يبدو أن الأمور لا تسير لحد الآن بشكل جيد بالنسبة للحزب الجمهوري وممثله جون ماكين!!.. فتداعيات الأزمة المالية واعتراف ماكين بالجهل فيها، والتحالف الكبير بين المرشح الجمهوري والإدارة الحالية والذي فشل ماكين في التخلص منه.. بالإضافة إلى دعم استمرار احتلال العراق والإخفاق في اختيار نائبة هي حديثة تجربة في الشئون الخارجية!، كل هذه العوامل تقول أن أوباما هو الأقرب للبيت الأبيض، وهو الأكفأ عطفاً على سلسلة المناظرات الأخيرة بين المرشحين.. ففي الوقت الذي كانت أفكار أوباما أكثر وضوحاً وترتيباً ومنهجية، كانت أفكار ماكين مشوشة وخالية من عنصري القناعة والإقناع!.

ولذا بدأت حملة ماكين تلجأ لأساليب أخرى لإيقاف التقدم الكبير والمستمر لأوباما!.. وبدأت حملات التشكيك ومحاولات التحطيم لإضعاف أوباما والتأثير على معنوياته وربما أماله لاعتلاء عرش الإمبراطورية الأمريكية كأول أسود في تاريخ هذه الأمة، وذلك من خلال التفتيش ونبش تاريخ هذا السيناتور لعل بعض السقطات تُسعف الرجل السبعيني بالفوز بالمنصب الأغلى على مستوى العالم!.. فمن تاريخ أوباما العائلي والإيحاء بعقيدته المسلمة، إلى علاقة أوباما بالقس quot;رايتquot; صاحب الأقوال المتطرفة، إلى مصدر أموال حملة أوباما والتشكيك في سلامتها من الناحية القانونية، وأخيراً التشكيك بولاء أوباما الوطني لوطنه والولاء السياسي للحليف الأكبر إسرائيل!.. ويكفي للمتتبع مؤخراً لنشاط حملة ماكين وأداء هذا الرجل نفسه أن يلحظ تلك الهفوات التي صدرت من الرجل أو من أعضاء حملته أو من أنصاره، والتي كانت تستهدف معنويات أوباما وأفكاره وتوجهاته السياسية!.

في المناظرة الأولى بين المرشحين، كان أداء ماكين ضعيفاً ومرتبكاً، وبلغ من درجة ارتباكه وغروره أنه لم يُطالع أوباما طوال التسعون دقيقة إلّا نادراً، وكأنه لم يكون موجوداً أو منافساً له في سباق الرئاسة!.. حتى القنوات التلفزيونية والمحللين السياسيين في تلك القنوات أبدوا دهشتهم واستنكارهم لهذا التجاهل الذي وصفه البعض منهم بالتصرف الفجّ الذي لا يليق بمرشح لمنصب رئيس دولة بحجم الولايات المتحدة!..

في المناظرة الثانية التي جرت في ولاية تينيسي، حاول ماكين استدراك أخطاءه في المناظرة الأولى، ولعل ترتيب مسرح المناظرة سمح لماكين بهذا الأمر بحيث أصبح أكثر مرونة وأقل جلافة حين تعامله مع أوباما، ولكن قدرات ماكين البلاغية لم تسعفه هذه المرة، كما في كل مرة، حيث وقع في أخطاء لغوية غير مهذبة تجاه أوباما.. فعبارات مثل quot;هو!quot; و quot;ذاك الشخص!quot; بدلاً من ذكر اسم أوباما كسياسي وسيناتور كانت على درجة من الوقاحة لم تكن مناسبة في هكذا حدث مهم يتابعه الملايين خلف شاشات التلفزيون ومن جميع أنحاء العالم، بما فيهم السياسيون والدبلوماسيون والمثقفون والأكاديميون!. بل حتى إكثار ماكين من عبارة quot;صديقيquot; في تلك المناظرة كانت مُتكلفة، وكانت تعطي إيحاءاً عن مدى الارتباك الشديد الذي يعاني منه مرشح الحزب الجمهوري بحيث بدا وكأنه يستعطف الجمهور ويستميلهم للقبول به وبأفكاره وسياساته!.
في إحدى لقاءات ماكين مع أنصاره، ظهر رجل بدا عليه الغضب الشديد.. وكان يصيح بصوت مرتفع أنه quot;غاضب جداًquot; من هذا الوضع، ومن استمرار تقدم أوباما على ماكين.. حتى قال الرجل وبعبارة صريحة أن على ماكين ونائبته بالين أن يمنعوا فوز أوباما بالرئاسة من خلال عمل أي شئ يوقف طوفان أوباما نحو البيت الأبيض.. وكانت العبارة التي استخدمها ذلك الرجل تقع في سياق سلبي المعنى لا يدل على وجود روح التسامح أو المنافسة الشريفة لدى بعض أنصار ماكين!.. وبدا على ماكين حينها الذهول والارتباك تجاه هذا الأمر وكأنه تفاجأ بهذه اللغة الغير مناسبة والتي قد تقدح في ماكين وفي نوعية أنصاره الذين ظهر عليهم الارتباك أيضاً وفقدان الأعصاب!. حتى تلك المرأة التي قالت لماكين أنها خائفة جداً ومرعوبة من فوز أوباما لأنها سمعت أنه عربي!! كانت دليلاً أخر على فقدان الحزب الجمهوري وأنصاره لأعصابهم، وأنهم ربما أدركوا عجز ماكين عن مجاراة أوباما والانتصار عليه فأصبحوا يهرفون بما لا يعرفون مما أوقع ماكين في مواقف محرجة قد تكلفه كرسي الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض!!.

ماكين رجل سياسي مخضرم، وله مواقف سياسية وتاريخية جديرة بالاحترام.. وكان أسير حرب في الحرب الفيتنامية وهو لاشك مصدر فخر لماكين ولحملته وأنصاره، ولكن استمرار الهجوم الشخصي على أوباما والبحث عن الزلات والهفوات الصغيرة لهذا الأمريكي من أصول افريقية لن يساعد ماكين في حسم معركة الانتخابات.. فأوباما يزداد صلابة وقوة وتقدم مع الوقت بفضل عقلانية أوباما ورزانته وكلماته القوية وأفكاره المنطقية والعملية.. وعلى ماكين أن يُجاري أوباما في طريقة تفكيره وفي بلاغته وحكمته بدلاً من البحث عن أساليب أخرى قد لا يسعفها الوقت للانتصار في المعركة الانتخابية التي لم يبقى عليها إلاّ أياماً معدودة!!.

قد يكسب ماكين معركة الانتخابات وقد يخسرها، ولكن لعله من الأفضل لماكين ولأنصاره ومنظمي حملته الانتخابية الحفاظ على صورة الرجل ووقاره بدلاً من استخدام أساليب غير شريفة في هذا السباق!.. فالتاريخ الأمريكي والإعلامي لا يرحم، وقد يخسر ماكين الانتخابات، ويخسر معها سمعته وإرثه التاريخي والسياسي الذي بناه طوال عقود عمره السبعة!!. فقيمة الكهل في وقاره وهيبته وهدوء أعصابه، وليس في هفواته وسقطاته وحماقاته!!.

الدكتور خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا
[email protected]