واحدة من أهم المغالطات التي نقع فيها حين نعتقد أن المعاهد، والجامعات، والمدارس تخرج موظفين أو عاملين يمكن أن نسد بهم فجوة توطين الوظائف ونحن نسعى للسعودة.
ولا أدري من أين يأتي هذا الفهم الخاطئ لمخرجات العملية التعليمية، ذلك أن هذه المؤسسات التعليمية إنما تخرج لنا laquo;خاماتraquo; على مستويات مختلفة من الجودة، فهناك خامة جيدة، وخامة وسط، وخامة رديئة أو متدنية.
وهذه المخرجات تحتاج إلى عملية إعداد وتدريب وصقل تؤهلها لدخول سوق العمل حتى تعطي مردودا جيدا تستحق عليه الأجر والمكافأة.

ويبدو أن هذا الأمر لم يكن غائبا عن ولاة الأمر الذين أنشؤوا أكثر من مؤسسة تعنى بهذا الأمر، فهناك مجلس القوى العاملة الذي يهتم بتخطيط القوى العاملة في المملكة، وهناك مجلس الخدمة المدنية الذي يهتم بأنظمة العمل، وهناك أيضا صندوق الموارد البشرية الذي يعنى بتأهيل مواردنا البشرية.
هذه المؤسسات كما يمكن أن يلاحظ من طبيعة توجهاتها ومجالاتها تكشف مدى تعقد عملية تخطيط وأنظمة وتأهيل هذه الموارد البشرية في الدولة ليتم توظيفها بالشكل الملائم في اتجاه التنمية الاقتصادية والاجتماعية معا.
إذًا فالمسألة ليست في كم هائل تخرج من الجامعات، ثم يتم دفعهم إلى سوق العمل في القطاعين الحكومي والأهلي لننفض أيدينا من قضية السعودة بعد أن ألقمنا السوق حتى الإتخام بخريجي وخريجات الجامعات، فإن في مثل هذا الفهم تبسيطا لا يليق بعملية معقدة وشاقة ولكنها ضرورية ولا غنى عنها إذا كنا ننشد حلولا حقيقية لمشاكلنا وليس مجرد مسكنات وهمية.
واستمعت في إحدى حلقات برنامج وجها لوجه إلى أحد الزملاء الأساتذة يقول في اتصال هاتفي بالبرنامج إن وجود عدد كبير من الجامعيين العاطلين عن العمل يعتبر من زاوية أخرى ميزة جيدة، فهو يدل علىالتوسع في التعليم الجامعي الذي وصلنا إليه، وعجبت من هذا القول إذ كان في الإمكان النظر إلى المسألة على هذا النحو لو لم يكن سوق العمل السعودي يعج بهذا الكم الهائل من العمالة الأجنبية، وبصورة شاملة لا تكاد تستثني قطاعا من قطاعات هذا السوق، في مقابل هذا الكم الهائل من الجامعيين العاطلين عن العمل.
وتنبه إلى هذا الأمر الأمير محمد الفيصل الذي قال في حوار أجرته معه عكاظ إن نسبة عدد العمالة الوافدة إلى سكان المملكة تبلغ 30 في المئة وهي نفس نسبة البطالة عندنا، وإن هذا يعني أول ما يعني أن مخرجات جامعاتنا لم تستطع تغطية احتياجات سوق العمل فاضطررنا إلى تغطيتها من الخارج، بينما شبابنا يملؤون الشوارع. واقترح سموه في ذلك الحوار إعادة تأهيل هؤلاء الخريجين.
وثمة نقطتان أحب أن أسلط عليهما الضوء:
الأولى: تختص بالعملية التعليمية والتأهيلية.
والثانية: تتناول كيفية التأهيل واقتصادياتها.
أما فيما يختص بالمسألة الأولى - وهي الأهم لما لها من تأثير في النقطة الثانية - فإننا نقول إن العملية التعليمية تحتاج إلى إعادة تخطيط من الألف إلى الياء بعد أن أثبتت تجربتنا عدم جدواها حتى الآن.
إن مسألة إعادة التخطيط التعليمي التي ستطال العملية التربوية والتعليمية كلها بدءا من موجهاتها ومرورا بمناهجها وانتهاء بوسائلها وأساليبها هي في الواقع بقدر أهميتها وضرورتها واسعة وشاملة وتحتاج إلى وقفة متأنية لا تتيحها المساحة المقررة لهذا المقال. إلا أنها في زاوية ما نطرحه الآن هنا يجب أن تقلل بقدر الإمكان الفجوة بين ما يقرؤه الطالب في الكتاب وواقع حياته وحياة مجتمعه اليومية، حتى تسهل بعد تخرجه عملية تأهيله وإعداده للحياة العملية، لأن المدرسة والجامعة كما قلنا من قبل لا تعد موظفا ولكنها تعطينا خاما يحتاج بعد التخرج إلى صياغة تأهيلية عملية.
إذًا فلنبدأ هذا الإعداد التأهيلي منذ المراحل الأولى للمدرسة. وهذا ما سنعالجه بشيء من التفصيل في المرة القادمة بإذن الله.

صـالح بـن سبعـان
أكاديمي وكاتب سعودي
E-Mail:
[email protected]