قضية فلسطين هي قضية مصير لشعوب المنطقة ويجب أن تحظى القدس بالإهتمام وبشكل متوازن مع القضايا الأخرى دون الإغراق في المحلية أو الإقليمية وحب الذات، إن سوء تصرف المسلمين فلسطينيون كانوا أو غيرهم يجب ألا يكون ذريعة لترك ما أمر الله به، وصدق المولى سبحانه و تعالى فى قوله:quot; قل إن كان أباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره و الله لا يهدى القوم الفاسقينquot; التوبة 24

إن الإهتمام بفلسطين لم ولن يعطل التنمية في الدول العربية ومن يدعي غير ذلك فهو جاحد للجهود التي تقوم بها الحكومات العربية لشعوبها، ان إسرائيل هي تحدى لوجودنا وهويتنا فاما ان نرضخ او نقاوم رغم تقاعس البعض وتامر العملاء وتثبيط البعض الآخر.

ان قضية فلسطين هي قضية مركزية واساسية لكل المسلمين والعرب على حد سواء، ولا أجد تعارض من الاساس بين الامرين تبقى التنمية اهتمام داخلي وفلسطين من اولويات السياسة الخارجية كما يجب أن يعاد النظر في الاهتمام الشعبي بالقضية وتنشأة أجيال تهتم بالقضية وأن يعاد توجيههم بشكل متوازن بين القضايا المحلية والخارجية حتى لا يظهر جيل جديد معزول عن امته، ولاننسى ان فلسطين قضية شرعية عقائدية اسلامية ولابد أن نشعر بالمرارة لرؤيتنا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يرزح تحت حراب المحتلين.

إن قضية المسجد الأقصى هي قضية كل مسلم غيور وعلينا أن لانضل الطريق الى القدس فنصبح كالذين قال تعالى فيهم: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم quot; حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرجquot; ولكن لا يجب أن نتشبث بمعتقدهم وأفكارهم المنحرفة أن قضية القدس هي أعظم من قضية إعصار غونو لأن إعصارغونو هو إعصار مداري ووقتي يمر ويعدي بإذن الله تعالى وفيه عظة وعبرة، لكن إعصار القدس هو إعصار طويل الأمد لن ينتهي حتى يمر بأجيال وأجيال يختبرهم ويمحصهم ويبتليهم بأنواع البلاء.


الفلسطينيون ليسوا من يبحث عن الشفقة في عيون الآخرين ولا من يبحث عن الصدقات، هم يأخذوا المساعدات من المسلمين لأنهم مرابطون على أرض فلسطين رغم أنف من يدعي النظرة الجغرافية الضيقة! فهل بكل هذة البساطة نتجاهل نصف قرن من معاناه الاخوة فى فلسطين ؟، دعونى أتسائل ما هو إعصار غونو ؟ إنه مجرد كارثة طبيعية تحدث في كل زمان ومكان ولو كان الامر بالجيرة لكانت فلسطين هى أقرب جيران مصر ولكن القضايا الوطنيه والمصيرية أمر آخر.

هناك من يقول إن السعوديه تعطل فيها التنميهة بسبب القضية الفلسطينية وان الشعب السعودي لايجد وظائف لانه منهمك بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني او ان عجلة النمو متأخره بسبب تلك المساعدات فهو يحاول أن يزج ببعض العبارات المهينة للعقل ويدعي بأن القضيه الفلسطينة هي سبب كل المشاكل فهذا رأي مبتور ومشبوه ولم يصب كبد الحقيقة.

من حق الجميع أن يعبر عن رأيه دون المساس بمصير الأمة التي ستبقى خالدة وسيبقى من يدافع عنها كما ورد في الحديث quot; في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس quot;، وكأن الرسول (ص) ينظر الى صحابته فيقول: لا يضرهم من خالفهم.

لورنس العرب قبل 100 عام كان يجوب المشرق العربي ويحدث نفسه: ان هذه الامة لن تقوم لها قائمة اذا نجح في مسعاه باستبدال الشعور الديني بالشعور الوطني، هذه الوطنيه التي يتشدق بها الكثيرون بحسن نيه او بسوء نيه هي خنجر مسموم في خاصرة الامة الاسلامية التي فككها الحلفاء واقاموا دويلات على انقاضها، الغرب له تصور ومنهج ونحن نتخبط خبط عشواء ونتقاتل على الفتات، مشكلة الاولويات لبني جلدتنا مصيبه وطامة فالدول لا تدار كالشركات ولا كالقبائل وقرارات التنمية والحرب والسلم يجب ان تبنى على اسس موضوعية تراعي مصالح الشعوب.

القدس هي جزء أسلامي أصيل أسري بالنبي الأعظم إلى ذلك المكان وفتحه الفاروق عمر بن الخطاب والآن أصبح بلد محتل ترتكب فيه أبشع الجرائم والذل والهوان بحق أخوة مسلمون، مسكينة هي فلسطين إذ أصبحت كما يدعي البعض هي السبب في البيروقراطية وعدم التقدم بل هي السبب في نتائجنا السيئة في كأس العالم.

إن إحتلال فلسطين هو ضربة للحلم والمستقبل العربي وجريمه بحق الفلسطينيين ناهيك عن المقدسات الاسلاميه، فلسطين رفعت رؤوسنا عالياً بين الامم وجعلت لنا أهميه ووجود، لم تكن فلسطين هي التي أضرت تعليمنا وإقتصادنا وآمالنا بل النزعات الايديولوجيه التي سهلت للارهاب ان يخطف الفكر والقرار في هذا الزمان ليتم تجييرها لافكار مستورده، أما الاقتصاد فالذي ضربه هم أعداء الأمة المحتلون لبعض أقطارنا العربية والإسلامية والرأسماليين الذين تنادوا على القصعه من كل حدب وصوب وساندهم الجهل والتجهيل والشعارات الفارغه.

إسرائيل تريد إعترافا من العرب بشرعيتها! ولن تترك احد وشأنه لضرورات الوجود والتطبيع، ونحن نرى في فلسطين سدا منيعا للحفاظ على الاوطان والدم والأعراض وللتأمل فان فضل فلسطين على العرب كبير جداً فالدول العربيه جميعها كانت كيانات متنافره وضعيفه ومستغله ومستباحة أرضها وثرواتها وحرمت من التسريع في التنمية، أما فلسطين وأبناءها فشردوا وعذبوا وبقي ومايزال الفلسطيني لاجئا في لبنان والاردن وسوريا ومصر واليمن وتونس وغيرها من الدول سواء كانت عربية أم غير ذلك، ولايزال حاله أسوأ الاحوال والاعلام المرئي والمقروء والمسموع ينقل الصور من مخيمات اللاجئين التي تنفق عليهم منظمه الأونروا وغيرها من المنظمات والدول.

كثير هم من لا يدركوا الفرق بين القضايا المحلية والقضايا المصيرية، قضية فلسطين هي قضية أمة! وماهي إلا صمام أمان للقارت الثلاث بما فيها دول الخليج ومبدأ إسرائيل توسعي وتطمح بدولة حدودها من النيل الى الفرات فلو إنتهت الممانعة في قضية فلسطين من دول الجوار لتوجهت إسرائيل لإحتلال دول الخليج أو مصر عندما يكون عندها القوة البشرية للإستيطان طبعاً، إذاً الخليج والدول المحيطة بفلسطين إنما هي على قائمة الأعمال المؤجلة وما كان أحد منكم على إسرائيل وأمريكا بعزيز. قضية فلسطين هي محور قضايا العرب والمسلمين فإن إهتمت دولة عربية بشئونها الخاصة دون الإهتمام بفلسطين ودول الجوار فما هي إلا سنوات وسنرى كل ما تحقق سقط على الأرض.

فلسطين هي بعد اسلامي وأمني لكل الدول العربية وهناك علاقة خاصة جدا بين فلسطين والعرب وهذه العلاقة يفرضها الاسلام والتاريخ والجغرافيا، وسيظل العرب من أكبر الداعمين لفلسطين وللفلسطنين، فهو المسار السليم ولكن ما يخرج من أصوات ضد هذا المسار فهو لايعدوا كونه صوتاً نشازاً، وهناك من يسوقون أفكاراً فيها من السموم وكأنها الحل الامثل لهذه الامه هؤلاء يسوقون الانطواء والانعزال وتفكيك وحدة الامه.

أنصح أن لا يترك الشعب الفلسطيني وحيدا امام هذه الهجمة الشرسة من هذا العدو المتغطرس المدعوم من أعتى قوة في العالم، كما أن النموذج اللبناني نحو التحرير من العدو الاسرائيلي يجب ان يحتذى لانه لم يكلف العرب كما كلفتهم القضية الفلسطينية قد تكون التجاذبات اخذت قيادة الشعب الفلسطيني الى متناقضات وكان للدور العربي يد في عدم التحرير بسبب هزائمهم وعدم تضامنهم وعدم وضوح الهدف لدى البعض منهم.

من لفلسطين وشعب فلسطين غير العرب ؟ وفي النهاية مصيرنا واحد وربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وسنتنا سنة رسول الله تجمعنا ولا تفرقنا، الأمة العربية الآن في خطر اجتمع عليها الغرب والشرق يحاربوننا في ديننا وفي تاريخنا والشعب الفلسطيني قلب الأمة النابض قدم التضحيات تلو التضحيات وفلسطين قضيتنا الأولى قبلنا ام ابينا، لا احد ينكر ما قدمه العرب لفلسطين فلولا الله ثم أنتم أيها العرب لتمت تصفية الفلسطينيين بالكامل كما حصل للهنود الحمر، المسألة الآن أكبر من فلسطين فالعراق تحت الإحتلال وافغانستان كذلك والسودان مستهدف والجزائر مستهدف أيضاً ولكن الدرب طويل والصومال ينزف دماً ويدمر وأينما نظرت في وطننا العربي الكبير لا تجد الا المصائب والحصار.

لم يفاجئني رأي بعض الإعلاميين إذ أرى ان هناك تيارا منظما ينهج النهج ذاته بطرق مدروسة ومنسقة محاولا اخراج العرب من دورهم الحقيقي، وهذا ينم عن نظرة سطحية للقضية الفلسطينية وهو يختزلها بصراع يدور على ارض في بقعة جغرافية ويهيأ لهم إذا ماتخلوا عن القضية ستصبح دولهم في مصاف الدول العظمى، ربما لانهم لايدركون طبيعة هذا الصراع.

القضية الفلسطينية ليست مجرد اناس يحتاجون الى مساعدة من هذه الدولة أو تلك بل هي قضية الوجود العربي والإسلامي من خلال الدفاع عن الارض الذي بارك الله حولها وهي قضية الاقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والذي شكل احتلاله وتدنيسه من قبل الصهاينة اهانة لكرامة كل مسلم الى ان يتحرر وان الذين يقاومون الاحتلال ويدافعون عن المسجد الاقصى هم يدافعون عن عزة وكرامة امه لا اله الا الله وهم يؤدون واجبهم.

لا ادري لماذا ينسى المسلمون انهم اخوة، والمطلوب أن تصحوا شعوبنا اذ لا يمكن لنا ان نحقق محاولات تغيير حقيقية وجدية ومأمول نجاحها ما لم نبتعد عن الأنانية وحب الذات، نحن نحتاج بداية للتفكير الجماعي والتراحم فيما بيننا، حتى نشكل منظومة أهداف مشتركة نسعى لتحقيقها من خلال وقفة جماعية تضامنية كوقفة رجل واحد، الأوروبيون ليسوا أقوى منّا إلا من خلال وحدتهم.

الفلسطينيون ليسوا وحدهم الذين يتلقون المساعدات، و أذكر بالمساعدات التي تتلقاها مصر من الدول المانحة و خاصة أمريكا و السعودية، لبنان يتلقى الكثير من المساعدات أيضا مع أن الأخوة اللبنانيين لا يعتبروا من فقراء العرب، وسورية تلقت الكثير من المساعدات بعد الحرب من السعودية والكويت والأمارات وباقي الدول العربية، السودان أيضا يتلقى المساعدات، و لا ننسى المساعدات الأوروبية والأمريكية لأفريقيا والكثير من الدول، و لا ننسى المساعدات الضخمة لإسرائيل من أمريكا، أنا أعتقد أن الفلسطينيين لن يموتوا لتعيش إسرائيل فهم منحدرين من أصول عربية وهم ليسوا هنوداً حمر بل هم عرب و مسلمين ولن يستسلموا بسهولة و لكن المشكلة أنهم لا يواجهوا إسرائيل و حدها بل كل اليهود ونفوذهم العالمي و الدعم الا متناهي من أمريكا، أنا لا أقول أنهم بريئين و ملائكة و لكن كل الظروف تعمل ضدهم و هم في أسفل السلم الاجتماعي العربي، ومن لا يصدق فليذهب إلى مخيمات الشتات سواء في لبنان أو في غيرها ليجد العنصرية الطائفية على حقيقتها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، كلنا عرب ومسلمون تجمعنا رابطة الدين والعقيدة والنسب،فهل من المعقول أن يتقاعس الواحد منا عن مساعدة إخوانه العرب؟، انظروا إلى فلسطين أرضاً وشعبا وهي لا تزال مستباحة من طرف الصهاينة والمسجد الأقصى المبارك تنتهك حرماته بأيد صهيونية بينما بعض العرب صامتون كأن الأمر لا يعنيهم!.

فالقربى ليست جغرافية، إنما هي قربى الدين، أما التضامن ومد يد العون في أوقات الضيق والحاجة، فذلك واجب أكثر منه كونه معروفاً، إن ما قدمته الدول العربية للشعب الفلسطيني من معونات ومساعدات ليس فقط لأنه شعب مسلم شرد من أرضه وسلبت حريته بل لأنه شعب صامد صابر يكافح من أجل الحصول على حقوقه المشروعة ويدافع عن كرامة المسلمين ومقدساتهم وأرض فلسطين والمقدسات فيها هي لعموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مصطفى الغريب

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف