فى العصرين الأموي والعباسي، كانت قلة قليلة من الناس تعرف القراءة والكتابة، وكاد ذلك يكون مقتصرا على الحكام ومشايخ الدين، مما جعلهم يسيطرون على عقول الناس وطريقة تفكيرهم لتحقيق مآربهم الخاصة بالدرجة الأولى. أما فى عصر الانترنيت الذى وفر المعلومات لكل الناس فقد أوشك هؤلاء على ان يفقدوا سيطرتهم واحتكارهم الذى استمر قرونا طويلة واتيح لكل من يشاء ان يتصفح كل المصادر لكل الفئات والطوائف، وكلما تقدم الزمن سنشهد تغييرات هائلة فى طريقة تفكير الناس وتصرفاتهم ابتداء من داخل بيوتهم الى التجول فى الفضاء.

لقد مرت منذ بضعة أيام ذكرى معركة بدر الكبرى التى وقعت فى 17 رمضان من العام الثانى للهجرة. لقد كتب عنها الكثيرون من مشايخ و مؤرخين وأشبعوها بحثا وتمحيصا. لست هنا لاعادة ما كتب عنها اذ يمكن للقارىء الكريم ان يحصل على المعلومات من الانترنيت بمجرد كتابة اسم المعركة فى غوغل وبضغطة بسيطة سيعثر على كل التفاصيل. ولكننى سأذكر بعض الوقائع بأيجازوأتبعها بتساؤلاتى وتعليقاتى وآرائى المتواضعة.

وصلت معلومات للرسول (ص) عن قافلة قرشية تضم ألف بعير و أربعين رجلا يقودها ابو سفيان، فخطب بالمؤمنين قائلا: (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها) أي تصبح غنيمة لكم. علم ابو سفيان بما يدبره المسلمون فارسل احدهم الى مكة يستصرخ أهلها لاستنقاذ أموالهم، وتجمعت قريش فى 950 رجلا معهم 200 فرس يقودهم أبو جهل. وغير أبو سفيان طريق القافلة وأرسل الى قريش يطلب منهم الرجوع الى مكة لأن أموالهم نجت من المسلمين. غير ان ابو جهل رفض العودة واصر على المضي الى بدر للأحتفال وتخويف الأعداء. كان الرسول قد انطلق بأصحابه وقد بلغ عددهم 313 رجلا.

كان المسلمون يتوقعون ان تقع القافلة فريسة سهلة بأيديهم ولكنهم فوجئوا بفرسان قريش وهم ثلاث أمثالهم وأحسن تجهيزا منهم. أخذ الرسول الكريم الاستغاثة بالخالق العظيم، ومما قاله: اللهم انجز لى ما وعدتنى، اللهم نصرك. وقال ايضا: اللهم هذى قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتنى. القرشيون كانوا يتوقعون احتفالا ولم يتوقعوا حربا خاصة وان قافلتهم قد نجت، فلم يكونوا متحمسين للقتال. أما المسلمون فكان موقفهم دفاعا عن نبيهم ودينهم وانفسهم، وكانوا يعرفون جيدا انهم اذا خسروا المعركة فلن تقوم لهم قائمة بعدها. وكان النبي (ص) يتلوا عليهم ما انزل اليه من الخالق من آيات بينات يعدهم فيها بانزال الملائكة الذين سيحاربون قريشا الى جانبهم، ويعدهم بالأنفال (الغنائم) الكثيرة، كما يعد من يستشهد منهم بجنات النعيم.

بدأت المعركة بمبارزة فردية بين ثلاثة من أبطال المسلمين وهم: الحمزة بن عبد المطلب وعلي بن ابى طالب و عبيدة بن الحارث وثلاثة من فرسان قريش وهم عتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة والوليد بن شيبة، فقتل الحمزة شيبة وقتل علي الوليد وتعاون الاثنان على قتل عتبة الذى جرح عبيدة بن الحارث. فوهنت عزيمة قريش لرؤية أبطالهم صرعى مجندلين على الأرض يتخبطون بدمائهم. ثم اشتبك الجميع بالقتال الذى استمر طيلة النهار فرت بعدها قريش تاركة وراءها 70 قتيلا و 70 أسيرا، وقتل من المسلمين 12-14 شهيد.

وما ان انتهت المعركة الا ودب الخلاف بين المسلمين فى الغنائم، فنزلت الآية الاولى من سورة الأنفال: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين).

المعركة ودور الملائكة فيها

نزلت عدة آيات حول معركة بدر وهذه بعض منها:

آية 9 سورة الأنفال: اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بألف من الملائكة مردفين.
آية 13 سورة الأنفال: اذ يوحى ربك للملائكة انى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان.
الواضح انه سبحانه وتعالى أمر الملائكة بقطع رؤوس الكافرين واصابعهم. قال ابن هشام فى السيرة النبوية: ولم تقاتل الملائكة فى يوم سوى بدر من الأيام وكانوا فيما سواه من الأيام عدد ومددا لا يضربون. أي ان مهمتهم فى غير بدر من معارك المسلمين كانت نفسية روحية تكاد تنحصر فى الشحن الروحي والمعنوي.

آية 123 سورة آل عمران: ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون.
آية 124 سورة آل عمران: اذ تقول للمؤمنين الن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين.
آية 125 سورة آل عمران: بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.

هنا اختلف المفسرون على عدد الملائكة فمنهم من قال كانوا ألفا. ومنهم من قال كانوا ألفا واصبحوا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف. وغيرهم جمع الأرقام كلها وقال ان العدد كان تسعة آلاف: ألف مردفون، و ثلاثة آلاف منزلون، وخمسة آلاف مسومون.

آية 65 سورة الأنفال: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبون الفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون.

وجاء فى التفاسير ان المسلمين راجعوا الرسول انه لا يمكن لواحدهم ان يغلب عشرة من الكافرين، فنزلت الآية 66 سورة الأنفال: الآن قد خفف عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن الله والله مع الصابرين.

ويقول المفسرون بأن الله تعالى قد انجز وعده بأن قاتلت مع المسلمين الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم بيض او صفر ارسلوها بين اكتافهم.

لا أملك الا ان اتساءل: ان عدد المشركين كان أقل من الف فلماذا كل هذا العدد الكبير من الملائكة؟ وحسبما نقرأ من كتب التفاسير ان الملك الواحد يستطيع ان يزيل جبلا بضربة من جناحه. ثم ان عدد قتلى المشركين لم يتجاوز السبعين قتيلا وأسماء من قتلوهم معروفة عدا واحد او اثنين، فماذا كانت تفعل الملائكة؟ خاصة وان الله تعالى قد أمرهم بضرب الأعناق؟

وسؤالى الثانى هو عن الآيتين المذكورتين فى أعلاه 65 و66 من سورةالأنفال فبعدما ذكر فى الاولى ان المؤمن الواحد يغلب عشرة من الكفار فقد ذكر فى الثانية ان المؤمن الواحد يغلب اثنين فقط؟ لم أجد جوابا مقنعا لا فى الكتب ولا الانترنيت.

فى المرة القادمة سنتحدث على معركة احد.

عاطف العزي