حدثني ذات مرة احد الرعاة عن الذئب حينما يستفرد قطيعا من الشياه، والراعي غافل أو نائم، وكيف ينقاد له القطيع دونما إرادته إلا إرادة الاستكانة والخوف، فالذئب مهما بلغ لا يحتمل كل القطيع في افتراسه؟


واستطرد الراعي قائلا:
رأيته يجرجر إحدى النعاج بعد أن قتلها، بينما تتبعه العشرات وهن صاغرات، حتى داهمته فهرب وبقت النعاج تتبعه وهو هارب منكفئ؟
لست هنا بصدد الخوض في سيكولوجية الحيوان ونظرية الأقوى والابقى في عالم الحيوانات بقدر الفات النظر الى موضوعة الانجرار الى الخلف والتقهقر وسيكولوجية الخوف والاستكانة التي تراكمت في تركيباتنا الباطنية حتى تكلست وغدت سلوكا غريبا ورهيبا أيضا.


دعونا نتذكر بألم وأحيانا باستغراب أو استهجان ربما، ظاهرة التعاطف مع المجرم حينما يتم تنفيذ حكم الإعدام به مثلا، ولعل إعدام الرئيس السابق والكيفية التي تم إخراج عملية الإعدام وفبركتها بالشكل الذي يتماشى أو يتناغم مع تلك الأوتار التي تعزف التعاطف مع الجلاد الذي يحين موعد تنفيذ استحقاقات بعض العدالة النسبية معه أو مع بعض من رفاقه.


وحتى مع كثير من المجرمين العاديين الذين كانت الدولة ( تتمتع أو تعتقد بأنها تربي الآخرين ) بتنفيذ حكم الإعدام بهم أمام الناس وفي الساحات العامة، وكيف كانت الأكثرية تتعاطف مع الضحية هنا، بصرف النظر عن شرعية الحكم من عدمه. ولعلنا نتذكر جيدا تلك العقلية الساذجة التي تحملت أسطورة رؤية الزعيم الأوحد على وجه القمر بعد إعدامه على أيدي البعثيين في شباط 1963م، وكاد التاريخ أن يعيد نفسه في نفس هذه العقلية برؤية القائد الضرورة على وجه القمر في عمان وطرابلس الغرب وضواحي دمشق والرقة، وبزيه العسكري المعروف، مع الفارق الكبير بين الزعيم عبدالكريم قاسم ورئيس النظام السابق صدام حسين؟


عشرات السنين بعد عملية إعدام الزعيم وما زالت الجموع ترسم صور قادتها على وجه القمر!؟ وربما مئات السنين وهي تتلذذ بإيذاء ذواتها حزنا أو انتقاما أو هروبا إلى العبودية والانكفاء بين صفحات الظلام والخشية من الضياء والحرية؟


عشرات أو ربما مئات الظواهر التي تعكس هذه التركيبات النفسية المتراكمة منذ عقود طويلة من الدكتاتورية المستبدة وإلغاء الآخر حتى تقزيمه وسلبه إرادته وتشويه إنسانيته، وبالتأكيد الآخر هنا في بلادنا هو كل الشعب منقوص منه جموع الانتهازيين والمنافقين وتجار السياسة في كل الحقب والأنظمة، حتى يضن المرء إن دكتاتورية الظلام أفضل من أنوار الحرية التي ربما تعمي الأبصار فتحيل الأحذية إلى سلالم للمجد والانعتاق!؟

كفاح محمود كريم