ان المؤتمر الوطني الكردستاني( Kongra Netewicirc; ya Kurdistanecirc; ) مؤسسة وطنية ديمقراطية حيادية في نشاطاتها، وغير متحزبة، وهناك مساحة كبيرة للتعبير عن الافكار المتعددة الاطراف، واحترام حرية الرأي. لقد تأسست هذه المؤسسة لتلبي طموحات ورغبات الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان، ولتحمل همومه في نطاق القضايا الاساسية وحل المسألة الكردية عن طريق الحوار في اطار الديمقراطية لاجل تحقيق حقوق الكرد القومية المشروعة، اضافة الى ذلك ستكون مهمة المؤتمر التشاور وإبداء المقترحات ومتابعة الحوادث والامور كآلية لوضع استراتيجية شاملة تتناسب مع المسألة الكردية على الصعيد الكردستاني العام.

لقد اشترك في المؤتمر الكبير والذي إنعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل مابين 13ـ 14ـ كانون الأول الجاري العديد من الاحزاب الكردستانية التي تمثل وجهات نظر مختلفة، بالاضافة الى العشرات من شخصيات الوطنية والسياسية والدينية، وفئات اخرى من المثقفين وممثلي منظمات المجتمع المدني.

ان المشتركين جاءوا من جميع اجزاء كردستان ومن غالبية الدول الاوروبية ليعربوا عن تضامنهم مع شعبهم الذي يعاني من ارهاب وعنصرية الدول المحتلة، ومع القرى الآمنة في اقليم كردستان العراق التي يقصفها كل من نظام الملالي في ايران بالمدفعية، والدولة التركية بصواريخها الحارقة، وهذا القصف الذي أدى الى الحاق اضرار كبيرة بالقرويين، وأصبحت المنطقة خالية من السكان، حيث فرت آلاف العائلات الى المناطق الداخلية هرباً من القصف التركي ـ الإيراني اليومي.

ان حكومة الاقليم وقيادة الحزبين الكبيرين( الديمقراطي الكردستاني، والإتحاد الوطني الكردستاني) هما في حالة صمت مطلق تجاه هذه الحوادث المؤلمة، وكذلك الولايات المتحدة المسؤولة عن حماية الاراضي العراقية، ويثير هذا الموقف المتفرج واللامبالي القلق ويدل على مدى اشتراكهم في المؤامرة التركية العراقية بزعامة كل من اسرائيل وامريكا ضد الحركة الكردية الوطنية التحررية المتمثلة بحزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا، وهذه المؤامرة تشبه الى حد كبير تلك المؤامرة الدولية التي ادات الى اختطاف زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان وتسليمه للدولة التركية. وقد شدد المتحدث بإسم وزارة الخارجية التركية بأن اجراءات بلاده السياسية والعسكرية ستتم من خلال التعاون مع الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان. الغاية الرئيسية من وراء القصف التركي تكمن في نقطتين مهمتين 1 ـ عزل المنطقة واخلائها من االسكان عن طريق االقصف المستمر لاجل السيطرة على االحصار التمويني على الحزب وقوات حماية الشعب 2 ـ جعل المنطقة ساحة حرب بين القوى الكردية بدعم من الجيش التركي، كما حصل عام 1996 بين الحزبين الكبيرين حيث استنجد السيد جلال الطالباني بالجيش التركي، واستنجد السيد مسعود البارزاني بجيش المجرم صدام حسين والخاسرالوحيد كان الشعب الكردي والذي خسر المئات من القتلى والجرحى هذا الى جانب الاعتقالات المتبادلة والتهجير بين الطرفين.

ان الوضع الحالي المؤلم للقيادات الكردية يشبه الوضع الفلسطيني والعلاقات بين حركة quot;حماسquot; المرتبطة بإيران ومنظمة quot;فتحquot; التي تدور في فلك أمريكا وأكاذيب اسرائيل، والضحية واحدة وهي الشعب الفلسطيني. لا فرق بين الدولة العسكرية الاسرائيلية والدولة العسكرية التركية، وهما متشابهتان في تصرفاتهما العدائية ضد شعوب المنطقة وبالاخص الشعبين الفلسطيني والكردي. ان اسرائيل تقصف جوا وبرا قطاع غزة حيث مئات القتلى والجرحى من المدنيين وتفرض الحصارالكامل عليه دون ان تتحرك لهول جرائمها المجتمع الدولي وضمير هيئة الامم المتحدة، اما تركيا تقصف جوا وبرا اقليم كردستان العراق وتهدم القرى وتهجر السكان قسرا بموافقة امريكية وعراقية.

ومن طرف آخر جاء هذا المؤتمر ليؤكد على ضرورة الوحدة الوطنية على المستوى الكردستاني كي تمثل ارادة الشعب الكردي، للتخلص من التوجهات الاقليمية الضيقة لبعض الاحزاب الكردية وقياداتها، وتوحيد صفوف الحركة الكردية بشكل أكثر فعالية وعمقا وديناميكية في التعامل مع المعطيات والمستجدات على الصعيد الكردستاني والاقليمي والدولي. ان الدول المحتلة لا تريد وحدة الكرد على اعتبار انهم يشكلون قوة هائلة تستطيع الصمود والوقوف امام اعتداءاتهم، ان هذه الدول تريد ان تستفرد كل اقليم لوحده، حتى تتمكن من القضاء على المسألة الكردية برمتها.

ان التضامن الكردي الواسع والشامل، ووحدة مواقف الحركة الوطنية الكردستانية هي ضرورة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها أو المساس بمعطياتها، ويجب ان تكون هدفا للاحزاب الكردستانية وقياداتها لايصالها الى شاطئ الامان، وان تتجاوزاالنظرة الاقليمية الضيقة والحزبية والعشائرية، لذا علينا جميعا ان نواصل العمل بهذا الاتجاه الذي يوفر الارضية لتوحيد النضال، والعمل على بلورة مواقف وطنية مشتركة تجاه القضايا الاساسية التي تخدم مصلحة الشعب الكردي وقضيته العادلة.

اذا أردنا معالجة حالة التشرذم والانشقاقات الحزبية والتحزب والاقليمية، وما يترتب على ذلك من أخطار جثيمة على مسيرة الحركة التحررية لشعبنا الذي يعاني الأمرين من ارهاب الدول المحتلة، لا بد من للأحزاب الكردية من مراجعة سياساتها الخاطئة ومحاسبة انفسها كرامة وحرمة للمجتمع الكردي، وان يجعلوا من البيت الكردي الواسع الذي يحتضن 40 مليونا من المظلومين ملجأ لهم، هذا البيت الذي يوفر لهم الارضية المتينة والمعطيات الكافية لتوحيد النضال الكردي والعمل على بلورة مواقف وطنية مشتركة تجاه القضايا الاساسية التي تهم الشعب الكردي وقضيته العادلة. يمكن من خلال هذا البيت الكريم بناء مؤتمر وطني كردستاني أوسع وأقوى تحت اسم (الجبهة الوطنية الكردستانية) تضم كافة الاحزاب والقيادات الكردية ثم تشكيل ما يسمى بحكومة كردستان الفيدرالية في المهجر.

ان العمل المشترك من خلال هذه الخطوة وتوحيد النضال الكردي لا يلغي حق التنظيمات السياسية والمدنية من اتخاذ مواقفها واساليبها النضالية الخاصة بها بحيث ان لا تخالف المصلحة الوطنية العليا، ولا تخرج عن نطاق الاستراتيجية العامة للحركة الكردية، وايضا لا يلغي حق الانتقاد والانتقاد الذاتي لهذاالموقف او ذاك شريطة ان يكون الهدف من وراء ذلك خدمة الصالح العام وباسلوب ديمقراطي وحضاري.

ان هذه الحكومة تتبنى في الحراك السياسي كامل المسؤوليات الوطنية على الصعيد الدولي والاقليمي والكردستاني، وتضع الخطط العملية اللازمة لتفعيلها من خلال برنامج وطني شفاف، وحشد الجهود المشتركة لتعزيز الخطاب الكردي الموحد والتوافق الوطني ولبناء مجتمع كردي متضامن ومتكامل، وتبقى هذه الحكومة تحت مراقبة المؤتمر الوطني الكردستاني، ومسؤولة أمامه.

ان المؤتمر الكردي الذي اقترحته القيادة الكردية في اقليم كردستان العراق جاء متزامنا مع قرار الدولة التركية العنصرية بفتح قناة تلفزيونية باللغة الكردية في الوقت الذي لا تعترف بالهوية القومية الكردية، ان هذه الخطوة ما هي الا مؤامرة جديدة لخلق تكتلات سياسية بين الاحزاب الكردية وبالاخص في كردستان تركيا، الغاية من وراء ذلك هي محاولة عزل حزب العمال الكردستاني عن قاعدته الشعبية، وممارسة الضغط عليه بنزع السلاح الذي فرضته الدولة التركية على الحزب، ولكن لا يتحقق ذلك، وسوف تتصدى لها القوى الكردية الخيرّة وتصطدم بالاستراتيجية الكردستانية للحزب.

ان اي مؤتمر يٌعقد بمعزل عن مشاركة حزب العمال الكردستاني سيكون غير متكامل ومصيره الفشل، لأن هذا الحزب يتمتع بقاعدة شعبية واسعة على المستوى الكردستاني وله جماهير غفيرة في كردستان تركيا. أتمنى ان لا يكون هذا المؤتمر بديلا عن المؤتمر الكردستاني الذي اقترحه هنا، وأن لا يتم بمعزل عن مشاركة حزب العمال لاجل الحفاظ على الوحدة الوطنية الكردية.

د. أحمد رسول
محلل سياسي كردي ـ ألمانيا