لقد وصل حال مايسمى بالبرلمان العراقي الى مرحلة مأساوية لم يعد بالإمكان السكوت عنها لأنها باتت تمس مصلحة وأمن وكرامة الإنسان العراقي ولاتخدُم ولاتليق بمستوى العراق وشعبه.. فبالإضافة الى التقاعس والكسل والمصلحية في تعامل أغلب نواب هذا البرلمان مع مايعيشه أبناء شعبهم من مشاكل ومآسي وكوارث نرى أن أسلوب الكلام والحوار بين رئاسة البرلمان وبقية النواب وبين بعض النواب أنفسهم قد وصل الى مستوى مخزي ومخجل بعد أن جعلوا منّا ومن أنفسهم إضحوكة أمام كل من يشاهد جلسات هذا البرلمان( التحفة ) والتي نلاحظ وجود حِرص وإصرار عجيب وغير مُبَرّر على نقلها مباشرة وعبر الأقمار الصناعية الى جميع أنحاء العالم وكأنما يريد البعض إرسال رسالة الى هذا العالم فحواها quot; أن هؤلاء هم ممثلوا الشعب العراقي ونخبه.. هؤلاء هم عصارة الحضارة العراقية.. لايُجيدون أبسط آداب الحوار ولايمتلكون أبسط مؤهلات السياسي ولايفقهون أبسط القوانين ولايستوعبون مامكتوب بين أيديهم وأمام أعينهم quot;.. وهي رسالة مغلوطة ومشوّهة عن شعب هو من أعظم الشعوب وحضارة هي من أعرق الحضارات وأرض كانت وستبقى مهداً للبشرية.. كما إن هذا البرلمان قد أثبت وعبر مسيرته الفاشلة منذ تشكيله بأنه أداة لتمرير أجندة القوى والأحزاب المتنفذة اليوم في السياسة العراقية والتي تشكل نواة الكتل السياسية التي يتكون منها والتي هي نفسها تمسك اليوم بزمام السلطة في العراق وتُكوِّن كوادر الحكومة بمؤسساتها ودوائرها وأجهزتها الإدارية والأمنية فوظيفة هذا البرلمان قد تحولت من سلطة تشريعية ومراقب لعمل الحكومة وأحزابها ومقوم لأخطائها الى إمّعة وأداة طيّعة بيد هذه الحكومة وأحزابها المتنفذة ومُمَرِّر أحياناً لمشاريعها بل ومصفق ومُطبّل لها.. وهذه حقيقة لم تعد اليوم خافية على أي مواطن عراقي واعي أو أي مراقب سياسي منصف للوضع العراقي.
والسؤال هنا هو.. كم يَنتظِر أعضاء هذه الحكومة وهذا البرلمان أن يموت من العراقيين حتى يعترفوا بفشلهم الذريع ويستقيلوا من هذا البرلمان وهذه الحكومة ويشتروا تقدير وإحترام شعبهم بدلاً من كراسي البرلمان والوزارات؟..إذ إن أبسط مقومات السياسي الديموقراطي التي نعرفها هي أن يُعلن أي سياسي إن كان نائباً تعليق عضويته أو إستقالته من البرلمان إذا شعر بأنه لايؤدي الدور المطلوب منه تجاه أبناء شعبه الذين إنتخبوه وإختاروه لهذا المنصب أو أن يستقيل الوزير أو المسؤول الحكومي الكبير من منصبه إذا شعر بوجود أبسط تقصير أو خطأ في أداء وزارته أو حكومته..وهذا ما لمسناه ونلسمه يومياً لدى العشرات من الساسة الديموقراطيين حقاً في الكثير من الدول الديموقراطية في العالم.. في حين نرى بأن نوابنا ووزرائنا وزعمائنا السياسيين لاتزحزحهم عن هذه الكراسي والمناصب والزعامات شلالات الدماء التي تسيل يومياً على أرض العراق والتردي المريع للأمن والخدمات والفضائح المالية التي تُزكم الأنوف والتي تحصل تحت ظِلّهِم الوارف.. بل لانزال نراهم يتحدثون أمام شاشات التلفاز التي أدمنوا عدساتها منذ أيام المعارضة وبكل (عين كَُويّة) عن التقدم الحاصل في العراق في كل الميادين وعلى جميع الأصعدة!.. والسبب هو إن أغلبهم لم ولن يؤمن يوماً بالديموقراطية بل تعامل معها على أنها لعبة يستطيع تسخيرها للوصول الى أهدافه الضيقة وغاياته المشبوهة وهو بالفعل ماقاموا به بعد دخولهم الى العراق عبر تعليب أنفسهم في قوائم مستقطبة طائِفياً وعِرقياً حقنت الشارع العراقي وجرّت أبنائه من حيث لايشعرون الى إنتخابهم ليصبحوا نواباً ووزراء وقادة رغم أن كثير منهم بعيد عن هذه الصفات والألقاب بُعد الثرى عن الثريا ولم يكن يَحلم ولاحتى مجرد الحلم بالوصول إليها في يوم من الأيام.
وأود هنا أن أسجل إستغرابي على العديد من النواب الذين لم يحضروا ولا جلسة من جلسات هذا البرلمان منذ الجلسة الأولى له بعد تشكيله عبر الإنتخابات ولحد الآن!.. وإستغرابي هنا هو ليس بدافع اللوم بل إنني أشد على أيديهم في موقفهم هذا بإعتبار أن هذا البرلمان غير شرعي كونه شُكّل على أساس إنتخابات غير سليمة وغير نزيهة ولاتُعَبّر عن واقع المجتمع العراقي ولاتُلبّي طموحات أبنائه رغم ماصاحبها من دعاية وتزويق وتلميع إعلامي وحكومي سواء من قبل بعض القوى والأحزاب العراقية أو من قبل الإدارة الأمريكية..بل إن إستغرابي هو من إستمرارهم كأعضاء رَسميّين مُسجلين على الورق في هذا البرلمان مع عدم حضورهم لجلساته وهي نقطة تُحسب عليهم لا لهم كون أن الكثير من العراقيين بدؤوا يقولون ونكاد أن نكون منهم بأن هؤلاء النواب لايريدون أن يتواجدوا في هذا البرلمان كونهم غير راضين عمّا يحدث فيه ومن خلاله (وهذه لهم ) إلا إنهم باقون فيه كأعضاء على الورق فقط بسبب الراتب الخيالي الدسم الذي يتقاضاه النائب في هذا البرلمان والذي يتبعه تقاعد هو الآخر خيالي وأدسم (وهذه عليهم) لكن إذا إتخَذ مثل هؤلاء النواب قراراً بالإستقالة من عضوية البرلمان وأعلنوه رسمياً على الملأ فأن ذلك سيكون نقطة بل موقفاً وطنياً وتأريخياً مشرِّفاً سيُسَجّل لهم أمام شعبهم وسيضاعف من رصيدهم السياسي لدى أبنائه..فمَن يريد كسب مَحبّة شعبه عليه أن يُثبت بالعمل لابالكلام ولائه له ولقضاياه المصيرية وأن يتنازل عن كرسي لانَفع ولادَفع له أمام سيل جارف من المخططات العاتية التي لاقِبل له بمواجهتها..أما من يريد أن يشتري كرسي السلطة على حساب مَحبّة شعبه وأن يجلس عليه بغض النظر عمّا يسيل من دماء أبنائه فهذا شأنه وليهنأ بهذا الكرسي وبالراتب الفلكي الذي يُدرّه عليه وليعلم بأنه لم يعد له مكان لا في نفوس العراقيين ولا في قلوبهم ولا في سِفر تأريخهم الذي سيبقى خالداً أبد الدهر.


إن برلمانكم ( المَصخرة ) قد ولد ميتاً بدئاً من الإنتخابات الهزيلة التي مَهّدت له مروراً بمهزلة تشكيله ووصولاً الى جلساته الكوميدية التي لم تناقِش يوماً موضوعاً يَمُس مصلحة الشعب أو يحل مشكلة من مشاكله المأساوية المتراكمة التي تسبّبتّم أنتم أنفسكم وأحزابكم وميليشياتكم بأغلبها بل إن جلساته كانت أحياناً وعبر المهاترات السخيفة والمناكفات الصبيانية التي تحصل فيما بينكم كالحطب الذي يُرمى على النار لإشعالها وقد سالت بسببها دماء عراقية طاهرة لا أدري كيف ستواجهون أصحابها المساكين يوم القيامة ولا أدري إن كان سينفع بعضكم حينها حِجّهُم الغير مبرور وسعيهم الغير مشكور وصومهم الغير مقبول وصلاتهم وقيامهم الليل وسِبَح ( 101 )التي لاتُفارق أناملهم الكريمة.. لذا فالشعب العراقي سيحترم كل عضو سيُعلن إنسحابه من هذا البرلمان الذي فشل فشلاً ذريعاَ في أداء دوره الوطني والذي شُكِّل نتيجة لإنتخابات غير سليمة وغير موضوعية والذي تُمرّر تحت قُبّته اليوم هوايل..

والشعب العراقي سيحترم كل وزير سيُعلن إستقالته من وزارته خصوصاً إذا إعتَرَف وأعلن للملأ بأنه قد قَصّرَ في خدمة شعبه وفشل في أداء مهمته بل وأنه لن يستطيع أداء هذه المهمة أصلاً لأن الطبخة السياسية في البلاد أكبر منه.. والشعب العراقي سيحترم كل سياسي ومسؤول حكومي كبير سيتنازل عن منصبه الرفيع وراتبه الخيالي ويعترف بأنه قد فشِل في إدارة البلاد وفي تحقيق وعوده لأبناء شعبه.. وبالتالي فإن الشعب العراقي سيحترم كل من سينسحب ويعلن إخلاء مسؤوليته من العملية السياسية الحالية المريبة والفاشلة والمُدمِّرة والتي ساحتها اليوم أرض العراق وضحاياها أبناء شعبه الأبرار.


فيامَن تدّعون أنكم نواب الشعب العراقي ويامَن تشعرون أنكم تمثلون فعلاً شرائح من أبناء هذا الشعب العظيم.. لم تفت الفرصة بعد.. كونوا بمستوى عظمته وإختاروا بين أن تعودوا الى صفوفه وأن تكونوا الى جانب أبنائه وبين البقاء جالسين تحت قبة مايُسمى زوراً وبهتاناً ودون وجه حق ببرلمانه.. فالجمع بين الإثنين قد أصبح اليوم مستحيلاً لأن طريقهما لم يعد واحد وهدفهما لم يعد واحد.. ولاتنسوا بأن التأريخ لم يذكر ولن يذكر بفخر وإعتزاز من السياسيين سوى من سكن قلوب أبناء شعبه وأفئدتهم.


مصطفى القرة داغي
[email protected]