يا ترى هل يجسد منتظر الزيدي مهنية الصحفي بفعلته الهمجية يوم أمس عندما غدر بأخلاقيات الصحافة ونزل إلى الدرك الأسفل برمي حذاءه تجاه الرئيس جورج دبليو بوش؟ بالطبع لا، وقد أتى الرد قويا وواضحا ممن كان لهم من مكارم أخلاق المهنة الصحفية حظ ونصيب بالتعبير عن أسفهم على الحادثة.

في نظام ديمقراطي متنامي الذي هو دولة العراق يضع الرئيس جورج بوش نفسه بين أيادي الصحفيين لكي تَعُم فائدة المعرفة بواقع العلاقة الأمريكية العراقية. ولكن الفائدة لم تتحقق بفعلة الزيدي خاصة وأنه لم يطرح الأسئلة التي كان العراقيون ينتظرون إجابة بوش عليها. ويبقى أن القذف ليس طرحا،، والسب ليس سؤالا،، فليس الشتم من حرية التعبير في شيئ. وقد برهن الزيدي على أنه لا يدرك مقدار الفائدة التي كان بإمكانه تعميمها على أبناء جلدته من خلال طرح الأسئلة على الرئيس الأمريكي، ودلل بفعلته على جهله بالمبادئ الصحفية حيث لم يستطع ترجمة أحاسيسه إلى كلمات معبرة أو أسئلة مبينة والتي هي في الحقيقة واجبه الصحفي. وليته كان خاويا فقط ولكنه استسلم لبدائية العنف، وفشل في استثمار الفرصة التي كانت بين يديه.

بالتأكيد لا يمثل الزيدي مهنته الصحفية كما أنه لا يمثل الشعب العراقي ولا العروبة. فالشعب العراقي كان يعاني ويكابد في صمت عبر عقود من الحكم البعثي القمعي الديكتاتوري الذي حصد حياة أعداد لا تحصى من العراقيين. فالتصفيات والاختطافات كانتا أمرا معروفا ولا يجرئ أحد على الاعتراض عليها. ولم يكن حكم صدام حسين استثنائيا يستهدف الأشخاص فقط بل أن ساديته طالت الجماعات مثل الأكراد الذين سقطوا ضحايا لغازات صدام القاتلة في حلبجة، والشيعة في الجنوب في بداية التسعينيات. لقد كانت دولة بوليسية لا يجرؤ المواطنون فيها على التعبير عما يدور في خلدهم إذا كان مخالفا للحكومة الصدامية، وإلا تكون نهايتهم شبه حتمية.

استطاع الشعب العراقي أن يتعامل ويتجاوب مع المتغيرات في رحلته تجاه مجتمع مرحب ومتسامح يعدل بين الطوائف والعرقيات دون التنازل عن قيمه ومبادئه الثابتة من موروثه الثقافي. فكرم الضيافة لم يكن حالة استثنائية ولم يكن قط خيارا مزاجيا ولم يكن حكرا على صديق أو حبيب بل كان لكل قادم وحتى ممن يختلفون معهم في الرأي. الترحيب بالضيف عادة لن تنتهي بفعلة الزيدي الذي لا يمكن لسلوكه أن يعكس الثقافة العربية حتى وإن اختلط ذلك على بعض غير العارفين بالثقافة العربية.

الزيدي لن يُقْتل لفعلته ولن يعذب لذلك الاعتداء المقيت كما كان سيؤول مصيره في أيام العهد البائد. إن هذه الحادثة لن تغيّر من الموقف الأمريكي في شيئ فسنبقى ثابتين في ثقتنا في عزيمة أهل بلاد الرافدين. ومع ذلك فإن الزيدي يتحمل التهمة الموجهة ضده وهي تعديه على مهنته الصحفية ومواطنته العراقية وثقافته العربية.


وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
[email protected]
http://www.america.gov/ar