لا ادرى.. يبدو اننا نحن الأقباط لا يحلو لنا اللعب الا بأوراق نعرف مُسبقاً انها اوراقاً خاسرة... لا نضع رهاننا الا على خيول ندرك دوماً انها مريضة وفى اغلب الأحايين ndash; إن جاز اللفظ ndash; خيول ميتة
ولا اجد مثالاً على ذلك خير من مطالبتنا العبثية غير المُجدية بإلغاء او على الأقل تعديل المادة الثانية من الدستور والتى تنص على ان مبادىء الشريعة الأسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع
لقد تحولنا ndash; وسامحونى ndash; إلى مجرد ظاهرة صوتية لا تملك سوى المزيد من ( الجعجعة الفاضية ) وصيرنا انفسنا ndash; وللأسف ايضاً ndash;إلى مجرد ظاهرة ورقية.. اهدرنا الأوراق واستنفذنا مداد الأقلام ولعلنا كنا نعلم يقييناً ان الحال سيبقى على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء لأصلب حائط ليضرب رأسه فيه
حطمنا روؤسنا ولم نستطع ان نحطم صخور واقعنا لأنه وببساطة معاولنا من ورق
اخذنا نُطالب ndash; لمجرد المطالبة ndash; بإلغاء او تعديل المادة الثانية من الدستور
اخذنا نُصر على الظهور بمظهر السُذج والحمقى والمُختلين عقلياً
لا انها ليست الأيجابية - ان راى احدكما هذا ndash; فما الأيجابية فى ضرب الروؤس فى الجدران الصخرية..؟!
لا انه ليس إتخاذنا او اعلاننا لموقف صريح وواضح ndash; إن حاول احدكما ان يشرح لى ذلك ndash; لقد اوضحنا موقفنا هذا مراراً ولم يعد مجرد موقف قبطى بل صار موقف ومطالب عام لكل مصرى ليبرالى مُستنير لكن زمان اتخاذ المواقف قد انتهى
انتهى يا سادة..!!
وحتى لا يتحول مقالى هذا إلى مجرد جعجعة اخرى وحتى لا يمثل لى على الأقل اهدار ورقى اخر
دعونا نتأمل معاً فى مجموعة من التصريحات التى لابد وأن تؤخذ بعين الأعتبار حين نفكر ان نبذل ndash; ولو حتى القليل من حبر اقلامنا فى الكتابة عن التعديلات الدستورية المُزمع البت فى امرها ومن بينها - او ما تمنينا ان تكون بينها - المادة الثانية من الدستور والتى وللأسف لم يأتى ذكرها لا من قريب ولا حتى من بعيد فى الإطار الدستورى الجديد
كان سيادة الرئيس محمد حسنى مبارك قد اورد فى خطابه الموجه إلى البرلمان حول التعديلات الدستورية بتاريخ 26/12/2006 وبحسب ما جاء فى الموقع الرسمى للحزب الوطنى الديمقراطى ما يلى :
quot; أسس التعديل يأتي مؤكدا لمفهوم المواطنة وقيمها ومبادئها.. فكلنا مصريون.. كلنا أبناء لهذا الوطن.. وكلنا متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.. لا تفرقه بين عقيدة أو دينquot;
وأضاف سيادته quot;عندما توجه سعد زغلول إلى فرنسا مطالبا بالإستقلال.. صاحبته نخبة من أبناء مصر.. مسلمين واقباطا.. ضم الوفد المصري آنذاك أقباطا منهم، واصف غالي، وسينوت حنا، وويصا وواصف، وجورج خياط. وقد خضنا حرب أكتوبر ولم تفرق رمال سيناء المسلمين والأقباط وعندما نمضي في بناء مستقبل الوطن فإننا نحقق ذلك بفكر وسواعد أبناء مصر.. المسلمين والأقباط
الا ان هذه الكلمات المعسولة ستظل ndash; بالطبع المؤسف - فى إطارها النظرى طالما بقيت المادة الثانية من الدستور جاثمة على صدورنا وعلى صدر الدستور
نعود إذن إلى تلك التصريحات التى لابد وان تؤخذ بعين الأعتبار - كما اسلفنا الذكر - ونقول ان نصف هذه التصريحات تنتمى للحزب الحاكم ( الحزب الوطنى ) ونصفها الأخر ينتمى للحزب اللى مش حاكم ( الأخوان المسلمين ) وكلاهما - كما يقول الأستاذ مجدى خليل - قوتان رئيسيتان تتحكمان فى الحياه السياسية فى مصر، كتلة تحكم وهم العسكر وقوى تعارض وتعمل تحت الأرض للوصول للسلطة وهم الأخوان المسلمين

اولاً.. تصريحات الحزب الحاكم( كتلة العسكر )
المادة الثانية من الدستور.. وردة بلدي في عروة جاكت النظام تضاعف من أناقته الدينية..!!

التصريح الأول هو لسيادة الرئيس محمد حسنى مبارك وقد جاء فى معترض اجابته للأستاذ عادل حمودة على سؤال برىء عابر فى الحفل الذى اقيم بعد انتهاء سيادته من توقيع التعديلات الدستورية... يقول الأستاذ عادل حمودة quot; عبرت عن مخاوفي مباشرة للرئيس وأنا اصافحه مثلي مثل غيري ممن حضروا الحفل البسيط الذي أقيم بعد انتهائه من توقيع رسالة التعديلات إلي البرلمان.. قلت له: quot; إن شعار المواطنة الذي يعيد الثقة فيه من جديد لن يسلم من الأذي في وجود المادة الثانية quot;.. فتيار الإسلام السياسي الذي يصر علي تبني تفسيرات واجتهادات دينية لا تحقق سوي حلمه المزمن في الحصول علي
السلطة يستغلها للوصول إلي ما يريد quot;.. فقال الرئيس: quot; سنهتم بصياغة المادة الأولي لعلها تعيد الاحترام في تعبير المواطنة وتلغي مخاوفكquot;....
إذن رئيس الحزب الحاكم يستبعد وتماماً حتى مجرد التفكير فى إزالة هذه المادة من الوجود...
بل ويقول quot; سنهتم بصياغة المادة الأولي لعلها تعيد الاحترام في تعبير المواطنة وتلغي مخاوفكquot;.... إذن هو يدرك أيضاً ان الأحترام مفقود لكن اكثر ما يثير المخاوف واكثر ما يولد الذعر فى ذلك التصريح العابر هو لفظة ( لعلها )..!!
التصريح الثانى هو للسيد رئيس مجلس الشعب د.فتحى سرور إذ قال ان quot; المادة الثانية من الدستور فوق الدستور quot; وهذا التصريح - وكما علق عليه الأستاذ سليم نجيب - ان صدر من طالب سنة أولى بكلية الحقوق قد يُلتَمس له العذر عن جهلة أما أن يصدر هذا التعليق من فقيه دستوري كبير وعميد كلية الحقوق السابق، فهذا غير مقبول شكلا وموضوعاً وان دل على شئ فانما يدل على تعصبه الأعمى وتحيزه ورجعيته وتجاهله لألف باء العلوم الدستورية.
تصريح اخر للدكتور الموقر / مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية وقد صدر عن سيادتة إبان ازمة وزير الثقافة، يقول سيادته
quot; إن الحكومة لا تقبل بأى حال من الأحوال المساس بالدين الأسلامى وتلتزم فى كل خطواتها وتشريعاتها بأحكام الدين بأعتبار الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع والحكومة تؤكد عليها ولا توافق على أجراء اى تعديل عليها وان الحكومة والشعب ولا يمكن ان يختلفا على ذلك..quot;
ولا ادرى فى الحقيقة اى شعب هذا الذى يتحدث عنه الأستاذ الموقر.. لابد وانه يتحدث عن الشعب المسلم فقط او عن قلة متطرفه منه اما الدكتور صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني واجابه منه على احدى الأسئلة التى وجهت له فى اطار حواره مع جريدة الأهرام العربى بتاريخ 20 /1 /2006 إذ قال :
quot; الرئيس مبارك أكد بكل وضوح أنه لا مساس بالمادة الثانية من الدستور والتي تنص علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعrlm;..rlm; هذه قواعد ومباديء تحدد أسس وأركان الدولةrlm;..rlm; quot;
ان المادة الثانية من الدستور - وكما قال الأستاذ / عادل حمودة عنها - مجرد وردة بلدي في عروة جاكت النظام تضاعف من أناقته الدينية..!!

ثانياً.. تصريحات الأخوان المسلمين ( الكتلة المحظورة )
المادة الثانية من الدستور..حروب أهلية وجثث وبحور دم والبقية تأتى...!!

اولى هذه التصريحات هىللمرشد العام لجماعةالأخوان المسلمين وصاحب اشهر طز فى تاريخ البشريةإذ قال quot;أن هذه المطالب ( يقصد المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور) خطوط حمراء لا يجب الاقتراب منها، ونحذر من السير فى هذا الاتجاهquot;.وأضاف: quot; نعتبر ذلك عبثا. والاخوان لن ينزلقوا إلى الرد على هذه المطالب..لانها لن تحدث، ولن يكون لنا سوى اللجوء للشعب لحماية معتقداته ودينه quot;.


ولنا ان نلاحظ هناقفز المرشدإلى أسلوب التهييج وإثارة مشاعر جماهير الشعب بعد ان يوحى لها بان quot; معتقداتها ودينها quot; فى خطر من جراء مثل هذه المطالب.
ويذهب الدكتور كمال حبيب أحد القيادات السابقة لتنظيم الجهاد ابعد من ذلك ليقول ان المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور بمثابة quot;خط احمر لا يجوز الاقتراب منه، كما ان الاقتراب منه سيفجر حرباً أهلية داخل مصرquot;.
انه التهديد بالحرب إذن وهذا التهديد يأتي على لسان ممدوح إسماعيل محامى الجماعات الإسلامية بصورة اكثر وضوحا حيث يقول quot; أن هذه المطالب لن تكون إلا على جثث الجميع ومعنى ذلك ان أصحاب هذا الرأى يطالبون بحمامات دم فى مصر وبرجوع العنف مرة أخرى إلى مصر quot;.
وكل هذا كلام خطير.. ويمثل شكلاً فظاً من أشكال الإرهاب الفكرى الذى يتناقض مع روح ومتطلبات الحوار الوطنى المنشود كما يقول الأستاذ سعد هجرس. الذى استطراد هنا بقوله quot; وعندما أصفه بـ quot;الإرهاب الفكرىquot;.. فانى لا ألجأ إلى بلاغة اللغة العربية أو استخدامها على سبيل المجاز. بل اقصد ما تعنيه عبارة quot;الإرهاب الفكريquot; فعليا.

اننى لا احب ان اصيبك عزيزى القارىء بالتشاؤم.. يكفينا ويكفيك حقاً ما نعيشه جميعاً من اجواء سوداوية حطمت كل ما تبقى لنا من امال حتى صار شعار اغلبيتنا ( مافيش وقت.. مافيش فايدة..مافيش امل )
وصدقنى حين اقول اننى لا احاول ان اثبط الهمم واغير القناعات
لكن انما ادعو إلى ارتداء نظارة الموضوعية والواقعية لتبدو لنا الرؤية ndash; ولو افضل قليلاً ndash; ويغدو التعامل اكثر حكمة ولا مانع من ان يكون اكثر تحايلاً ودهاءاً
وانما ادعو ايضاً إلى توفير مجهوداتنا إلى معارك اخرى اكثر جدوى واعادة ترتيب اولويتنا لتتناسب ومعطيات الأمور الحالية

ولا اجد مثالاً على الموضوعية التى ادعو لها هنا اكثر من موضوعية د.سعد الدين ابراهيم فى معالجته المنطقية لأطار هذا الموضوع خاصة كونه واحد من اكثر المطالبين بضرورة إلغاء او تعديل هذه المادة الملعونة والتى يرى انها صفقة ساداتية رشوة تبادلية قام بها السادات لتمرير تعديلين آخرين في غفلة من الشعب ـ أحدهما خاصة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، والأخرى بإطلاق quot;المدد الرئاسيةquot; لكي تكون بلا حدود، وكل هذا بالطبع فى أطار خدمة أغراض الحكام وليس مقاصد الشريعة
لكن الرجل يقول بعد ان يضع نظارة الموضوعية والواقعية quot; أن الغاء المادة الثانية من الدستور الحالى قد يكون عسيراً فى الوقت الحاضر حيث سيكون هناك دائماً من يزايدون ويصيحون
( واسلاماه.. واسلاماه )
ويؤكد الأستاذ / مجدى خليل على ذلك فى مقاله الأخير ( رؤية قبطية للأصلاحات الدستورية ) بقوله quot; من الصعب حالياً الغاء المادة الثانية من الدستور
وانطلاقاً من هذه الرؤية المنطقية والموضوعية يضع كلاهما حلولاً تتناسب والواقع المعاش
يقول د. سعد الدين ابراهيم quot; ولكن الممكن والملح فهو استحداث مادة تقرر quot;الطبيعة المدنية للدولة والمجتمع، وعلى رئيس الجمهورية وبقية الهيئات السيادية أن تحمي هذه الطبيعة المدنية. ولا نتوقع جدلاً كبيراً حول استحداث هذا النص سواء كإضافة للمادة الأولى أو الثانية، أو كمادة مستقلة. فحتى الإخوان المسلمون، وحزب الوسط، ذو التوجه الإسلامي، يقولون في وثائقهم الأخيرة أنهم quot;مدنيون ذو مرجعية إسلاميةquot;.
ويقول ا/ مجدى خليل quot; إذا كان من الصعب حاليا إلغاء المادة الثانية من الدستور، فانه لابد من إضافة مادة تنص على مدنية الدولة وعلى فصل الدين عن الدولة، وأن المادة الثانية من الدستور لا تمس الحريات الأساسية الواردة في الدستور ولا مواثيق الحقوق الدولية التي وقعتها مصر. quot; وتستطيع ان تطلع على بقية اقتراحات الرجل والخاصة بهذا الشأن من خلال قراءتك لمقاله quot; رؤية قبطية للأصلاحات الدستورية quot;


ولاننى لا اعتقد فى نفسى القدرة الفقهية السياسية ولا المقدرة على تفصيل ولو بند دستورى واحد كما يفعل عتاه ترزية القوانين والدساتير فأننى اكتفى هنا بما قاله هذا وبما ذكره ذاك
اشارككم يا سادة بالطبع - كما الجميع - فى المطالبة بإلغاء او على الأقل تعديل المادة الثانية من الدستور لكننى ادعوكم بقلب صادق ndash; على الأقل الأن - ان كفانا ما اهدرناه من ورق
وكفانا ما استنفذنا اياه من مداد الأقلام
فلنحاول ان نصنع لنا معاول من حديد
معاول تصلح حقاً لتحطيم الصخور

وقد يكون لحديثنا هذا بقية
واقول ( قد ) ان شاء الرب وعشنا
لا انا بل نعمة الله التى معى


جورج شكرى
[email protected]
[email protected]