يصاب الإنسان بالحزن والكآبة جراء الفلتان الأمني الموجود في الأراضي الفلسطينية، ففلسطين معراج الرسول الأعظم صلوات الله عليه، و بلاد المسجد الأقصى الذي باركه الله وبارك من حوله، فلسطين أرض الشهداء تعيش حالة خطيرة من الفلتان الأمني غير مسبوقة. وتعدد السلطات ترك الحبل على غاربة للمراهقين والجهلة واللصوص والمارقين والجاحدين والمأجورين أن يُنصب كل واحد منهم نفسه وصيا على هذا الشعب المغلوب على أمره، وعلى هذا الوطن الذبيح، فاللصوص يسرقون باسم الوطن، والجهلة يُنظرون باسم الوطن، والمأجورون والعملاء يخونون باسم الوطن، فلم يبق للشرفاء مكان، لكن الأدهى والأمر هم من يقومون بإشعال نار الفتنة من خلال إطلاق النار على المواطنين وقتلهم أو اختطافهم وتعذيبهم، واغتيالهم، وهناك من يطلق النار على السفارات والقنصليات الأجنبية، وهناك من يختطف الصحافيين وأعضاء المنظمات الإنسانية الأجانب، وهناك من ينسف مكاتب صحفية محلية وعربية وأجنبية، والمصيبة أن يجد مشعلو النار هؤلاء ملاذا وحاضنا لهم في تنظيمات توفر لهم الحماية مثلما وفرت لهم السلاح، فإذا كان الجاني من عشيرة سياسية معينة فإن جريمته ستبقى طيّ الكتمان، وذنبه مغفور، والذنب يُلصق بواحد من العشائر السياسية الأخرى. وهكذا والسبب طبعا هو تعدد السلطات، وتعدد مصادر القرار، وغياب القوانين، وان وجدت القوانين فلا وجود لمن يطبقها، وعدم استقلالية القضاء وعدم وجود تربية ديمقراطية لخلق ثقافة قبول الرأي والرأي الآخر، والنتيجة طبعاً معروفة وهي تقديم العون والمساعدة بقصد أو غير قصد لقوات الاحتلال حتى تستمر في مواصلة مشروعها الاستيطاني، واستكمال جدرانها التوسعية لنصحو لاحقاً وقد وجدنا أنفسنا خارج حدود الوطن الذي لن يبقى لنا متسع فيه، وبعدها سيتهم الكلُّ الكلَّ لكن أحداً من المسئولين عن هذه الجرائم لن يعترف بمسؤوليته بل سيلصقها بغيره، وحتماً عندها سيندم الجميع لكن بعد فوات الأوان، وهناك منظمات حقوق انسان عالمية ترسل مراقبين لها لرصد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وهناك منظمات إنسانية تُقدم المساعدات التموينية لمئات الآلاف من أبناء شعبنا، وهناك صحافيون أجانب يكتبون ويصورون جرائم المحتلين في وطننا وضد أبناء شعبنا، وهناك سفارات وقنصليات تراقب ما يجري في بلادنا وتكتب التقارير لحكوماتها، فما ذنب هؤلاء حتى يتم اختطافهم واحتجازهم بأيدِ فلسطينية، فيا للعار الذي يلحق بشعبنا جراء هذه الأعمال، ويا للخسارة الفادحة التي ستلحق بقضيتنا الوطنية، ويا لخيانتنا لدماء شهدائنا وأنين جرحانا وأسرانا عندما يقوم نفر من أبناء جلدتنا بهذه الأعمال الإجرامية.


إن من يتحدثون عن تعددية quot; السلاح quot; الفلسطيني يوحون لمن يعيش خارج فلسطين بأن المناطق الفلسطينية ترسانة عسكرية يصعب اختراقها، وعندما يشاهدون على شاشات التلفاز من يطلقون الرصاصات القليلة التي يمتلكونها quot; رقصاً quot; على أشلاء شهيد في جنازة، أو في مظاهر استعراض قوة أمام فصيل آخر وليس أمام الاحتلال يعتقد بأن الجيوش الفلسطينية الجرارة قادرة على هزيمة الاحتلال في دقائق، وبالتالي فلا غرابة أن نجد بعض الدول تطالب بوقف متزامن لإطلاق النار، وكأن هناك جيشين متحاربان، كما أن دولاً كثيرة انطلت عليها الكذبة الإسرائيلية بأن وجود إسرائيل مهدد نتيجة quot; الإرهاب الفلسطيني quot; وقد ساعدناهم على هذا الفهم من خلال ردودنا الكلامية quot; المزلزلة quot; على جرائم الاحتلال.


إن وقف المهزلة العبثية الدائرة في الأراضي الفلسطينية يتطلب توحيد القرار الفلسطيني والقانون الفلسطيني والأجهزة الأمنية الفلسطينية وتفعيل القضاء، وسيادة القانون، وفصل السلطات الثلاث، ومعاقبة الأمير قبل سائق الحمير إذا ما ارتكب جنحة هي الكفيلة بحفظ الأمن الداخلي، وهي الكفيلة بتخليصنا من الاحتلال البغيض الذي أهلك البشر والشجر والحجر، وهي الكفيلة بتجنيد رأي عام عالمي لمساندة قضايانا.
أما إن بقينا على ما نحن فيه، وبقي حاميها هو حراميها فلا تستبشري يا قدس، ولا تستبشري يا فلسطين، واستمري يا دولة الاحتلال في بناء كنيس جانب الصخرة المشرفة، وبعد سنوات قليلة لن يكون هناك قدس ولن يكون أقصى ولا صخرة مشرفة، وسيصلي أبناء شعبنا وأمتنا بالعبرية الفصحى على هيكل كان مزعوماً وسيصبح واقعاً.

جميل السلحوت