فيما يختص بعملية التعليم فإننا نلاحظ أن الفجوة بين ما يتلقاه الطالب في الفصل الدراسي أو المدرج الجامعي، وواقع حياته العملية كبيرة جدا بل لا تكاد توجد أية صلة بينهما.


وينطبق هذا حتى على الدراسات الفنية التي هي في الأساس تطبيقية، وحدثني أحد مديري المعاهد الفنية أنهم يفتقرون إلى أبسط الأشياء في المعهد، وأنهم يدرسون طلبتهم تطبيقيا على تقنية متخلفة، والحال أنك حين تدرس وتدرب طالبا فنيا في مطلع الألفية الميلادية الثالثة، فيفترض أنك تدربه علـى أحدث تقنيات هذه الألفية، لأنه سيدخل سوق العمل غدا، لا أن تدربه على تقنية تجاوزها الزمن ثم تنتظر منه أن يدخل سوق العمل ويكون مؤهلا. وإذا كان هذا يعد مظهرا من مظاهر النقص في الوسائل التعليمية التي يمكن أن تحل بمجرد توفر الإمكانيات المادية وتأمين المعدات والآليات التقنية؛ فهناك قصور آخر ألحظه في كثير من الكليات التعليمية والتطبيقية ويتمثل في عدم حرص الإخوة الأساتذة على الوجود في المعامل، وإلقاء مسؤولية المباشرة العملية على الفنيين، ما يؤكد أن علاقة الدكتور بالمعمل تنتهي بمجرد تخرجـه من الجامعة أو نيله درجته العلمية العالية، وهذا يضعف علاقة الطالب بالمعمل وبالعمل التطبيقي ويكتفي بالنظريات والحفظ.


وإذا كان انخراط خريج الطب في العمل تسبقه مرحلة الامتياز حيث يباشر العمل تحت إشراف اختصاصي، الأمر الذي يشكل مرحلة إعداد وتأهيل وتدريب يتدرج بعدها إلى مرحلة Houseman، فإن الأمر يختلف في العلوم النظرية والإنسانية إذ ما أن يتخرج خريج القانون ويستلم البكالوريوس حتى يصبح في إمكانه افتتاح مكتب محاماة، ولا يكلف الأمر سوى إيجار الغرفة، والطاولة، وطقم جلوس، ولوحة كبيرة تعلق، وكذلك الأمر في بقية الكليات.


وبما أن خريج المحاسبة أو الإدارة أو غيرهما من الكليات لا يستطيع أن يقوم بأداء عملي حقيقي تستفيد منه سوق العمل بمجرد نيله شهادة التخرج، فلابد له من أن يتلقى دورات تدريبية إعدادية تؤهله لتحمل المسؤولية أو ليقدم مردودا عمليا مفيدا، وأعتقد أن هذا ينسحب على كل الكليات حتى الهندسة والصيدلة.
ويزيد الأمر سوءا أن المجهود التعليمي - وهذه مشكلة كل الدول النامية - لا يناسب متطلبات المجتمعات واحتياجاتها وإنما يعتمد على كم هائل من المعلومات دون النظر إلى نوع المعلومات ومدى جدواها في الحياة العملية الحقيقية ومدى حاجة الفرد والمجتمع إليها في حياته العملية.
ثم إننا نركز على كم مخرجات المدارس والجامعات دون تدقيق أو كثير اهتمام بمسـتوى الخريج، ولذا نلاحظ هذا الكم الهائل من الخريجين الذين لا يتقنون شيئا.


وبما أن مناهجنا في التعليم تعتمد على التلقين والحفظ ثم laquo;الجردraquo; السنوي في نهاية السنة الدراسية لهذه المحفوظات فإنها سرعان ما laquo;تتبخرraquo; من ذاكرة الطالب فور الانتهاء من جلسة laquo;التسميعraquo; في نهاية الامتحان الذي ربما يكون كتابة أو شفاهة ثم لا يبقى من هذه المعلومات في عقله شيء.
يخرج بعدها الخريج لسوق العمل وحده لا يحمل أي مؤهلات حقيقية ليقدمها لصاحب العمل حكوميا كان أو أهليا فهو لا يملك سوى شهادة لا تسندها أي مؤهلات عملية.


وأجاب الأمير محمد الفيصل عن سؤال الغانمي عن تكلفة تأهيل هؤلاء الخريجين، فاقترح أن توظف أموال تحويلات العمالة الوافدة 50 مليار ريال سنويا لتأهيلهم.
ومع وجاهة الاقتراح من ناحية منطقية صورية إلا أن سموه ولا شك يدرك أننا نحتاج إلى توطين هذه الوظائف أولا لتوفير هذه الأموال المحولـة إلى بلدان العمالة الوافدة. وبعد تأهيل العمالة الوطنية والاسـتغناء عن العمالة الوافدة ستبقى هذه الأموال داخل الدولة فقط.


إذًا هناك حاجة ملحة إلى إعادة تأهيل مخرجات عملياتنا التعليمية بكل مستوياتها وعلى مختلف مراحلها ولأن المسألة يجب أن تبدأ بالتخطيط التربوي والتعليمي كله والأسس التي ينهض عليها فإن العملية لن تقتصر على إعادة التأهيل الوظيفي بما يتناسب وحاجات سوق العمل وحدا بل تمتد وتتسع لتشمل الحاجات الاجتماعية أيضا بما يعني أننا سنحتاج إلى عملية إعادة تأهيل العقول.


وإذا كانت الأخيرة بابا يستحسن ألا نفتحه الآن، فإن السؤال، إذا أردنا أن نحصر أنفسنا في فضاء موضوعنا، يكون: كيف يمكن أن تتم عملية إعادة التأهيل الوظيفي وكيف ندير اقتصـادياتها؟
أما هذا فموضوع آخر نسأل الله أن يعيننا على إجابته مرة أخرى.
وبالله التوفيق.

د. صـالح بـن سبعـان

أكـاديمي و كـاتب سعودي
E-Mail:
[email protected]