أثبتت الشعوب العربية من خلال تعاطيها مع بعض الإحداث إنها شعوب مسكينة مقهورة ومحرومة وضائعة تفتقد بوصلة الوعي والأولويات. مشغولة عن المطالبة بحقوقها الكبرى والعظمى بقضايا جانبية كالتفاعل والصراخ والتظاهر مع قضية رمزية فيها إهانة وتحقير لأعدائها لتحتفل بها كانتصار عظيم مجيد(..)، تشغلها عن الأولويات والتفكير السليم كي تنتصر لذاتها المسلوبة!!

لقد احتفل بعض العرب بالحذاء المتهالك الكبير الحجم، حيث عرض مواطن عربي مبلغا وقدره 10 مليون دولار، للاحتفاظ بالحذاء كوسام للشرف والحرية العربية!!.وهناك من تبرع بتسليم الراشق منتظر الزيدي وسام الشجاعة على رفع الحذاء المقدس اتجاه الرئيس بوش.

وتحول الحذاء إلى عنوان للكرامة والحرية، وأصبح بعض العرب يمجد الحذاء، والبعض يحتفل بزهو الانتصار، وتمنى البعض لو يحظى بقبلة للحذاء المقدس!!.

حادثة رمي الحذاء في وجه الرئيس الأمريكي بوش في حضور رئيس الوزراء العراقي المالكي،ـ حُولت إلى رمز للانتصار وكأن العرب بحاجة لأي انتصار ولو بالحذاءـ وهو عمل غير متوقع من الشعوب العربية (وما الأصداء القوية له المختلفة إلا دليل على غرابته) مهما كان حجم العداء والكراهية والاختلاف لشخص الرئيس بوش ولسياسة الإدارة الأمريكية التي تعمل ضد الحق العربي ومصالح الشعوب العربية؛ والشخص الطبيعي الذي يفكر بواقعية ويفكر في عاقبة الأمور لا يقوم بما قام به الزيدي، لأنه يؤدي إلى عواقب وخيمة وربما إلى نهاية الحياة.

ولو حدث هذا العمل مع زعيم أي دولة من الدول التي تطبل وتضخم هذا الحدث، وتتبجح بالعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان، ويقدس شعوبها ذلك الحذاء، لجعلت من الرامي للحذاء شيئا من الماضي قبل أن يرفع يده، وكان مصير أهله وأقاربه وأصدقائه والجهة التي يعمل فيها إلى غياهيب السجون.

ولابد أن نعترف أن تمتع العراق بالديمقراطية مهما كان حجمها (الديمقراطية التي يحاربها أنظمة المنطقة) هو السبب الرئيس الذي سمح لرامي الحذاء أن يقوم بعمله، ويطالب بمعاملة ومحاكمة حسب النظام الديمقراطي. وعلى الإعلامي العراقي الزيدي أن يحمد الله انه في عهد النظام العراقي الجديد، ولو كان في عهد صدام أو أي نظام اخر في المنطقة لتغير الوضع والتحليل وتغيرت لغة الإعلام، وأصبح الفاعل عدوا لله وللرئيس والوطن، وشخصا حقيرا تافه يستحق أقسى العقوبة، وبعد الإعدام يصدر بحقه صكا بأنه مجنون!!.

لقد اثبت الشعب العربي والإعلام العربي من خلال هذه الحادثة أنهم من أمة غريبة تغلب العواطف والصراخ على العقل، أمة تضخم وتقدس الحوادث الغريبة وان كانت غير سليمة، شعب يبحث عن الانتصار والبروز(..)، شعب يتفاعل مع القضايا الجانبية التي تضيع جهوده، رغم أن حقوقه مسلوبة، وأراضيه محتلة، ويعيش في دولاب الفقر والجوع والحرمان تحت أنظمة لا تعترف بكرامة الإنسان العربي.

العرب مساكين لا يستطيعون التعبير عن أرائهم والمطالبة بحقوقهم، يفتقدون للحرية والكرامة، لأنهم يعيشون في أجواء دكتاتورية تحت أنظمة لا تسمح لشعوبها بالتجرؤ على المطالبة بحقوقها ورفع أصواتها أمام مسؤول أو وزير وليس رمي الرئيس.. لأنه سيكون في عالم اخر!

من العجيب لشعوب اعتادوا عند ذكر الحذاء القول:quot;كرم الله السامعينquot; أن يجدوا في الحذاء الحقير شعارا للكرامة ورد الاعتبار، ومناسبة لدفع ملايين الدولارات لشراء حذاء؛ بينما مئات ملايين العرب يموتون من الجوع والفقر بحاجة للفلس، وللعدالة والحرية والكرامة!!

أليس من باب الأولوية للعرب الانشغال بالقضايا الكبرى منها: تحسين الوضع الحقوقي، والعلمي، والاقتصادي المتأزم، والاهتمام بما يحدث في غزة من حصار، ودعم حقوق وكرامة المواطن العربي التي ضاعت بين (..)!

علي ال غراش