لقد بلغ السيل الزبى تجاه الفساد الضارب بأطنابه في كردستان، والذي يتوقع أن يمد الحزبان الكرديان في عمره مع التمديد للحكومة الحالية التي لم نر منها تحركا ولو قيد أنملة للتخفيف من مخاطر هذا الغول، ولا أقول للقضاء المبرم عليه. فيبدو أن القضاء على الفساد في كردستان خرج عن قدرة وطاقة بني البشر،ولا قدرة إلا للباريء عزوجل على أن يخسف بالمفسدين الفرحين بأنفسم وبدارهم الأرض، حتى لا يجدون لهم من فئة ينصرونهم.

لقد قلنا في الفساد والمفسدين ما لم يقله لا مالك في الخمر، ولا الحطيئة في هجاء الآخرين، ولكن سدت أذان المسؤولين الذين أعمى الله بصائرهم حتى فرحوا بما يكتنزون مما يسرقونه من أفواه الشعب ومن قوت أطفالهم، فلم يراعوا في عباد الله إلا ولا ذمة..

ونحن نكتب عن هذا الفساد الذي ينخر جسد كياننا القومي الذي بات هو الآخر ضحية لمصالح قياداتنا الحالية الذين يضعون مصلحة ذلك الكيان الوحيد تحت أقدامهم، دون أن يبالوا بمستقبل هذا الشعب الذي خرج لتوه من بين براثن الدكتاتوريات المتعاقبة على حكم العراق،ولكن بدلا من أن يلتفت أي أحد منهم لمعاناة ومطالب هذا الشعب وحاجاته وإحتياجاته الحياتية، بدؤا يضيقون الخناق على الحريات التي تحققت بدماء الشعب وليس بدماء مسؤوليه أو أبنائهم الذين كانوا في كل ظرف وزمان يعيشون في أعلى العليين، فيما الدماء تنساب أنهارا من أجساد أبناء هذا الشعب في سبيل نيل الحرية.. فآخر إختراعات هذه السلطة، هو قانون الصحافة الكردية الذي أقره برلمان الحزبين الحاكمين والذي يجيز سجن الكاتب والصحفي إذا ما تجرأ بالكتابة ضد أحد مسؤولي الحزب أو الحكومة بتهمة ملفقة وهي القذف والتشهير أو الإضرار بأمن الإقليم، كأني بهؤلاء المسؤولين الفاسدين يختزلون الأمن القومي بأنفسهم من خلال إتهام الكاتب والصحفي بالقذف والتشهير عند الحديث عن حالة الفساد !!..

الفساد المستشري في كردستان يخنق كل أمل بقي لدى شعبها بمستقبل زاهر وبحياة حرة كريمة، لذلك يغدو طبيعيا أن تنشأ حركة فتية في كردستان تسمي نفسها بحركة ( كفاية) على غرار الحركة التي نشأت في مصر ضد التمديد للرئيس حسني مبارك الذي تحول هو الآخر الى هرم رابع في بلده. وهذه الحركة تبشر بنضوج شعبي واعد سيتنامى بكل تأكيد، إذا لم يسرع الحزبان الحاكمان الى خنقها في مهدها، لأن الشعب بحاجة فعلية الى قيام مثل هذه الحركة ضد السلطة الفاسدة في كردستان.
ولعله من العار والشنار لسلطة تستمد قوتها وأساس وجودها من حرمان هذا الشعب من الحرية، وتستمد شرعيتها من حركة تحررية سالت في سبيلها دماء غزيرة من أبنائه، فإذا بالأموال المتدفقة من بغداد المنكوبة بدورها بطغمة أفسد مما هو موجود في كردستان،تعمي بصائرهم وتجعلهم يديرون ظهورهم لهذا الشعب الذي وقف معهم في السراء والضراء، سواء في جبال كردستان لمقارعة الدكتاتورية، أو من خلال الإدلاء بأصواتهم لإيصالهم الى الحكم وإرسال الكثيرين منهم الى بغداد ليكونوا حكاما للعراق..

إن مجرد نشوء هذه الحركة في كردستان يكفي لتعرية حقيقة السلطة القائمة فيها، لأنها تدل دلالة واضحة على وجود حالة من القطيعة الفعلية بين الشعب والسلطة، وبأن الأمور وصلت الى حدود غير مقبولة. فهل يعي قادة كردستان هذه الحقيقة أم تراهم سوف يواصلون مسيراتهم الماراثونية ليكتنزوا ( مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ )؟!.

فهؤلاء لا يكتفون بكل هذه الأموال التي تنهمر عليهم من بغداد بل تراهم يسعون حتى الى السيطرة على الثروات الكامنة تحت الأرض. هاهم يتعاركون مع وزير النفط العراقي حول العقود النفطية التي وقعوها مع شركات أجنبية، ويستميتون من أجل السماح لهم يإستخراج النفط وبيعه في أسواق العالم؟!. ومع كل هذا السجال المتواصل بينهم وبين وزير النفط العراقي حول تلك العقود لكنهم لا يتجرؤن على مواجهة وزير النفط الذي تحداهم بشكل صريح عندما طلب منهم إستضافته للحضور في برلمان كردستان لمواجهتهم بقانونية ودستورية تلك العقود، أو بعقد مناظرة تلفزيونية مع وزير الموارد الطبيعية في إقليم كردستان الذي يوازي وزير النفط في بغداد لمناقشة هذا الموضوع على الملأ !!.
فهل أن الموارد الإضافية التي يستميتون من أجل الحصول عليها ستكرس في خدمة الشعب، أم أنها ستذهب بدورها الى جيوب شرذمة صغيرة من المتسلطين على رقاب هذا الشعب؟؟!!.

منذ سنتين وهذه الحكومة ( الموحدة )؟؟!! تعمل بـ 45 وزارة ولكنها لم تستطع لحد الآن أن تحقق شيئا ملموسا لهذا الشعب.. الغلاء وصل الى مديات مخيفة، الكهرباء معدوم تماما بعد أن كانت كل طاقة الحكومة بوزارة كهربائها لا تتجاوز ثلاث ساعات من التجهيز يوميا، أزمة الوقود الحادة مازالت مستمرة، ومشاكل حكومة الإقليم مع بغداد ما زالت قائمة حول المادة 140 التي طبلوا لها وزمروا طوال أربع سنوات من دون أن يتمكنوا من تنفيذ ولو فقرة واحدة منها.
نعم حكومة بخمسة وأربعين وزيرا لم تستطع أن تغير شيئا من الواقع المزري لهذا الشعب المكتوي بنيران الأزمات الخانقة، فماذا ننتظر منها غير أن نقول لها ( كفاية ) ونترجمها لها باللغة الكردية ( ئيتر به سه )؟؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]