لست في موقع الدفاع أو المهاجمة لموضوع المليشيات في العراق بقدر ما يجب مناقشة القضية مناقشة موضوعية تقرأ الجذور والهوية لتضع النقاط على الحروف وتبين ما لها وما عليها ليكون المتابع العربي على بينة من امره وليعرف من يعرف عن بينة ويجهل من يجهل عن بيّنة.
المتتبع لمسار الخطاب السياسي الطائفي يجده قد كان وما زال يضرب على وتر حل المليشيات حتى ما عاد الحديث مهما ولا ضروريا عن الإرهاب والإرعاب والتدمير الذي يعاني منه العراقيون، ما وذلك لأمرين رئيسيين:
أولهما تبرئة الإرهاب عما يفعل بالعراق وكأنما مجزرة المستنصرية ومذابح الطلبة ومجازر العمال اليومية والاختطافات وسياسة قطاع الطرق وثقافة تدمير العتبات المقدسة ومناهج تصفيات اساتذة الجامعات وملاحقة الأطباء وغيرها، كلها من صنع المليشيات التي يقصدون.


وثايهما استهداف القوى السياسية والشعبية الشيعية، وهي في ظاهرها دعوة حق يراد بها باطل تحت غطاء ارساء دولة القانون وجمع السلاح بيد الدولة، ومن المؤسف أن بعض المسؤولين السياسيين في الحكم يردد ذات النغمة بين الحين والآخر، ويضغطون على الإدارة الامريكية في سبيل اقناعها بان سبب عدم استقرار العراق هو المليشيات الشيعية ويبغون من ذاك اضافة إلى تبرئة الارهاب الوافد والحاضن، فانهم يريدون إبعاد الشبهة عن انفسهم كزعماء متورطون من داخل العملية السياسية في دعم الارهاب ( تحت عنوان المقاومة وسيكون لنا دراسة لموضوع المقاومة فلا يستعجل القارئ)، ولذا رأيت تسليط الضوء على حقيقة موضوع المليشيات ومشروع حلها حلا موضوعيا عقلائيا، ذلك أن كل شيء من دون دراسة يصبح هراء، وكل مشروع من دون تحقيق علمي يصبح خواء، من هنا وجب بحث القضايا التالية:
القضية الأولى: حقيقة المليشيات الشيعية
من الأمور المهمة التي يجب فرزها من بين ثنايا الخطاب السياسي الطائفي هو دفع الامريكان ضد الشيعة باسم المليشيات الشيعية، حتى أن بعض المسؤولين الحكوميين صاروا يرددون ذات النغمة مستجيبين للارادة الامريكية والقناعة التي زرعتها تقارير الطائفيين وفي طليعتهم السفير الامريكي وتوابعه من العراقيين من أن سبب الانفلات الامني هو المليشيات الشيعية.


الأمر الذي اوجب بيان أن ليس ثمة مليشيات بالمعنى العرفي، إذ هي عبارة عن متطوعين شعبيين التزموا حماية الناس إلى جانب مؤسسات الدولة لمكافحة الارهابيين وقطاع الطرق ومختلسي أرواح الناس، وليس لأولئك المتطوعين من معسكرات تدريب أو ثكنات عسكرية أو امثالها مما تعارف عن المليشيات، فهم أناس من عامة الشعب وابناء شعب المقابر الجماعية والسجون المظلمة وضحايا البعث المنحل، وممن يبحثون عن عراق جديد مستقر وآمن خلاف عبثية الإرادة البعثية، هذه هي حقيقة المليشيات الشيعية بشكل مجمل مهما كانت تسميتها ومهما وصفها الآخرون. مما يكشف عن أن الخطاب السياسي الذي يلاحقهم هو الخطاب الذي يريد بالعراق كل شر ويدعوا لعودة البعثيين للهيمنة تحت اطار اعادة الجيش والمصالحة الوطنية وما خطابات ساسة العر اق الطائفيين عن عين المتابع النزيه ببعيد. أما اذا ما استجابت الحكومة لتلك القناعة الامريكية فهذا يعني تحطيم الإرادة الشعبية في مواجهة قطاع الطرق، وفي ذلك بلاء على العراق عظيم.


القضية الثانية: ضرورة استيعاب الأسباب الموجبة للمليشيات
عادة ما تنشأ المليشيات سواء كانت قومية أو دينية أو عشائرية أو غيرها لضرورة حماية الناس أنفسهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها بسبب غياب هيمنة الدولة وضعف مؤسساتها في إدارة الناس وحفظ أمنهم ومصالحهم، وهذا ينشأ من ضعف الحكومة في تمشية شؤون الدولة أو عدم قيامها بواجبها على الوجه الأكمل، فيقوم الناس بجمع أنفسهم وتكوين قوة لحماية الأنفس والمصالح من المخاطر التي يخافها الشعب وأبرزها في العراق مخاطر بقايا النظام البائد وعصابات الجريمة والسرقة والارهاب الوافد والمتسلل والحاضن.


وبالتالي فهو أمر طبيعي النشأة وضروري الوجود، ولا يعتبر عيبا أو شرا، وإضافة إلى كونها ضرورة فهي مرحلية بمعنى أنها تزول بزوال ضرورتها الذي يتحقق بتأسيس دولة قوية تحمي الناس وتحقق طموحات الشعب وتحفظ له أمنه وأمن مصالحه، كما هو الحال بالنسة إلى المليشيات العشائرية التي اضطرت إلى تشكيل نفسها لحماية المناطق السنية غرب البلاد وللتصدي لعمليات القتل التي يعاني اهلها من مجاميع الارهاب الوافد والحاضن والمتسلل.
أما إذا كانت الحكومة ضعيفة عاجزة عن تشكيل دولة قوية، أو تكون دولتها مهزوزة مبنية على أساس الموازنات السياسية المضطربة، فلابد عندئذ من بقاء المليشيات لحفظ الناس، وهذا هو المنطق الطبيعي لتشكيل المليشيات.


وعند تشكيل حكومة قوية تهيمن على إدارة دولة متينة الأركان، تلك المتانة التي لا تتحقق إلا بتعبئة جيش من الطاقات البناءة المؤمنة بالإنسان والوطن والبناء، الأمر الذي لا تتحقق إلا باستيعاب كافة الطاقات المخلصة الخلاّقة، وهذا يتطلب من السياسيين انتهاج سياسة الانفتاح على كافة القوى الخيّرة والمنظمات البنّاة والأحزاب السياسية الكفوءة ذات التاريخ الجهادي القدير والضاربة بعمق الزمن، وهذا يستوجب من السياسيين أن يكونوا حضاريين حقا ليتخلصوا من سياسية الانغلاق الحزبي المظلم في تضييع الطاقات فتضطرهم التجربة السياسية الناقصة إلى الاستعانة بعدوهم الذي يأكلهم من حيث يدرون ويشعرون، اضافة إلى سياسية الحزم والشدة مع قطاع الطرق والاحزاب التي تريد بالعراق العودة إلى الوراء، وبهذا المشروع في بناء الحكومة المخلصة القوية يتلاشى وجود المليشيات بتلاشي ضرورتها.
أما أن المطالبة بحل المليشيات من دون تشكيل حكومة قوية، أوما زال الشعب يشعر بخطورة انقلاب ابيض أو اسود يعصف بالبلاد فليس من المنطقي ولا الصحيح حل المليشيات.


ثم لابد من التنويه إلى أن المشكلة الأساس التي أبقت المليشيات مستمرة هو تضعيف إدارة الاحتلال للحكومة العراقية من خلال مشاريعها في جمع الخيوط المتناقضة لضرب بعضها البعض من أجل تمرير سياسة المؤامرة لأغراض يهدفها الاحتلال في مشروعه والتي اضطلع بها سفيرها في بغداد وقادتها العسكريين.
ومن الجدير ذكره أن الشيعة والأكراد كانوا هم المستهدفين من قِبل قومية البعث الطائفي، وهم الذين دفعوا الثمن باهضا بوجود ذاك النظام، فكان من الطبيعي بعد سقوطه أن يلتزم كل من الأكراد بمليشياتهم والشيعة بمليشياتهم للدفاع عن انفسهم وحماية مدنهم.


إلا أن قوات الاحتلال للعراق على عهد (بريمر) أعلنت عن حل المليشيات كلها، فاعترض السياسيون الأكراد ولم يرضوا لأنفسهم حل مليشياتهم وتذيبها في اجهزة القوات العراقية، فقبلت بذلك الإدارة الأمريكية واستثنت المليشيات الكردية معتبرة إياها قوات نظامية في حد ذاتها دون الميليشيات الشيعية، وهذا هو الذي جعل المسلمين الشيعة يتوجسون خيفة على أنفسهم ومدنهم من تهديد الخطر القادم إليهم من بقايا النظام السابق وحلفائه التكفيريين وتدبير ادراة الاحتلال، خصوصا وأن جهاز الحكم مخروقا من قبل احزاب تتآلف مع النظام السابق وأجهزته، فدعاهم هذا الخوف والتمايز إلى التمسك بمليشياتهم التي يجب أن تحميهم وتحمي المقدسات الدينية والحرمات الاجتماعية من المخاطر وما كارثة سامراء عن هذا الأمر ببعيد.


من هنا يجب القول أن قرار حل المليشيات إما أن يكون على كافة المليشيات الكردية والشيعية على حد سواء وتذوب كلها في القوات العراقية، وإما أن المطالبة بحل مليشيات دون غيرها تحيزا وتفاضلا في غير محله.
هذا اضافة إلى ما يجب على الحكومة تقوية القضاء العادل ليقتص من كل المجرمين الذين تسول لهم انفسهم العبث بالعراق، ثم العمل على ملاحقة بؤر الارهاب ومنظماته وقواه الداعمة الذي يشكل الخطر الدافع بالمليشيات إلى التشبث بقواتها الشعبية لحماية أهلها، وهذا يستلزم من الإدارة الامريكية ترك اللعب بسياسة (قوى الضغط وضغط القوى).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن التمايز بين أبناء الشعب العراقي الواحد ndash; في قضية المليشيات - لا ينسجم في ظل ديمقراطية عادلة.


فمثلا في قضية الفيدرالية أراد الأكراد فيدرالية الأقاليم وأرادوا أن يكون لهم إقليما مستقلا فقبل الأمريكان وبارك لهم السياسيون السنة، وحينما أراد الشيعة الفيدرالية التي رضيها الجميع وباركوها للأكراد عارضها السياسيون السنة واراقوا من أجلها دماء الشعب الذي صوّت لها، وما ذلك إلا لكون المطلب شيعيا.
وفي قضية المليشيات لم يقبل الأكراد حل مليشياتهم فاعتبروها قواتا نظامية لاقليمهم وقبلها الأمريكان وبارك لها السنة، وحينما أراد الشيعة الإبقاء على مليشياتهم الشعبية لحماية مناطقهم من التعديات المحلية من بقايا البعث والتكفيريين اعترض عليها الأمريكان وقامت قائمتهم وغضب عليها ساسة السنة ونقموا أيما نقمة، فأسسوا منظمات طائفية اضطلعت بالمفخخات وتدمير العتبات المقدسة وقتل العراقيين الشيعة بما لا يقل يوميا عن مائتي ضحية من هذا الشعب.


أما في قضية الثروات وتوزيعها فإن الأكراد ما زالوا ينقبون عن النفط وبحثون من هنا وهناك عن نفط جديد، وحينما طالب الشيعة بتوزيع الثروات الطبيعية توزيعا عادلا على جميع العراقيين ولحماية حقوقهم وفق نظام فيدرالي يرتبط بحكومة مركزية، أعلن الساسة السنة مهددين بقطع ماء الفرات عن الشيعة.
وهذه ثلاث قضايا غير عادلة في التوزيع الديمقراطي وظالمة في القرار السياسي.


وفي ختام هذه القضية فإن حل المليشيات يجب أن يأتي بعد ثقة الشعب بقدرة الحكومة على حل القضية السياسية حلا حاسما تطرح للشعب مشروعها السياسي الذي يبعث الاطمئنان بتشكيل نظام حكم حاسم مع الارهابيين وحواضنهم الاجتماعية والسياسية، وتطرح مشروعها العملي في حفظ الأمن وتأمين الوضع المعاشي والاستقرار في حلهم وترحالهم.
فإن ذلك يوجب منطقيا وبشكل طبيعي تسليم الناس سلاحهم للدولة القادرة على حماية أمنهم ونفوسهم و سلامة مصالحهم.
أما إذا أرادت الحكومة أن تأتي بالبعثيين والتكفيريين وتصالحهم للتمكنهم من مصير العراقيين من جديد فإن مبرر وجود المليشيات الكردية أو الشيعية يبقى قائما بحكم المنطق لأنهم الهدف الوحيد لإرهاب البعثيين والتكفيريين.

القضية الثالثة: واقعية الخطاب السياسي
اذا ما اُريدَ حل أية قضية سياسية حلا واقعيا، فإضافة إلى وجوب دراسة جذور تلك القضية ومنشئها ومبررات وجودها، كذلك يجب تشخيص طبيعة الخطاب السياسي الذي يلعب دورا مهما في توجيه القضية نحو هذه لبقضية أو تلك بغض النظر عن كونها حقا أو باطلا.
حيث أن من طبيعة (التعصب) الحزبي أو الطائفي أو القومي أو العشائري أن يجيّر القضايا السياسية للطرف الذي يميل اليه على حساب الحق.
والمليشيات اضافة إلى كونها قضية طارئة فإنه يجب حلها بشكل موضوعي وعادل خصوصا في قضية خضع العراق السياسي كله إلى التجيير والتلاعب والمزايدات على حساب العدل في الحكم، والانصاف في الخطاب، والحق في القول، والمساواة في الفعل، وتحكيم مصالح الشعب على المصالح الشخصية والفئوية للسياسيين.

الخطاب السياسي المطروح على صعيد الإعلام العربي يشير انه يعاني بشكل واضح من (زوغان) في الرؤية وإنحراف في البصيرة بما يعمل على وضع الأمور في غير نصابها، وبه يمكن للامور أن تسير على اي من المنحيين لهذا الاتجاه أو ذاك، ولكن يبقى الحق حقا ولو إلى حين، والباطل باطلا يكشف عن نفسه ولو بعد انقضاء الغبرة فينتقم من الباطل ويزهقه لأن الباطل ما كان محقا قط بل كان دوما وابدا زهوقا.
المهم هو الحق الذي يجب أن يكون عليه الخطاب السياسي الذي يوجه القضية السياسية نحو اي من الوجهتين. الملاحَظ من الخطاب السياسي في الساحة العراقية انه خطاب يفتقر إلى الانصاف في القول والتعبير والتصريح.


ففي قضية المليشيات وانا لست مع بقاءها في ظل حكومة ذات مشروع سياسي قوي، واضح المعالم، وقادرة على حماية ارواح الناس وممتلكاتهم وتامين اللازم لهم، إلا أن الخطاب السياسي في خصوصها يتسم بزوغان الميزان وكل قضية يزيغ فيها الميزان أو يميل يخسر عندها قوم ويربح فيها اخرون بغير حساب.
ذلك أن الله تعالى خلق والسموات والارض وما فيهن وما بينهن بميزان، ولو لم تكن كذلك لما بقي هذا السياسي أو ذاك القيادي على سطح الوجود لحظة واحدة، لذلك فقد أمر تعالى بان يكون القول والفعل والتصرف والخطاب بميزان، وليس بأي ميزان فحسب بل بميزان العدل والانصاف الذي قامت به الحياة أساسا ويجب أن يعمل عليه البشر، كما قال تعالى ( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) ()
أما الناس في عراق اليوم هم فئةٌ وشعبٌ، ظالمٌ ومظلومٌ، اتباعُ النظام السابق وضحاياه، شعبٌ مسحوقٌ طوال سنين، وعصائبٌ تجبرت طويلا في الأرض وخسرت بسقوط الطاغوت سلطانها على الناس وشعب أنهكه الظلم والتفرّد والاقصاء، وليس هناك من فئة ثالثة بين الفئتين، وإن كان بعض الطامحين من السياسيين يريدون أن يجعلوا من تلك الفئات ممثلة عن السنة وناطقة عنهم وفي ذلك ظلم لأهل السنة كبير، وحيف كثير، واستئثار براي أهل السنة خطير.
ولذلك فالفئة الأولى هم الذين يتصدون إلى ذبح الناس وقتلهم بالمئات يوميا وانتهاك الحرمات والتعدي على المقدسات لخسارتهم سلطانهم الكبير ونعيمهم الوفير.


والفئة الثانية هم عامة الشعب المذبوح يوميا على منحر الحرية والاستقلال وعدم العودة إلى العبودية والرق من جديد. وعليه فالمعركة بين فئة أو عصابات العودة لنظام البعث وبين عامة الشعب.
فهؤلاء حجاجٌ لبيت الله الحرام من الفئة الأولى تعود إلى العراق وتحتجز الحكومة ثمانية منهم على ذمة التحقيق لحيازتهم فتاوى طائفية تحث على قتال الشيعة ومعهم اقراص كومبيوترية مدمجة فيها ما يثير الفتنة بين ابناء الشعب، ثم تعتقل الحكومة اثنين من المتسللين من خارج العراق معهم، فيزعق الإعلام العربي الطائفي بأن ثمة اختطاف لحجاج بيت الله من أهل السنة قد حصل، أما الخطاب السياسي فنعق بما يصم آذان البشر بأن مليشيات شيعية اختصفت حجاج بيت الله الحرام من السنة.
الناطق الرسمي لرئاسة الحكومة العراقية يصرح بان الحجاج بخير والتحقيق جارٍ مع ثمانية محتجزين متهمين بقضايا، وأن اثنين منهمخ متسللون مع الحجاج.


ولم تمر إلا ايام معدودات على هذا الحدث واذا بقافلة من الشعب العراقي المذبوح من قبل بقايا النظام السابق دخلت حدود العراق فهجم عليهم قطاع طرق ( من ابناء المقاومة العراقية) فامسكوا من امسكوا منهم وهرب من هرب، فتفننوا بقتل ضيوف الرحمن شر قتل ثم احرقوا الناقلة التي فيها الحجاج، فأصاب الاعلام الطائفي العربي الخرس المطبق والعمى المتجاهل، اما الخطاب السياسي فأصابه البكم والعمى والخرس وكأن لم يكن شيئا مذكورا.
فالملاحظ أن الفئة الأولى اذا هجمت بعصائبها على أبناء الشعب وطحنته سكت الإعلام العربي وأصابه العمى، ونطق الخطاب السياسي والديني الطائفي فسماها (مقاومة) وطالب القوات الاجنبية بالرحيل ملقيا باللائمة عليه.


واذا دافع الشعب عن نفسه وتصدى لأوكار الإرهاب المهاجم نطق الإعلام العربي وخرج من جحره ليصيح يا لثارات السنة، وصرخ الخطاب السياسي واغوثاه من (المليشيات) الشيعية.
بهذا الخطاب السياسي (الفج) والثقافة الطائفية لن يمكن تقييّم وقائع ما يجري في العراق، واذا افتقر الخطاب السياسي للواقعية في التقييم أحدث كارثة سياسية لا تحمد عقباها، ذلك أن الخطاب السياسي يمثل الأرض التي تؤسس لمشروع يخطط له صاحب الخطاب، فاذا زاغ الخطاب عن الحق كان المشروع مشروعا ظالما بالقطع واليقين.


وبناءا على تلك الوقائع فالخطاب الذي يتهم الشعب المدافع عن نفسه مسميا إياه مليشيات ليعتبرها مثلبة، ويبجل الارهاب الذي يذبح الناس على الهوية ويعدّها منقبة، لابد أن يكون خطابا غلّق ابواب الفهم عن الحياة، (فسكّر) أذنه التي بها يجب أن يسمع الحق، وعينه التي بها يجب أن يبصر الواقع، والقلوب التي بها يجب أن يميز بين الخير والشر، وكلها ادوات ومنافذ للفهم.


وبهذا فيكون هكذا خطاب قد عمي عن فهم سبل الحياة، ومن كان كذلك فهو كمن قال تعالى عنه: ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) ()
وفي ختام هذا البحث يكون من الضروري العمل على المحاور التالية في حل مشكلة المليشيات:
أولا: أن تقوم الحكومة بطرح مشروعها السياسي بقوة، ذلك المشروع الذي يبعث ثقة الشعب بها، ومن معالم تلك القوة الحزم بقضاء صارم مع كافة قوى الارهاب ليطمئن الشعب ومليشياته بانه في ظل حكومة قوية قادرة على حماية الناس، الأمر الذي يلغي مبرر وجود المليشيات.


ثانيا: أن تتشكل حكومة قوية تعمل وفق رؤية ديمقراطية حقيقية بعيدة عن سياسة التسويف والمماطلة المعروفة بسياسة التوافق المسؤولة عن تمييع مشروع بناء الدولة القوية والعاملة على إعاقة مشروع إعمار العراق وبناءه.


ثالثا: أن تبرهن حكومة الاحتلال بقواتها على صدقها في كونها مع العراق والعراقيين وذلك من خلال عدم المساس بمشروع استقلال العراق بسيادته، وأن لا تتدخل في شؤون الدولة، وأن تلغي لعبة فرق تسد، وتترك سياسة المؤامرة، وأن لا يكون لسفيرها دورا منحازا انحيازا طائفيا يلعب على حبال التناقضات السياسية ليجعل منها تناقضات طائفية فتكبر حتى تتحول إلى صراعات طائفية، واذا أدركت حكومة الاحتلال ذلك نجحت واختصرت على نفسها المتاعب وتمكنت من تقوية الحكومة العراقية ذاتيا، الأمر الذي يساعد على اسقاط مبررات وجود المليشيات.
رابعا: أن تكون الحكومة العراقية قوية وحاسمة مع التدخلات الأقليمية والضرب بشدة على العصابات الارهابية الوافدة والحاضنة.


خامسا: أن تعتمد اجهزة الحكومة والدولة على مؤسسات علمية وعقول عراقية ومراكز تخطيط تساعد على رفد الحكومة والدولة بالمشاريع والمقترحات السياسية والعمرانية وغيرها.
سادسا: أن تذوّب المليشيات في الاجهزة الحكومية لتكون العين الساهرة لحماية الشعب، وتنقيتها من الشوائب الدخيلة عليها حيث المليشيات من عموم الشعب وهذا لا يبرر الطعن بها.
سابعا: أن تنقي المليشيات صفوفها مما قد يشوبها كي تحافظ على اهدافها في حماية الناس ورفد الدولة بالدعم المعلوماتي وما تكلفها الحكومة من واجبات.


ثامنا: تحاشي سياسة العنف مع المليشيات لكونها من الشعب، ولأن سياسة العنف فاشلة وموجبة لفساد الود بين فئات المجتمع ومورّثة للدمار باشكاله المختلفة، ولذا يجب أن يكون الرفق والحكمة هما الحاكمان في التعامل مع أية قضية سياسية لكون الرفق وعدم التزام منهج العنف يعني إعمال العقل في إبطال مبررات القضية، وبالرفق يمكن الوصول إلى انجع الحلول كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (رأس السياسة استعمال الرفق) () اضافة إلى وجوب التفريق بين المليشيات وبين الارهابيين، لكون الأولى معلومة القيادة والقاعدة، ومعروفة الاهداف، وموضوعية في الخطاب، بينما الثانية مجهولة القيادة، ملثمة الافراد، دموية الاهداف، انانية المبتغيات، وغايتها قتل وتدمير كل من يصادفها من ابناء الشعب. اضف إلى ذلك يجب التمييز بين الرفق وبين الجبن والضعف، لأن الرفق يعني إعمال العقل، بينما الضعف يعمل على مخالفة العقل ومنطقه والركون إلى التسويف مع أعداء الوطن.

محمد سعيد المخزومي