إن الآفات السماوية من الزلازل والفيضانات والسيول تكون اختبارا للأمم والحكومات. وهي التي تؤكد مدى التعاون بين مختلف أطياف الشعوب في بلد واحد إضافة إلى الدول الصديقة والمجتمع الدولي. كما أنها تكون اختبارا لمصداقية النظم الحاكمة.

وقد تعرضت دول مختلفة إلى الأفات السماوية في السنوات الأخيرة. ولعل quot; سونامي quot; وزلزال 2005 في باكستان كان أهم المشاكل التي تداعى لها المجتمع الدولي بأسره. ويمكن مشاهدة مساعدات المنظمات الدولية والدول الصديقة التي تم تقديمها إلى باكستان إثر ذلك الزلزال المدمر الذي تسبب في قتل أكثر من 125،000 ألف نسمة إلى جانب تشريد أكثر من 350،000 ألف مواطن في كشمير الحرة والمناطق الشمالية من إقليم الحدود الشمالية الغربية، على أرض الواقع.

وتلك المساعدات إذا كانت عينية فكذلك كانت نقدية وبشكل مخيمات ومدارس وكليات وجامعات شيدت بتمويل من المجتمع الدولي. وقد أصبحت جامعة مظفر آباد ndash; عاصمة كشمير الحرة ndash; التي أشادتها تركيا أحد المعالم التي تزار في العاصمة.

ونفس الحالة تسود هذه الأيام في مناطق مختلفة من إقليم بلوشستان تعرضت لزلزال مدمر قبل أسبوع حيث قتل 300 شخص، إضافة إلى إصابة أكثر من ألف شخص بجراح.

طبعا كانت الحكومة الباكستانية في أول الأمر قالت إنها تقدر على مواجهة الحالة الناشئة من الزلزال وأنها لن تنشد مساعدة المجتمع الدولي؛ بيد أن رئيس الحكومة الإقليمية ناشد الأسرة الدولية بالمساعدة. وبدأت المساعدات تصل إلى العاصمة الإقليمية كوئتا.

وكانت المساعدات السعودية أكبر حجما من أي دولة أخرى، إذ أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منح 100 مليون دولار من جيبه الخاص، كما أوردت الصحافة المحلية، إضافة إلى توجيه حكومته بإنشاء جسر جوي بين المملكة العربية السعودية وإقليم بلوشستان لنقل المساعدات في أقرب وقت إلى أقرب نقطة في متناول المتضررين من زلزال بلوشستان. وفعلا قد بدأت طائرات الشحن العسكرية تهبط في مطار كوئتا محمولة بالحوائج الضرورية.

وتبع إعلان الملك، إعلان مثيل من جانب الكثيرمن أمراء المناطق السعودية من المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة وتبوك بتبرعات سخية للمتضررين تساوي 250 مليون دولار. وأشارت الصحافة المحلية أنه سيتم تقديم تلك المساعدات إلى الرئيس الباكستاني أصف زرداري الذي وصل إلى المملكة اليوم الأربعاء على زيارة تستغرق يومين.

ويرى محللون أن المساعدات بمثابة بلسم يوضع على القلوب الجريحة؛ إلا أن هناك حاجة إلى وضع نظام خاص لمراقبة عملية توزيع المساعدات؛ لآن الفساد المتفشي في الدوائر الرسمية يأكل معظم المساعدات المالية التي تصل إليها.

وقد ذكر العديد من المتضررين من زلزال 2005 لهذا المراسل في مدينة مظفر آباد ووادي نيلم، أن الحكومة أتعبتهم في توزيع المساعدات عليهم. وقد افتضح وزير من كشمير الحرة عندما داهمت القوات الباكستانية منزله في مظفر آباد لمصادرة حمولة أكثر من عشر شاحنات من مساعدات التي وصلت إلى هناك. وحدث ذلك في وقت لم يتم انتشال جميع الموتي من تحت أنقاض المدينة. كما أنه تم إصدار أوامر إلى القوات بـ quot;توجيه الرصاصquot; إلى النشالين والناهبين على الموقع.

ومن المعروف أن الإنسان لديه حرص وجشع لجمع الأموال؛ إلا أن الأوان إذا كان لمساعدة الأخرين ينبغي أن يلجم ذلك النزع. وقد أكد بعض المحللين أنه إذا تم توزيع مساعدة خادم الحرمين الشريفين بين المتضررين بأسلوب عادل فإنه لن يبقى معهم حاجة إلى البحث عن مساعدة أخرى؛ لأنه وحده منح 100 مليون دولار وهي تساوي 8000 مليون روبية على أقل تقدير. وإذا تم توزيعها على الـ 40،000 متضرر، فإن نصيب كل واحد منهم سيكون 200،000 روبية. وهذا المبلغ يكفي لبناء بيت طيني يقي من قر الشتاء الذي يقرص أجساد المتشردين. وبذلك يمكن أن يعودوا إلى بيوت فقدوها إثر الزلزال. كما أن ذلك المبلغ يكفي لبدء تجارة تساعد أحدا في مواصلة حياة عادية؛ لأن أهالي تلك المنطقة يشتهرون بإبائهم وقيامهم بأعمال شاقة. وبناء عليه لن يجلسوا منتظرين للمساعدات إذا وجدوا بيتا يأوي إليه أفراد أسرهم.

فهنا السؤال الملح هو: هل يمكن للمملكة العربية السعودية أن تنسق مع الحكومة الباكستانية لإنشاء نظام نزيه شفاف لتوزيع مساعداتها وإيصالها إلى المتضررين الحقيقيين والفقراء، بدل أن تتحول إلى جيوب الوزراء المتخمة بالأموال؟ لأن متضرري زلزال 2005 لا يزالون يشكون بأنهم يحتاجون إلى تقديم الرشاوي إلى المسؤولين للحصول على حصتهم من المساعدات ويطرحون السؤال: إذا فقدنا كل شيء في الزلزال، من أين نأتي بالرشاوي لتخليص المساعدات؟

عبد الخالق همدرد

كاتب ومحلل سياسي باكستاني

00923005380546

[email protected]