يعيش لبنان لحظات حاسمة وصعبة جدا، وفي أجواء ساخنة متشددة قابلة للانفجار رغم الأجواء الطبيعية الباردة، بل ان المنطقة أصبحت فوق بارود قابل للانفجار الداخلي والإقليمي في أي لحظة بسبب الوضع اللبناني المتأزم.


مرت الأيام والشهور، في ظل زيارات مكوكية لكبار المسؤولين في الدول الإقليمية والدولية والأممية، وعبر طرح العديد من المبادرات والاقتراحات لاختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفا للرئيس اميل لحود ـ الذي انتهت أيام ولايته ـ بدون أن يتم الاتفاق على رئيس جديد.


انتهاء ولاية الرئيس السابق أميل لحود بدون اختيار رئيس جديد يعني الدخول في مأزق جديد، وفراغ قاتل يحتمل فيه وقوع أي شئ مهما حاول المسؤولون السياسيون من بث التطمينات.
وبالتالي فان الأيام المقبلة ستكون الأيام الأصعب في تاريخ لبنان، بسبب أزمة الرئاسة التي تحولت إلى قضية عربية وإقليمية وكونية أكثر مما هي لبنانية!

لماذا كل هذا الاهتمام الإقليمي والدولي بقضية اختيار رئيس جمهورية لبنان؟
هل يملك الرئيس القادم العصا السحرية لتحقيق ما تطمح له القوى والجهات التي تدعمه؟
وهل حقا ان لبنان بوابة التغيير في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن تحريك عجلة التغيير، إلا باختيار رئيس يوافق على الأجندة المحددة مسبقا؟

لبنان ليست أرض مقدسة أو دولة نفطية أو ذات مساحة واسعة أو ذات موقع استراتيجي فريد، وليس لبنان دولة تعيش في فوضى ومجاعة وأمراض وبائية قاتلة، وليس في لبنان طائفة محرومة من حقوقه لا وجود لها على الساحة اللبنانية.
بل المتابع للأحداث السياسية في المنطقة يستغرب من عدم وجود الاهتمام والرعاية من قبل الدول الكبرى في العالم لدول تعاني من مشاكل اكبر من لبنان: فهناك بلدان عربية محتلة يعاني أهلها من أصناف الذل من قوات الاحتلال، وهناك بلدان تفتقد لنعمة الامان على كامل أراضيها منذ عقود بالإضافة إلى الحروب الأهلية، وتدخل دول الجوار ودول أخرى في شؤونها بشكل فاضح عبر دعم مليشيات ترفع السلاح في وجه الحكومة المركزية، وبلدان تعاني من وجود جماعات إرهابية، وبلدان تعيش في فقر مدقع ومجاعة وأمراض وبائية، وبلدان تعاني من الدكتاتورية والاستبداد والاعتداء على الحقوق الإنسانية والوطنية وعدم الاعتراف بالحريات وحرمان الأقليات من حقوقها.

الاهتمام الدولي بلبنان حتما ليس حبا بلبنان وبشعب لبنان أو لحماية الحريات والأراضي اللبنانية من الاعتداءات.
وإنما يأتي لان الشعب اللبناني اثبت للعالم بأنه قوي فرغم ما يعانيه من ازمات اقتصادية وسياسية فهو قادر على مواجهة جميع الظروف القاهرة، والخروج من تحت الأنقاض والركام أكثر قوة لبناء بلاده من جديد بدون أن تتحطم إرادته أو يفقد كبريائه وصموده.. بل استطاع لبنان أن يبقى قبلة ومنارة علمية وإعلامية، ونموذجا لشعوب المنطقة المحرومة، وصوتا يمثل ضمير الأمة الواعي الذي يرفض الخضوع لإرادة الأنظمة الخاضعة للإرادة الأمريكية الإسرائيلية، ورأس الحربة المناهضة للأهداف الاستعمارية.........، ولقد استنتج الغرب إن الشعب اللبناني بفضل مقاومته وتمتعه بالسيادة وحبه لممارسة الحرية، يشكل خطرا على مشاريع وطموحات الدول الغربية الاستعمارية الجديدة، وعلى الدولة الصهيونية المدللة (إسرائيل)، وحجرة عملاقة تقف امام فرض مشروع الشرق الاوسط الجديد المتعلق بتذويب أبناء المنطقة في مشاريع سرابية مائعة تفتقد للكرامة والعزة وروح المقاومة والتخلي عن قضايا الأمة...، وجعل الدويلة الوليدة المحتلة الغريبة التي تعتبر غدة سرطانية في جسد الامة العربية اسرائيل هي قائدة لهذا المشروع في المنطقة.
وان امريكا ـ والدول الحليفة من داخل وخارج المنطقة ـ تعلم علم اليقين ان سقوط روح المقاومة من الشعب اللبناني هو سقوط لأخر قلاع التمرد والمقاومة الحقيقية في المنطقة الداعمة للحق العربي أمام الاحتلال الإسرائيلي، وهو بالتالي بمثابة إيقاف لأكبر داعم حقيقي للقضية الفلسطينية، وهذا يعني تحول لبنان إلى بوابة لولادة وفرض المشروع الاستعماري الجديد باسم الديمقراطية والشفافية، وبوابة لدخول إسرائيل إلى العقل العربي قبل جسده بنكهة لبنانية محببة لشعوب المنطقة.

ان الدول العظمى التي تتدخل في الشأن اللبناني حاليا والتي تسيطر على معظم دول المنطقة تريد أن تجرد لبنان من سيادته الحقيقية، ومن حريته، وحرمانه من حقه الشرعي بالمقاومة، وكتمان الأصوات الحرة التي وجدت في لبنان سقفا عاليا لرفع أصواتها بمعارضة المشروع الأمريكي الجديد بالمنطقة، ولكي تجعل من لبنان بلدا يخضع للإرادة الغربية مباشرة.
لبنان بلد يختلف عن أي بلد في المنطقة فممارسة الحرية في لبنان مختلفة عن أي بلد اخر، وكذلك المقاومة في لبنان تختلف عن أي مقاومة في بلد اخر في المنطقة... ولبنان ليس كالعراق.

لبنان بين إرادتين ومشروعين أكبر من لبنان والأطراف اللبنانية، مشروع يمثل خط 8 آذار ـ المعارضةـ يستمد قوته الفعلية من داخل لبنان quot;المقاومةquot;، ومشروع يمثل خط 14 آذار ـ الموالاة ـ مدعوم بقوة من قبل الإرادة الأمريكية والجهات الغربية وبعض الدول العربية.

هل ستكون الأيام القادمة حقا حاسمة لاختيار رئيس ينجز المشروع المطلوب، أم هناك فرصة للتمديد.. كل شيء جائز فهذا لبنان بلد العجائب.

علي ال غراش