دخلنا في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وبات علينا التحري عن ليلة القدر، وهي أقدس الليالي عند المسلمين لأنها شهدت نزول أقدس كتاب سماوي من الله العلي القدير على الناس كافة..
والتحري عن المواقيت المقدسة مشكلة تواجه المسلمين منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. فليلة القدر وهي أقدس الليالي عند المسلمين الذي يفترض إحيائها بالصلاة وقراءة القرآن تأتي كما شهر رمضان المبارك في بعض السنوات، في الشتاء وفي البعض الآخر تأتي في الصيف، وتنقلب بين شهور السنة من دون ثبات، مع أنني أعتقد حسب عملي المتواضع، أن التحري عن تلك الليلة التي نزل فيها القرآن تحديدا أي قبل أربعة عشر قرنا وفقا للحسابات العلمية والفلكية ليس أمرا عسيرا أو متعذرا، لكي نتمكن من إعطاء هذه الليلة المباركة حقها، ونحدد بالتالي الأيام والمناسبات المباركة عند المسلمين التي تختلط عندنا بسبب الغموض والفرق بين التأريخين الهجري والميلادي منها، عيدي الفطر والأضحى وليلة منتصف شعبان والإسراء والمعراج ويوم المولد النبوي الشريف وغيرها من المناسبات الدينية المقدسة عند المسلمين.


وقد عالج المسيحيون واليهود وهم ( من أهل الكتاب) هذه المشكلة بالنسبة لمناسباتهم الدينية بتثبيت التاريخ لديهم، وهو تاريخ يتطابق مع الحقائق العلمية من حيث الحسابات العلمية والفلكية، فهم يحتفلون بميلاد السيد المسيح في 25 من كانون الأول من كل عام في تاريخ محدد لا يحيد.


عندما وضع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ( ر.ض ) التاريخ الهجري ليستدل به المسلمين في حوائجهم ومناسباتهم، لم يكن هذا الخليفة يعرف شيئا عن الحسابات الفلكية وحقيقة دوران الكواكب حول الشمس ومحور الكون وتتابع الزمن وفقا لذلك، وعندما إجتهد في إعتبار يوم الهجرة النبوية الشريفة تاريخا للمسلمين لم يكن يدرك أن الشهور القمرية تختلف في طولها عن الشهور الشمسية، وأنه سيكون هناك فرق ستة أيام أو أكثر بين السنتين مما يؤدي الى إختلاف دائم في المناسبات الدينية ويشوش المسلمين. لقد إجتهد الرجل، ويبدو أنه قد أخطا فحصل على أجر الإجتهاد.. وأعتقد أن إجتهاد الفاروق عمر ليس شيئا مقدسا حتى يتم الإلتزام به الى أبد الآبدين، لأنه ليس وحيا من السماء، وهناك الكثير من إجتهادات السلف الصالح لا يلتزم بهم الكثير من المسلمين، فالثابت عندهم القرآن بالمقام الأول والسنة النبوية ثانيا، ولم يحدد القرآن تاريخا معينا للمسلمين يستدلون به في أيامهم، بل حتى لم يحدد ليلة القدر على رغم إجتهادات بعض العلماء المسلمين في إعتبار السابع والعشرين من شهر رمضان موعدا لها إستدلالا بكلمة ( هي) التي هي الكلمة السابعة والعشرين من سورة القدر، وهذا أعتقده يخالف العقل والمنطق لسببين، الأول هو أن الله عزوجل قال في كتابه الكريم في سورة آل عمران الآية 138 ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) بمعنى أن القرآن يسره عزشأنه للمتقين هدى وبيانا وتبيانا لكل شيء، والآيات القرآنية ليست مجموعة من الرموز والطلاسم حتى نستخرج منها ما يتوافق مع حساباتنا كيفما نشاء بل هو كلام الله العظيم، وهو الباريء عز شأنه الذي لا يستحي أن يضرب مثلا ببعوضة ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) لا يستحي من تحديد تاريخ معين يهتدي به الناس لأحوالهم الدينية والإجتماعية، وأنه ترك لهم هذا الأمر البديهي ليستدلوا به بأنفسهم ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل الآية 89..


المهم أن التاريخ الهجري الذي لا يتوافق مع التاريخ الميلادي الصحيح وفق الحسابات الفلكية والعلمية وضعه رجل من المسلمين بإجتهاد خاطيء على ما أعتقد، وسبق لهذا الرجل أن إجتهد في مواضع أخرى لم يأخذ به جماعات من المسلمين، فلماذا يؤخذ بهذا الإجتهاد الذي يرهق المسلمين ويبعدهم كثيرا عن واجباتهم وفرائضهم الدينية ؟. فإختلاف التاريخين يسبب للمسلمين حرجا كبيرا في كل مناسبة دينية، فإذا أخذنا الصيام على سبيل المثال، نجد أن شهر رمضان يأتي في بعض السنوات في فصل الشتاء بليله الطويل وهو مناسب للصلاة وقراءة القرآن، ونهاره القصير وهو مناسب أيضا للصوم من الماء والطعام، فترى المسلمين بغالبيتهم يتبارون في هذا الفصل الطيب للصوم والصلاة، على عكس رمضان الذي يقع في الصيف الذي يجهد المسلمين برمتهم في صيامهم فترى معظمهم نافرين من الصوم بسبب جهد العطش والجوع في النهار الطويل الذي يساوي نهارين للشتاء، والإسلام كما نعلم دين اليسر وليس دين العسر.


نحن نرى أنه حتى رؤية الهلال لتحديد أوان شهر رمضان أو غيره من أشهر السنة يختلف عند المسلمين، والعجيب أن الأمة الإسلامية الواحدة ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) المؤمنون الآية 52، يصوم بعضهم يوما والآخر يفطر، ويتعايد الأول ويصوم الثاني، وكل هذا بسبب الإختلاف في رؤية الهلال، وقد حدث هذا في كثير من السنوات الماضية، فكيف يجوز للأمة الواحدة أن يصوم بعضها ويفطر بعضها الآخر، ولو جاز ذلك في القرون السالفة بسبب عدم وجود أي وسيلة إتصال بين المسلمين الأباعد في البلدان والثغور فيضطرون الى الإستدلال بالهلال لتحديد تلك الأيام، أما اليوم فبثواني قليلة يمكن إشعار المسلمين في كافة أنحاء العالم برؤية الهلال في البلد الأقدس مهبط الوحي..


أتذكر والدي رحمه الله أنه عندما كان يأتي أوان التحري عن هلال شهر شوال لتحديد اليوم الأول من أيام عيد الفطر، أنه كان يضع أذانه على الإذاعة السعودية يتابع أخبار الهلال، وما أن تعلن المملكة هل الهلال حتى كان يحضر نفسه للعيد قائلاquot; لقد أصبح الغد عيدا لأن السعودية رأت الهلال quot;ولم يكن يتلزم بغير ذلك حتى لو صدر قرار بتحديد العيد في غير ذلك الموعد من بغداد.


هنا أستطيع أن أتقدم بإقتراح عسى أن ينفعنا نحن المسلمين، وهو أن نلتزم في جميع مناسباتنا الدينية برؤية الهلال في المملكة العربية السعودية وتحديدا في مدينة مكة المكرمة التي هي أقدس تراب الأرض عند قاطبة المسلمين وبيت الله الحرام.. وأن يصار الى إصدار فتوى من الإتحاد الإسلامي أو مجلس الإفتاء أو أي منظمة أو تجمع إسلامي أعلى يحصر مراقبة رؤية الهلال لأي شهر من الشهور القمرية بالمدينة المكرمة عند بيت الله الحرام، لأن الوحي نزل فيها، ولأنها تضم أول بيت وضع للناس، وهي التربة الأقدس التي يحج لها المسلمون، وتعظيما لكل ذلك يفترض الإلتزام بإشراقة الهلال في المكان الأقدس ثم تعميمها على سائر بلدان المسلمين، فأنا أعتقد أنه لو كان هناك في زمن الرسول وسائل الإتصال كما في زماننا هذا، لما كان الرسول الأعظم يقبل على المسلمين إختلاف صيامهم وأعيادهم وهو الذي جاء ليوحدهم على الإيمان والعبادة.
لقد إنقطع الوحي منذ زمن طويل، ولكن باب الإجتهاد ما زال مفتوحا أمام المسلمين، فلماذا لا يجتهد علماء هذا الزمان لمعالجة بعض الأمور التي تعيق عبادة المسلمين وتنفرهم عن الإلتزام بواجباتهم الدينية بسبب الجهد والشدة، فزماننا هذا يختلف بـ180 درجة عن زمان السلف. فلماذا لا ييسرون على المسلمين عباداتهم، والسلف لم يكونوا مشغولين بشئ في زمانهم سوى الإشتغال في أداء الفرائض التي تتعسر على مسلمي هذا الزمان بسبب الشدة والتشديد في الفرائض.


في الزمن السالف عندما كان المجاهدون يغزون البلدان، كانت الغنائم في الحروب حلالا عليهم يأكلونه هنيئا مريئا، أما اليوم فأي غنيمة تغنمها من حرب عليك أن تدفع تعويضاتها بقرار من مجلس الأمن الدولي، كما حصل في غزو العراق للكويت، وكذا في غزوة نيويورك التي يدفع المسلمون تعويضاتها بدمائهم لحد الآن؟!..


الزمان قد إختلف، ولكن المسلمين ظلوا يعانون من الشدة والتشديد المفروض على أجداهدهم السالفين فلا يطقيونه، وفي النتيجة تراهم نافرين من فرائضهم يبتعدون عن دينهم رويدا رويدا، ففي كل سنة تجد الآمين للصلاة والمقبلين على الصوم في شهر رمضان يقلون تدريجيا، خصوصا عندما يصادف ذلك الشهر المتخصص بالعبادة فصل الصيف اللاهب.


فماذا لو إتفق علماء اليوم على إضافة ستة أيام ونيف على الأشهر القمرية لكي تتوافق مع الأشهر الميلادية فتتثبت أيام العبادة عند المسلمين كافة من مشارق الى مغاربها، فليس من المتعذر على علماء الفلك في هذا العصر أن يحددوا بكل دقة الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، فبمجرد تحديد ذلك اليوم وتثبيته لدى كافة المسلمين ستنتهي معاناتهم مع بقية أيام العبادة والمناسبات الى أبد الآبدين، عندها سيعرف المسلمون مواقيت صيامهم وقيامهم كما يعرفون اليوم مواقيت صلاتهم بسبب ثبات ساعات أيامهم؟.
هذا إجتهاد مني يكفيني أن أصيب منه أجر،ولو شاء ربك لأصابني منه أجران، والله عليم بذات الصدور..

شيرزاد شيخاني

[email protected]