حمل مطلع العام 2008 أملاً إضافياً للأشخاص المعوقين الذين تزيد نسبتهم عن 10% من سكان العالم، تترجم هذا الأمل بصدورالاتفاقية الدولية بشأن تعزيز حقوق الأشخاص المعوقين وكرامتهم في شهر ديسمبر 2006، ووصولها إلى أدراج المؤسسات التشريعية في الدول التي وقعت عليها؛ بعد أن قدمت للتوقيع في أذار 2007. بالفعل على هذه الوثيقة البالغة الأهمية 118 دولة من بينها عدد من الدول العربية، وهو أعلى رقم تواقيع في فترة زمنية وجيزة في تاريخ اتفاقيات الأمم المتحدة؛ لكن كما هي العادة تكون العبرة في المصادقة على الاتفاقيات الدولية من قبل المجالس التشريعية وعلى البروتوكولات المرفقة، والارتقاء بالتشريعات المحلية إلى مستوى الاتفاقية على صعد مختلفة.

عشرة بالمئة من سكان كوكبنا هم من الأشخاص المعوقين، من ذوي الإعاقات الحركية، البصرية، السمعية، والذهنية، يعانون بمعظمهم من التهميش والنظرة النمطية، أو المنمطة، من قبل المجتمعات إلى قدراتهم وطاقاتهم، ولا يحسب حساب قضاياهم على أجندة التنمية إلا فيما ندر. فكيف إن كانت المنافسة حرة على صعيد العمل والتجارة عبر الدول. يزداد هؤلاء الأشخاص تهميشاً وفقراً؛ إذ لا بد من النظر إلى عدد من النقاط التي زادت من عزلتهم في ظل ظروف العولمة الاقتصادية و quot;النيو- ليبراليةquot;:

1-على صعيد البيئة المجهزة الدامجة التي تحترم حاجات الأشخاص المعوقين حققت الدول الصناعية الكبرى خطوات رائدة في اتجاه إيجادها والعمل على توفيرها في المرافق العامة، أما معظم البلدان الفقيرة فما زالت بعيدة كل البعد عن احترام حاجات الأشخاص المعوقين بتأمين هذه البيئة حتى في الفترات التي يصل فيها على عملية إعادة الإعمار في مناطق النزاع كما في لبنان. ولم تنجح الليبرالية الجديدة كنظام في تعميم ثقافة التنوع والاختلاف، لاسيما وإن الجهات المانحة، في مؤتمري ستوكهولم 2006 وباريس 3 لم تشترط على الدولة اللبنانية والجهات المعنية بإعادة الإعمار إدراج معايير الإعاقة واحترام حاجات حوالي 400 ألف مواطن في حقهم في بيئة مجهزة خالية من العواثق الهندسية.

2-على صعيد العمل، لا يخفي أن الأشخاص المعوقين ينتمون في أغلب الأحيان إلى عائلات فقيرة وكبيرة العدد، كما أظهرت المسوحات الميدانية، وهم يتأثرون بشكل مباشر بالمنافسة التي لا تشترط تكافؤ الفرص، ويعمل معظم الأشخاص المعوقون في أعمال خطرة بالنسبة لحالاتهم، غير مضمونه صحياً أو اجتماعياً، ومعظمهم مياومين، يعملون في ظروف غير مستقرة. وهنا لم تنجح الليبرالية الجديدة في فرض شروط التنوع في مكان العمل على الشركات العابرة للقارات التي تفتح فروعاً بها في البلدان النامية، ولم تحتفظ للأشخاص المعوقين بحصة مقتطعة (كوتا) من الوظائف إلا فيما ندر، فنجد أن الشركة نفسها يمكن أن تحترم حق الشخص المعوق في العمل في الدول الصناعية الكبرى أما في بلداننا تفتح فروعاً لها وتكون أبعد ما تكون عن احترام هذه الحقوق.


3-كذلك الأمر على صعيد التربية والتعليم والتوعية والحقوق السياسية للأشخاص المعوقين، فكلها حقوق مغيبة عن على خارطة العالم النامي على الرغم من التغني المفرط بالديمقراطية والحق في التعبير. يبدو الأمر وكأن العولمة حملت لبلداننا النامية أمالاً زائفة خلال العقد الماضي، إذ أن كثيراً من الأشخاص المعوقين استطاعوا أن ينموا قدراتهم الذاتية على أصعدة مختلفة إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى تكريس حقوقهم في ميادين مختلفة بما حفظته لهم شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

بناء عليه، يحتاج الأشخاص المعوقون في العالم أجمع، وفي بلداننا النامية بشكل خاص، عولمة من نوع آخر، وتقارب ثقافات من نوع آخر، وليبرالية جديدة من نوع آخر. يحتاج إلى عولمة تعزيز الأمل والكرامة الإنسانية، وتحفظ لهذه الأقلية، التي تعتبر أكبر أقلية على وجه الكرة الأرضية حقوقها، وترتقي بالبشرية كلها إلى ملاقاة الأشخاص المعوقين والسير معاً نحو الإندماج التام في المجتمع.

يحتاج الأشخاص المعوقون، ومن خلفهم الفئات الأكثر حرماناً وتهميشاً إلى عولمة تكافؤ الفرص في البيئة الدامجة والعمل والتربية والتعليم والحقوق السياسية والتأهيل وإعادة التأهيل. إلى عولمة الحقوق والضمان والتضامن الاجتماعيين، إلى عولمة الثقة بالإنسان وقدراته. فكما هي القاعدة الكيميائية التي تقول إن ابطأ عناصر ومركبات التفاعل هي التي تتحكم بالسرعة الكلية للتفاعل، كذلك اجتماعياً، ليكون النظام للجميع، محترماً الاختلاف والتنوع لنصل معاً إلى غد أفضل. نحتاج عولمة الأمل والتضامن للارتقاء إلى غد أفضل، نحو quot;عالم آخر ممكنquot;.

عماد الدين رائف