجريات حياة ناجي العلي، في لندن، حتى اغتياله.

موضوع قضم الأفلام والرقابة على المصنفات الأدبية والفنية والثقافية عريض وطويل وشائك، ولعلنا نحن الكتاب والمثقفين والأدباء والصحفيين في طليعة ركب ضحاياه، سواء ً في نتاجنا أو في أنفسنا وأرواحنا وأهلينا أحيانا، لكن غير المفهوم لي، أن يقتطع مقتطـِع، أو يقضم قاضـِم، أهم جزء في فلم، أو مربط الفرس وبيت القصيد كما يقال، ثم يردد عبارته المملة:... مش هتقدر تغمـّض عينيك!


المشكلة، أن هذه السياسة آتت أ ُ كـُلها في quot; إنتاج quot; طـُرُز من المتلقـّين ممن لايفرّقون بين الناقة والجمل. فمن الطبيعي أنك حينما تحجب الحقائق عن الناس، رعاية لخاطر فلان، أو خشية من علا ّن، فإنما تساهم في حملة تجهيل شاملة، من شأنها أن تأتي على الأخضر واليابس من الوعي. والمشكلة الأخرى، أن المتلقـّين ليسوا قادرين جميعا ً على تجميع أجزاء الصورة المبعثرة من مصادر شتى، كما تفعل النخب المثقفة، لاستخلاص الصورة الأقرب إلى الحقيقة، أو استنتاج ملخص لما حدث على أرض الواقع بالفعل. والمشكلة الثالثة، أن الأبواب موصدة في وجوهنا، معنويا وماديا، بحيث أنه لم يعد في مقدورنا الوصول إلى الجميع، لإطلاعهم على الحقيقة كما هي، أو كما نراها، كمراقبين، على قدر من الوعي والحياد والنزاهة.


كان من الواضح والجلـي ّ، أن أحدا ً غير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفريقه، لم تكن له مصلحة في إنهاء quot; شغب quot; ناجي العلي. وكان من الواضح أيضا ً، أن الفنان الشهيد زوّدها حبـّتين، أو ثخـّنها كما نقول عراقيا ً، عندما ابتكر رموزا ً أخرى موازية لرمزه الشهير حنظلة، مختصرا ً فيها كل الأقوياء على ساحته الفلسطينية والساحة العربية عموما ً، كتلك الرموز التي ضمرت أطرافها السفلى، إلى درجة الاضمحلال والذوبان في الإليتين!


ما كان منتظرا ً من مافيات الأقوياء والجبـّارين تلك، أن تمزح مع ذلك الرجل النقي، وما كان لها أن تغفر له تساؤله إزاء أحدها عن صفعة سلام ووئام أوسلوية، طبعت على إليته اليمنى: من الذي quot; لبـَطـَـك quot; على خـد ِّك quot; الأيمن ؟ ألسنا نقول في العراق عن الواحد من الشقاوات والزعران quot; إيده والسكـّين quot; ؟ فكيف غابت هذه الحقيقة عن ضمير حنظلة اليقظ.


ليس ناجي العلي فحسب. بل ثمة العديد من القضايا والملفات التي ينبغي أن يعاد فتحها من جديد، لفتح عيون الناس على الحقائق الصارخة. لقد كانت بيروت السبعينات والثمانينات ميدانا لعمليات الخطف والابتزاز والاغتيال التي طاولت الكثير من الشخصيات الفلسطينية و العربية التي اغتيلت أو اختفت أو غـُيـِّبت حتى اليوم، لحساب جهات يهمها الإغتيال أو الإخفاء والتغييب، ومن المؤكد أن إسرائيل ليست سوى شمـّاعة تعلـّق عليها المافيات العريقة جرائمها.

عيون الكلام: قال حكيم: نحن في زمان ٍ إذا ذ ُكـِرَت الأموات حييت القلوب، وإذا ذ ُكرت الأحياء ماتت.

علاء الزيدي

[email protected]