لم يكن الجنرال نادر الذهبي مدرجا على بورصة الاسماء المطروحة للتداول في الصالونات السياسية الاردنية في اخر عهد حكومة الجنرال البخيت، بل لم يكن احد يعرف ان الملك الشاب عبدالله الثاني يفكر برجل اقتصاد جلب للعقبة اكثر من اربعة مليارات دولار استثمارات خارجية في مرحلة سياسية حادة كالتي تواجه الاردن من استحقاقات سياسية دولية واقليمية مثل مؤتمر انابولس وتداعيات الضفة الغربية والهم العراقي، الا ان الملك الاردني كان اكثر حدة وبعد نظر عندما استدعى الجنرال نادر الذهبي من مفوضية العقبة الاقتصادية ليدفع به الى واجهة السياسة الاردنية ويكلفه بملفات غاية في الصعوبة والالحاح.

الحكومة الحالية وبع الباركة لها تواجه فاتورة نفط تلح على الموازنة الاردنية بشكل ضاغط،والدين الخارجي هو الاخر ياكل من ميزانية الاردن المتواضعة الشيء الكثير، وتاكل الرواتب للمدنيين والعسكريين، والتمية الشاملة للبلاد التي يسمع بها المواطن الاردني ولا يرى شيئا، كل تلك التحديات كانت الموجه الاساس لحكومة انقاذ وطني تحتاج الى همم عالية ورجال لا تعرف النوم، من هنا وعلى ما يبدو كان اختيار العاهل الاردني للمهندس الذهبي من المؤسسة العسكرية التي انجبت الكثير من القيادات الاردنية التي بقيت محط احترام الملك وقرة اعين الاردنيين.

لم تقصر حكومة البخيت بشئ كانت قادرة على انجازه فوفرته، بل لقد استنفذت كل طاقتها في السنتين اللتين كانتا مدة عمرها، الا ان الوضع السياسي والاجتماعي الاردني كان اكبر من قدرتها على التجدد والعطاء، فجاء هذا التغير الطبيعي في الحياة السياسية الاردنية، وهو تقليد اردني بامتياز بان يتداول الحكم عبر حكومات تاتي وتروح مؤدية جزء من استحقاقات الوطن. وكان الاردنيون دائما على موعد مع التغيير، لكن الجو السياسي العام يطمئن عادة عندما يتولى الحكومة سياسيون من ضباط الجيش وابناء المؤسسة العسكرية فالاردني ما زال يضع ثقته في مؤسسة الجيش لكونها من المؤسسات التي ما زالت لم يدخلها والحمدالله اي تلون شللي او عنصري او سياسي فبقي الجيش للوطن.

ماذا يريد المواطن الاردني من حكومة الذهبي، سؤال كبير يمكن ان يجاب عليه باختصار، يريد المواطن الاردني ان يرى نفسه اولا في اعلام بلده، وان يكون الاعلام الرئه التي يتنفس منها المواطن والحكومة، فالاعلام وعلى مدى السنوات السابقة هو في واد والمواطن الاردني في واد اخر، ونحن هنا نتحدث عن الاعلام التلفزيوني الرسمي، فالملك يطير من قارة الى اخرى ليفتتح افاق جديدة امام الاردن والاردنيين بينما الاعلام الالرسمي المتلفز يغرد في مجاهل التقليد والتردي القيمي المشابه لقنوات الميوعة الفضائية بحيث لا يتناسق وبلد فيه من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكثير والاعلام التلفزيوني لا يواكب حاجات المواطن ولا يلامس همومه، ولا يعكس نشاط قائده.

الرواتب، وهي المعضلة الاكبر، فاغلب الاردنيين هم اما في القوات المسلحة او من موظفي القطاع العام في مؤسسات الدولة الاردنية المختلفة ومعلمي المدارس وما شاكلها، هذه الفئه هي من تحتاج الدعم الرئيس من حكومة الذهبي، حيث ان متوسط دخول هؤلاء البشر بحدود 200 دينار، ولان الاردني ما زال يجوع ولا يشحد وتانف نفسه العزيزة السؤال فان قطاع الدوله الرئيس من اجهزة امنية وجنود وموظفين هم تحت خط الفقر العالمي المحدد ب250 دينار للفرد في الشهر.

الاستثمار، لم يلحظ المواطن العادي اي تغير على حياته من وراء الاستثمارات الكبيره التي يسمع عنها، ولم ينبه من ذلك سوى زيادة في اسعار الاراض والشقق وذلك جراء فتح باب الاستثمار العربي والاجنبي لتملك المسثمرين العرب والاجانب في الاردن، لذلك اصبح حلم امتلاك شقة في الاردن للمواطن العادي كمن يحلم بشقة في نيويورك. لذك فاعادة النظر في تملك الغير في الاردن اصبح امرا ملحا خصوصا اراضي الصحراء والبادية التي كانت مراعي طبيعية للبسطاء، اصبحت الان مستملكة للغير واهلها غرباء عنها.

ان هذه الحقائق التي اشرنا لها هي حقيقة هم المواطن الاردني العادي الذي يشكل روح المكان وعبقه، وهي العمود الفقري والركيزه الاساس لاستقار الاردن. اكثر اهمية من فوز الاسلاميين او رسوبهم في الانتخابات النيابية، واكثر من سيطرة حماس على غزة واكثر من الانشقاق اللبناني على الرئاسة ومن تفجيرات العراق، هذا الذي يركز عليه التلفزيون الاردني، دون ان يلتفت الى واقع الانسان الاردني، لان هذه القضايا تعالجها الفضائيات التلفزيونية العربية ويستطيع الاردني ان يتابعها، لكن من يتابع الهم الاردني، هذا هو المحك والمعيار،

نتمنى لحكومة الذهبي كل التوفيق وحمى الله الاردن.

الدكتور منور غياض ال ربيعات

استاذ مساعد للاعلام الدولي

جامعة الشرق الاوسط للدراسات العليا

وجامعة اليرموك