العـراقيون يضعون أيديهم على قلــوبهم مرتعدين من فراغ رئاسة الجمهورية


مسيرة الطالباني خلال رئاسته للجمهورية كانت تتأرجح بالحرص على التوازن بين مصلحة إقليم كردستان والحكومة المركزية وقد نجح في ذلك.


الحياة جعلت من الطالباني قاسم مشترك لكل التناقضات ولقدرته على التوافق والوفاق بين الأطراف ويملك الطالباني قدرة لا مثيل لها في إقناع الغير.


للطالباني برائي الفضل الأكبر في كبح جموح الصفويين من تجاوزاتهم.
وجد رئيس الجمهورية مام جلال ان العراق بحاجة إليه بعد فترة من بدء الدكتور المالكي بتغيير خطة نفاذ القانون والتي لم تلاقي للأسف الرواج وتقبل جماهير الشعب لان الأدوات التي تقوم بتنفيذ هذه المهمة لا تحضي بثقة معظم العراقيين سنة وشيعة من جهة، ومن جهة أخرى ان العراقيون ليسوا أغبياء فان مثل هذه الخطة من اجل تنفيذها يجب ان تكون ضمن مؤتمر وطني يوقع فيه عقدا للمصالحة ووثيقة عهد يترتب الوضع السياسي على أسس غير الطائفية وغير المحاصصة.


لقد وجد رئيس الجمهورية مام جلال نفسه انه بين نارين، نار صلاحيات رئيس الوزراء وبين مايعتقد انه الأفضل ولم تسعفه الصلاحيات المنصوص عليها بالدستور العراقي الجديد ان يبدي اي تدخل بقرار حاسم ليمنع هذه التجاوزات أمام هذا الإرهاب من جهة ومن جهة اخرى امام حرصه على مصالح الإقليم الكردستاني لذلك وجد نفسه مضطرا للاجتماع مع كاكا مسعود رئيس منطقة كردستان من اجل تسوية المصالح النفطية بين الإقليم والمركز. الطالباني وجد ان لا منص من انطلاق وإعطاء كل مالديه من طاقات صحية مابقى منها بعد العقد السابع من العمر مع ثقل الإرهاق النفسي والجسدي للتوفيق بين مسؤولياته الرئاسية وانتمائه الى الشعب الكردي.


انا من الذين واكبوا مسيرة الطالباني ودخلت عمق أعماق مسيرته السياسية عن طريق شخصية كردية كان انذاك نائب رئيس تمييز المحكمة العراقية الأستاذ عزيز دزئي وقد تشاركنا في مكتب المحاماة الذي كنت أديره في بغداد وجدت في حديث زميلي وشريكي الأستاذ دزئي ان الطالباني كان حذقاً في تصرفاته، فمنذ نعومة أظافره كان الطالباني يملك قدرة في إقناع الغير.. كان الطالباني يبتعد عن كلمة (ارفض) وإنما يصغ جوابه بما يتواءم مع مايعنيه الشخص الذي يتفاوض معه الا ان هذه الصفات لم تمنع عنه صلابة الموقف والاستفادة من هذه القدرات المميزة عندما اختلف مع الملا مصطفى البرزاني في النهج وفي التعامل السياسي فاستقال وشكل حزباً باسم الاتحاد الديمقراطي واثبت قدرته على القيادة وعلى تكوين حزب فيه ثقل سياسي ثقافي يختلف عن ثقل الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة السيد مسعود البرزاني الذي يملك ثقلاً عشائرياً ولكن المثقفين الأكراد هم يشكلون النسيج الذي يقوده مام جلال الطالباني.


لم يؤخذ على الرئيس الطالباني ان استغل وظيفته او استلم مالاً لا يحق له استلامه لو يتلاعب بأموال الحزب وماليته وهو من الذين سوف لا يظلمهم التاريخ المعاصر بالرشوة وبالاعتداء على المال العام.


العراقي اليوم في مخاض سياسي، اجتماعي، اقتصادي هذه المخاضات الثلاثة تجمعت بسبب وجود الاحتلال وبسبب قناعة الذين أتوا معه. لان مبادئ الطائفية والمحاصصة والتقسيم هي التي تخدم الفكرة الفئوية للهوية الشخصية فالشيعة الصفويين الذين برائي لا وزن ولا قيمة لهم قياساً بنسبة الشيعة العرب الأكثر والسنة راءوا غير هذا الباب لا يؤدي لهم البقاء في الحكم ولا الاستمرار فيه. فقد توافق هذا الفكر والاقتداء مع الخطة الأمريكية التي احتلت العراق بأسباب المعلن الكاذب ان صدام حسين يملك أسلحة الدمار شامل والمخفي هو الهدف الاستراتيجي والاستحواذ على الثروة النفطية والمعدنية وقدرات الشعب على منابع النفط بالشكل الكامل مع سلب إرادة الحكومة العراقية بالتصرف به فيكون هذا الوضع الذي أراد الأمريكان إنجاحه في موقع مؤثر في تلبية حاجات الشرق الأقصى مثل الصين واليابان والهند ودول صناعية أخرى تمتاز تطوراً وأهميةً سياسية واقتصادية وعسكرية.


مام الطالباني وهو من الرعيل الذي أتى مع الاحتلال ومارس التخطيط والتدبير للمحاصصة في لندن وفي غيرها من المؤتمرات إذ ان تاريخ هذه السياسة الخبيثة ستؤدي بالتالي الى قبول العراق بمبدأ وحدة تقرير المصير للشعب الكردي وهو الذي عمل من اجله في فترة سبعة عقود او يزيد.


ان نتائج هذه الخلطة السياسية التي رسمها الاحتلال وتعاون على تنفيذها السياسيين الموجودين حالياً لا نستطيع ان نتنبأ بنتائجها فهي برائي تمثل الشر بالعراق ومصالحه يقاومها وعي الشعب بعربه (شيعته وسنته) وأكراده وان الاحتلال والسائرين في ركابه ان فكروا بان استمرار خلط الأوراق بين أعمال التكفيريين والسلفيين وتفخيخ السيارات وبين المقاومة الوطنية الشريفة سيأفل قولهم وهدفهم وستبقى المقاومة واضحة المسيرة نائلة الاحترام من الشعب كل الشعب.


واستطراداً ان الشعوب لا يمكن ان تخضع للدسائس والقمع والتطهير العرقي مهما عملت الأنظمة فإذا استطاعت هذه القوة على القمع ألان فلن تستطيع إبقاء سيطرتها لفترة طويلة. أي مقاومة في أي بقعة من العراق تشكل عبئاً على الحكومة وأنا يجول في ذهني ألان خطاب عبد الرحمن البزاز الذي دعا الى اتفاقية آذار والتي منح الأكراد فيها الحكم الذاتي وما قيل ان 100 كردي من البيشمركة غير مرتاحين في تعامل الحكومة معهم وهم على جبل نائي مالكين أسلحة بسيطة سيكونون موضع الم وقلق لأي حكومة وطنية وهذا صحيح مئة بالمئة ويشمل كل العراقيين فإذا قمعت الطائفة سنة او شيعة وإذا قمعت العنصرية الآرية في الأكراد فلا يعني هذا ان الغالب المنتصر سيكون له طول الزمن في إبقاء هذا النصر.


اذا عجز الرئيس مام الطالباني من ممارسة عمله كرئيس جمهورية عراقية ماهو الموقف القانوني؟!
برائ انه لا يجوز تكليف احد نوابه الثلاث، اذ ان ثلاثتهم يستطيعون إدارة الأمور التي كان يقوم بها رئيس الجمهورية حتى يتم ترشيح أخر ليتبوء المركز عن طريق الانتخابات.


برائي حتى وان كان هناك حلولاً قانونية الا ان اضطرار الطالباني ترك السلطة سيشكل فراغاً كبيراً ويشكل عجزاً في الأداء الذي قدمه الرئيس طالباني والذي تحمل عبئه وسيكون تاريخ الرئيس في ميزان التقدير الذي يستحقه مثل هذا الإنسان.
دعائنا ان يشفى الطالباني..
ودعائنا ان تكتب له سلامة الوصول من الأردن..
ودعائنا ان يكون الطالباني مكملا لمسيرته السياسية حتى يستشار لأي رئيس جمهورية جديد.

خالد عيسى طه