تعرضت العلمانية إلى ضربة قاضية عندما تم استبعادها عند صياغة الدستور العراقي حيث جعل الدستور العراق بلدا يحمل صفة دينية أكثر من أي دولة دينية أخرى سواء بالنص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي أو برفض أي قانون يتناقض مع ثوابت أحكام الإسلام أو بالنص على احترام الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي مع نص خجول للطوائف الأخرى وغير ذلك من النصوص التي تعطي للصفة الدينية ارجحية في ميدان الواقع العراقي وبالطبع لانريد أن نقول أن الإدارة الأميركية الحالية قد ساهمت بشكل رئيسي في صنع هذا الحال و لانحمل القوى السياسية العراقية الحالية مسؤوليته الكاملة إنما هناك ظروف ومعطيات تاريخية سمحت بذلك وفرضته فرضا إلى جانب الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة عند تعاطيها مع الملف العراقي وهي طريقة اقرب إلى الإشراف البعيد منها إلى التوجيه المباشر الأمر الذي ساهم في رفع درجة الحماوة الطائفية وانسياق الطوائف إلى الاحتراب لعدم وجود ما يمنع ذلك حيث احتاج المجتمع العراقي إلى وقت طويل وخسائر باهظة لعبور هذه الحالة بالرغم من وجود أطروحات تبرر المرور بهذه العملية انطلاقا من نظرية الفوضى الخلاقة وأنا هنا لا أريد أن أقيم الخطوات ولا أن أناقش النظرية التي قد تكون صالحة لاسيما في وضع كوضعنا بل أشير فقط إلى واقع تلك المرحلة وظروفها وما نتج عنها من مشاريع للتقسيم والتصارع وانتم تعلمون أن التقسيم لن يحل المشكلة العراقية لأنه قد يؤدي إلى إنتاج مشكلة جديدة بعد أن تبدأ الأطراف العراقية بمواجهة بعضها البعض حول تقاسم الإرث العراقي هذا بالإضافة إلى رفض الدول المجاورة لذلك واحتمال استخدام ذلك كسبيل للإضرار بالنفوذ الأميركي في المنطقة.


وبطبيعة الحال تعد الحالة الدينية انتهاكا ليس للحالة المدنية والديمقراطية المنشودة وإنما هي تضر بمصالح وكرامة الأطراف الأخرى المتشاركة في هذا الوطن التي لا تستسيغ الحالة الراهنة إلا على سبيل المجاملة هذا بالإضافة إلى أن الحالة الراهنة تمثل توزيعا للسلطات بين طرفين إسلاميين مختلفين الشيعة والسنة وليس بمقدور هؤلاء الاتفاق على نظرة إسلامية واحدة على طول الخط بل هذا محال حتى في داخل المذهب نفسه حيث تتعدد الاجتهادات وتتباين بشكل ملحوظ الأمر الذي ينعكس على أداء المؤسسات العراقية وعلى تماسك المجتمع وليس هذا وحسب بل أن الحالة الدينية تمثل نقيضا للحالة الطبيعية لحركة التاريخ الذي يسير لفصل الدين عن الدولة بحيث يتيسر للدين التحرر من هيمنة الدولة وتتحرر الدولة من سطوة الدين فيما نجد أن الدولة التي تضع الدين على رأس أولوياتها دولة مشلولة وعاجزة عن التلاؤم مع متطلبات الواقع الدولي الذي تتحكم فيه عوامل البرغماتية والمصلحة لان الدين يفترض التطبيق الحدي لأفكاره وأوامره والدولة لايمكنها أن تلبي ذلك في واقع تتحكم فيه معايير غير معايير الدين أما المواطنة والوطنية فسيكونان الخاسرين الأكبرين في هذه المسالة لأنهما سوف يتشوها كليا بعد أن ينقسم المجتمع إلى مسميات وولاءات مختلفة لايربطها مع بعضها أي رابط فينفرط عقد المجتمع وتتشتت أطرافه لان الهدوء الذي نلمسه الآن ماهو إلا هدوء كاذب سببه الوجود الأميركي وليس بمستبعد عودة البلاد إلى حالة الاقتتال والتناحر فور انسحاب القوات الأجنبية منها أو قد تكشر بعض القوى عن أنيابها فتنزع عنها قناع الديمقراطية الذي كانت تختفي خلفه.


لذا إذا كان في أجندة السيد اوباما إصلاح الحالة العراقية أو رغب في إنضاج سبل الخروج الأميركي بشكل سلس ومأمون فلابد له من تعديل هذه السياسة الخاطئة وتقديم الدعم للقوى العلمانية لكي تتمكن من تقويم العملية السياسية والاتجاه بها نحو ضفة العلمانية الأمينة. أن شمول العلمانيين العراقيين بالرعاية الأميركية هو اقل مايمكن فعله لتصحيح الأخطاء لان هؤلاء لايمكنهم بإمكانياتهم المحدودة مقارعة الإخطبوط الديني أو زعزعة هيمنته على شعب جله من البسطاء والأميين والمرتعبين من ماكنة الرعب الجهادية وهؤلاء يتمنون اليوم قبل الغد حصول ذلك أنهم تواقون لرؤية راية العلمانية وهي ترفرف في سماء الوطن لأنهم ملوا من الشعارات والأكاذيب.

باسم محمد حبيب