Varmestuen


قريبا من الباب الخلفي،لمحطة quot; كوبنهاكن quot; للقطارات وقف quot; فريدريك quot; وهو رجل في الخمسين من عمرة، متحفزا يتحدث بانشراح مع آخرين،كان الجميع متأهبين بانتظار شئ ما..!

لم يطل انتظارهم،هاهي الساعة السادسة مساء، تتوقف سيارة،مكتوبا على جانبيها،quot;الصالة الدافئة quot;، نزل السائق برفقة آخر،فتحا الباب الخلفي فيما اصطف quot; فريدرك quot; ورفاقه بالدور لاستلام علبة ما..! ليقول كل منهم: شكرا للسائق، فيجيب الأخير: شهية طيبة، اعتني بنفسك.


لم تكن هذه العلبة تحتوي غير quot; وجبة طعام المساء الحارة المجانية،توزع في أماكن وأوقات محددة،لؤلئك الذين quot; بلا مأوى quot;،ممن ليس لديهم عنوان مسجل،إذ إن من يمتلك عنوانا مسجل يمكنه الحصول على الإعانة الاجتماعية،التي تكفل له،احتياجات الحياة من سكن ومأكل،وأشياء أخرى.


quot;الصالات الدافئة quot;،هي أماكن يأوي إليها المحتاجون،للأكل،أو المبيت،أو الالتقاء بآخرين والتحدث،قسم منها يقدم خدماته،عند الساعة السابعة صباحا،حيث وجبة الفطور، والآخر بعد الظهر،وحتى المساء،فيما قسم آخر يتخصص في تقديم وجبة العشاء،والمبيت،تختلف تبعا لموقعها وعدد المحتاجين لها،ولكنها تلتقي جميعها بهدف مشترك وهو : إن جميع البشر وبغض النظر عن الظروف التي واجهتم وتواجههم لهم الحق،بتعامل يحترم إنسانيتهم، منها: حقهم في الأكل والمبيت بمكان دافئ،خصوصا في شتاء اسكندنافيا البارد جدا والطويل.،كلمة دافئ لاتعني درجة الحرارة وحسب، بل تعني الحميمية في العلاقات الإنسانية،بشكل أساس،ولهذا يمكن ملاحظة إن عدد غير قليل من الزائرين،قد يكونوا ليسوا بحاجة مادية للسكن والأكل،لكنهم بحاجة لتقاسم هذا مع الآخرين لكسر حاجز الوحدة!
في إحدى هذه البيوت في مدينة quot; ارهوس quot; يستطيع الزائرون إن يحصلوا على وجبة عشاء ساخنة، والالتقاء بآخرين للتحدث،وممارسة إنسانيتهم،،يمكنهم الاستحمام،والحصول على ملابس نظيفة،هنالك متخصصون في بعض المراكز،يقدمون المساعدة بمختلف أنواعها النفسية أو الطبية أحيانا،كالعلاج،أو علاج الأسنان،أو الاتصال بالجهات المختلفة ذات الاختصاص،لتأهيل المحتاج،تبعا لحالته سواء أكان مدمنا أو متعبا نفسيا..الخ


تتوزع ماتسمى الصالات الدافئة،وهي بيوت كبيرة حقيقة،في مختلف أرجاء الدنمارك،تتولاها مختلف المؤسسات المدنية،من الكنائس التي تقوم بدور مميز.. إلى مراكز المساعدة الأخرى التابعة للبلديات، يحصل القسم الأكبر منها على دعم من البلديات، تختلف نسبته من واحدة إلى أخرى، هنالك قوانين رسمية وحكومية، تنظم عملها، وعلى ضوء هذا تتلقى الدعم الحكومي.


واحدة من هذه المؤسسات التي تتوزع quot;صالاتها الدافئةquot; في أماكن مختلفة من البلاد تدعى quot; كير كنز هيرنس quot; ولديها مايتجاوز 28 بيت، تقدم خدماتها،بما فيها وجبات الأكل والمنام،الاستحمام والمبيت لما يقارب 1200 شخص يوميا،ففي الأسبوع الأول من شهر quot; نوفمبر quot;فقط لعام 2007 بلغ عدد الزائرين 9 آلاف و827 شخص،غالبيتهم من الرجال بنسبة 75% والباقي نساء.


نسبة الدنماركيين منهم 83% والباقين 17% من خلفيات أثنية أخرى، ربما السبب بانخفاض نسبة النساء هو كونها اقل إدمانا وضياعا من الرجل كما إن المرأة عموما والدنماركية خصوصا أكثر مسؤولية،وتنظيم،لديها ثقة بالنفس عالية اكتسبتها على مر السنين من خلال جدها وصبرها وعملها الدءوب،الذي تكلل بفرض احترام مميز من قبل المجتمع لها،بالإضافة إلى وجود مراكز مختلفة ترعى المرأة بشكل محدد في مثل هكذا ظروف.


المميز في عمل هذه المنظمات هو اعتمادها على متطوعين بشكل أساس فمنظمة quot; بلو كورس quot; لديها 1300 متطوع و 350 موظف فقط.


كل المجتمعات تحتوي على ناس ضعفاء،يحتاجون للمساعدة بطريقة أو أخرى،ورغم كل قوانين النظم الاجتماعية،التي يضرب بها المثل في البلدان الاسكندنافية إلا إن هنالك ظواهر لاتزل القوانين قاصرة في التعامل معها،كأن يفقد احدهم سكنه،أو يدمن ولا يعي أهمية مساعدته من قبل المؤسسات المختصة، ولكنه... إنسان يجب أن يأكل وينام في مكان دافئ، وتحترم كرامته الإنسانية..! ماذا لو شعر احدهم تحت ضغط العمل أو التقدم بالعمر، أو شيء آخر بالوحدة والانعزال!؟


هنالك هذه البيوت الدافئة،التي يستطيع زيارتها،وتكاد تكون بلا مقابل،أو مقابل رمزي شبه مجاني،وسيجد من يرعاه بشكل إنساني،لايمتلك العاملين فيها أي حكم مسبق اتجاه من يزورهم،وعلى الرغم من إن جزء مهم من عملها يعتمد على المتطوعين،إلى إنه بلا دعم البلديات والدولة لأهمية هذه المراكز،لما كانت بهذه الفعالية،التي هي في خدمة المجتمع، هنالك حاجة ماسة لتزايد هذه الصالات بسبب ازدياد عدد المحتاجين وهو الأمر الذي يدعو الجهات إلى طلب دعم كبير من الدولة في هذا المجال ونستطيع أن نفهم لماذا من النادر أن تجد في الدنمارك من يسرق لأنه جائع،أو بدون سكن،بل حتى المتسول لن يكون احد أعذاره الجوع بتاتا إذ لن يصدقه أي احد، هذا لايعني أن لاوجود لناس بلا سكن في الدنمارك، بل يشكلون رقما كبيرا نسبة إلى عدد السكان أكثر من 6 آلاف،ومازال هنالك قصور في تشريع يجد حلولا دائمة وليس مؤقتة،والى أن يتم ذلك تقوم منظمات المجتمع المدني بدورها بسد هذه الثغرة،تتلقى دعما من الحكومة والبلديات التي بدورها تعي أهمية عمل هذه المنظمات،كداعمة من دعائم بناء الإنسان والمجتمع.
المشردون بحاجة إلى سكن دائمي يشعرون فيه بالاستقرار، والأمان الإنساني وليس ليلة اوليالٍ محدودة، عموما المجتمع ومشرعوه السياسيون لايهربون من مواجهة حقائق مجتمعهم،وهو مايبشر بإيجاد حلول مستقبلية،إذ اعد تقرير مفصل في السنة الأخيرة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية،أخذت فيه بنظر الاعتبار خبرة المؤسسات المختلفة لست بلديات قامت هذه الأخيرة ببناء عمارات سكنية،كسكن دائمي للمشردين،في هذا التقرير محاولة جادة لصياغة تشريع قانوني لحل هذه المشكلة.


الصحافة الحرة،والتي تمتلك سلطة لايعلى عليها، تمارس ضغطا دائما لإبراز مشاكل المجتمع،والتي تشدد على، الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال،ولهذا يدعو المتخصصون في الدنمارك إلى الاستفادة من تجربة النرويج المميزة في هذا المجال،على سبيل المثال لدى الأخيرة حتى المطاعم المتنقلة للمتشردين،تدعمها الدولة.


ملخص خبرة مؤسسات المجتمع المدني تقول :لاتنتظر المشرع السياسي، اعمل الآن وفورا،هنالك من هم بهم بحاجة لمساعدتك هذه اللحظة،فليتزامن هذا العمل بالضغط على المشرع السياسي،من خلال أدلتك العملية بأهمية ماتقوم به للمجتمع،وحاجتكما معا لتشريع قانوني،يعالج المشاكل ويدرأ من تفاقم وصولها إلى جريمة.


ضياء حميو
[email protected]