كان يوم 23 نوفمبر الماضي يوما حزينا و داميا في عين شمس، التي شهدت مصادمات بين المسلمين و الأقباط. و تمت تغطية الحدث بصفة متفاوتة من طرف الصحافة المصرية. صحيفة الوفد، على سبيل المثال، نشرت في عددها الصادر يوم 24 نوفمبر الخبر تحت عنوانquot;أحداث عنف طائفية بالمطريةquot;، مؤكدة quot;أن المسيحيين حينما قاموا بالصلاة في المبنى وتعالت أصواتهم استفزوا المسلمين، و نشبت نتيجة ذلك مشاجرة بين الطرفين بالأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة!quot;. و الحقيقة إن الصحيفة لو عكست لأصابت. فبناء الكنيسة بدأ منذ عام ونصف، حسبما ورد في تقرير المركز المصري لحقوق الإنسان، حينما تم شراء أحد المصانع وبناء كنيسة عليه. كما أن الاستفزاز جاء في الحقيقة من طرف المسلمين عندما قاموا quot;بتحويل جراج مواجه للكنيسة إلى مسجد تحت اسم مسجد النور... و تم افتتاحه في أول يوم تمت فيه الصلاة داخل الكنيسة، و تم تشغيل الميكروفونات بشكل عال والتشويش على المصلين داخل الكنيسة بشكل استفزازيquot; حسب رواية احد شهود العيان التي وردت في نفس تقرير المركز المصري لحقوق الإنسان.

أما عن إحداث العنف، فقد ورد في التقرير: quot; منذ صباح الأحد 23 نوفمبر والمنطقة محاصرة بشكل غريب،هناك أفراد أمن كانوا متواجدين في الشوارع المحيطة بالكنيسة والمسجد، وهو ما كان يؤكد نية وجود شيء غريب،ومع ذلك لم تنتشر قوات الأمن بالشكل المطلوب، والدليل انه حينما تزايد عدد المتظاهرين لم تستطيع قوات الشرطة مواجهته بشكل حازم، حتى اعتدى المتظاهرون على الأمن،ومع ذلك تركهم الأمن يفعلون ما يشاءون...quot; و تؤكد صور الفيديو التي تم نشرها على الانترنت وجود أعداد ضخمة من المهاجمين تم حشدهم لتنفيذ هذه quot;الغزوةquot;، و هو ما يفوق بكثير العدد المفترض لمصلي مسجد النور.

شهادات الحاضرين تؤكد ايضا وجود عملية تم الإعداد لها سلفا، إذ تم توجيه الدعوة عبر الميكروفونات من إمام المسجد المذكور، دعا فيها أهالي المنطقة للتجمهر، و قام على إثرها آلاف المتعصبين بحصار الكنيسة و من فيها و قذفها بالحجارة و الزجاجات الحارقة. و من مؤشرات التشنج الواضح هتافات quot;خيبر خيبر يا يهود... جيش محمد سوف يعود،quot; و هو شعار خارج عن الموضوع تماما، إذ لا وجود ليهود في الكنيسة بالأساس.

و أما عن الحجة التي استعملت لمنع المصلين من البقاء داخل الكنيسة بعد الأحداث الهمجية، بدعوى أن بناءها تم دون الترخيص القانوني، فهذا بطبيعة الحال عذر أقبح من ذنب، لان هذا القول مقبول فقط عندما تكون هناك قوانين واضحة تمنح الحرية للمؤمنين ببناء دور العبادة و هذا غير متوفر في مصر للأقليات الدينية و في مقدمتهم الأقباط. ثم لماذا لم يتم الانتباه لهذا quot;الخرق القانونيquot; إلا يوم 23 نوفمبر الماضي، بينما بناء الكنيسة اكتمل منذ عام و نصف!


بالرغم من السيطرة المبدئية على الموقف، على ما يبدو، تؤشر quot;غزوةquot; كنيسة عين شمس الأخيرة إلى الوضع الهش للأقلية المسيحية في مصر و مدى سطوة التيار الإسلامي الذي يستعمل المساجد و كافة الوسائل المتاحة لإثارة النعرات و قمع حقوق المعتقد لدى الأقليات الأخرى. فشل الدولة المصرية في حماية هذه الأقليات في الماضي هو الذي أوصل البلاد إلى الوضع الراهن، و هذا ما يؤكد على أهمية اتخاذ الإجراءات الحازمة لمعالجة جذور الأزمة الحالية.

أبو خولة

[email protected]