من سينتصر في العراق إيران أم الولايات المتحدة الأمريكية؟ الآن، وبعد أن تم التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا، رغم المعارضة الشديدة ( على الأقل ظاهرياً وعلى المستوى العلني) من جانب إيران، وكذلك بعد انتخاب باراك أوباما رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية، والذي أعلن إبان حملته الانتخابية استعداده لفتح حوار جدي ومباشر وصريح مع الجمهورية الإسلامية لحل مشكلة الملف النووي الشائكة، وتقديم الضمانات الضرورية لأمن إيران إلى جانب حزمة الحوافز والمغريات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية التي تعهد الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى كاليابان بتقديمها إلى إيران نظير وقفها لأنشطتها النووية والتخلي عن تخصيب اليورانيوم فوق أراضيها بطريقة صناعية، يمكننا القول بفتح صفحة جديدة في التعامل الدبلوماسي مع إيران، التي تقف اليوم على أعتاب مرحلة انتخابية شديدة الأهمية لاختيار رئيس جديد للجمهورية خلفاً للمتشدد محمود أحمدي نجاد، الذي يخشى جدياً من ترشيح منافسه المعتدل زعيم التيار الإصلاحي محمد خاتمي، فهل ستتلقف إيران وتستثمر هذه الفرصة الجديدة التي توفرت لها لتعيد حساباتها واستراتيجياتها وسياساتها الخارجية؟ فالعراق يستعد هو الآخر لانتخابات مجالس المحافظات التي ستكون مؤشراً لمدى شعبية وشرعية القوى السياسية المتنافسة والمتصارعة على السلطة ولا يخفى على أحد ما لإيران من تأثير على مجريات الأمور داخل المشهد العراقي. لذا يتعين على الغرب عموماً وعلى الولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص أخذ هذا العامل بعين الاعتبار إلى جانب محاولاتهم وسعيهم لفهم واستيعاب وإدراك ما يحدث من تغيرات في الداخل الإيراني وتحليلها على كافة الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية كي يتسنى للمجتمع الدولي، وفي طليعته الدول الغربية، إعادة ترتيب الأوراق ورسم سياسات وتوجهات دبلوماسية تتلاءم مع المتغيرات و المستجدات المشار إليها أعلاه، علماً بأن الورقة الوحيدة القوية الباقية بيد إيران هي العراق. فعلى الساحة العراقية وحدها يمكن لإيران ضرب الغرب ومصالحه والتسبب في إيذائه بما لديها من تغلغل قوي وحقيقي داخل النسيج السياسي والاجتماعية العراقي ولما تمتلكه من نفوذ على بعض القوى السياسية العراقية الفاعلة على الساحة السياسية اليوم ومن بينها التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر، وإلى حد ما حزب الدعوة، وبعض القوى المسلحة الخارجة عن إطار اللعبة السياسية وغير الخاضعة لسلطان الدولة وتتلقى أوامرها من فيلق القدس الممول والمسلح والمدرب لها.


الدول العربية برمتها، لاسيما المجاورة لإيران أي دول الخليج والعراق، وإسرائيل بالطبع، ومعها دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ترتاب من نوايا إيران وبرامجها النووية التي تدعي أنها سلمية لكنها لاتقدم أية ضمانات عن عدم تحويلها وبالسر إلى برامج نووية عسكرية. الحجة التي تتذرع بها طهران هي أن إيران باتت مطوقة عسكرياً بقوات أمريكية وقوات تابعة لحلف الناتو من كل حدب وصوب. من جهة الجنوب في الخليج وقطر والبحرين والكويت والعربية السعودية من خلال القواعد العسكرية المنتشرة في هذه الدول، ومن الغرب في أفغانستان والباكستان وتركيا، ومن الشمال في آذربيجان، مما يثير لديها قلقاً مشروعاً من النوايا العدوانية الأمريكية والإسرائيلية لأن استراتيجية هاتين الدولتين المتحالفتين هي منع أية دولة أخرى في الشرق الأوسط من امتلاك السلاح النووي عدا إسرائيل، وبالتالي فهما تسعيان لمنع إيران من تخصيب اليورانيوم وامتلاك تكنولوجيا الدورة النووية الكاملة بأي ثمن وبكل الوسائل الممكنة ومنها القوة العسكرية ولا يمكنهما تصديق تصريحات طهران حول سلمية مشروعها النووي.
يتساءل الغرب كيف أمكن للنظام الإسلامي في إيران البقاء في السلطة رغم الأزمات والحروب التي توالت على إيران طيلة ثلاث عقود سيما وأنه يفتقد لدعم القواعد الشعبية التي تعاني من البطالة وانعدام الخدمات والقيود الأخلاقية الصارمة والقاسية المفروضة على المجتمع وبشكل خاص على النساء والشباب وفرض نمط مجتمعي لا يتواءم مع أذواق ومتطلبات المجتمع العصري المطبق في دول الغرب والذي يرغب به ويتمنى العيش فيه قطاع واسع من مكونات المجتمع الإيراني اليوم للهروب من العقلية الظلامية التي يفرضها الملالي على المجتمع الإيراني.


الحقيقة هي أن العقوبات والمقاطعة والحصار الاقتصادي والتطويق العسكري لإيران بعد حربي أفغانستان والعراق والتهديد بالضربة العسكرية ووضعها على قائمة دول محور الشر الداعمة للإرهاب العالمي قد ساهم في تدعيم مواقع سلطة الملالي وإضعاف خصومهم الديموقراطيين والعلمانيين وتقوية صفوف المحافظين المتشددين، أي حدث تأثير معاكس لما كان يأمل به المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية، إلى جانب نجاح الإسلاميين الشيعة في إيران في ابتكار نظام مؤسسي قادر على تفريخ الكوادر اللازمة لإدامته حتى بعد وفاة أو اختفاء الرواد الأوائل المؤسسين له. وبالرغم من ذلك نشأت في إيران في السنوات الأخيرة نواة لمجتمع مدني متطور وواعي ينشد التغيير السلمي رغم وحشية آلة القمع الإسلاموية التي تستخدمها سلطة الحكومة الإسلامية.


بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة سيحدد الغرب الاستراتيجية الأنجع الواجب إتباعها حبال لإيران. فإذا فاز التيار المتشدد وأعاد اختيار محمود أحمدي نجاد أو أي وجه آخر من معسكره وله نفس المنهج والتوجه، حينها ستكون المواجهة حتمية بين المعسكر الغربي الذي يتوجس ويخشى من إيران نووية وبين الجمهورية الإسلامية التي تحلم بالتزود بالسلاح النووي وفرضه كأمر واقع. أما إذا فاز مرشح التيار الإصلاحي المعتدل فربما ستنجح الضغوط العالمية في إنصياع إيران وإذعانها للمناشدات الدولية وتقبلها لفكرة تعليق تخصيب اليورانيوم والموافقة على مبدأ الرقابة التفتيش الدولي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على منشآتها النووية مما سيفتح الطريق أمام مفاوضات وحوارات ودية قد تقود نحو عودة إيران لأحضان المجتمع الدولي وتطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية معها والتعاون في كافة المجالات وعلى جميع المستويات ماعدا النووية العسكرية بالطبع وعند ذلك فقط سيفلت العراق من دائرة الخطر الإيراني المباشر وإلا فالكارثة تلوح في الأفق لاسمح الله.

د. جواد بشارة
[email protected]