ثمة حاجة لإجراء تقييم جديد لعلاقات كل من تركيا بالولايات المتحدة الأميركية، وعلاقات تركيا بإيران، وعلاقات الولايات المتحدة بإيران. ولننطلق من التقييم هذا من قضية موقف هذه الأطراف حيال الشعب الكردي في منطقة الشرق الأوسط.

من المعلوم ان الولايات المتحدة الأميركية تعادي النظام الإيراني، وبعد التدخل الأميركي في العراق قال الكثيرون ان الدور جاء على ايران. الكثير من الباحثين الإستراتيجيين قالوا بان واشنطن ستتدخل في إيران ايضا. هناك الآن حاجة للبحث في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية في ظل الواقع الجديد في المنطقة. كذلك ثمة حاجة لمتابعة العلاقات الأميركية ـ التركية. حصلت هناك أزمة في العلاقات بين الجانبين حين التدخل الأميركي في العراق. المسؤولون في واشنطن يتحدثون عن هذه الأزمة بين الحين والآخر. الآن ثمة أمور أخرى استجدت. الأميركيون يطالبون تركيا بالتحرك بشكل أكثر مرونة ولعب دور نشط ومحوري فيما يخص اي تدخل اميركي محتمل في إيران. واشنطن تطالب كذلك بدور تركي فعال في الحرب ضد حركة طالبان في أفغانستان. المعلومات تقول بان تركيا غير متحمسة للمطاليب الأميركية هذه، ومع ذلك فإن اميركا ماتزال تدعم تركيا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. ويظهر هذا الدعم الأميركي كنقطة التقاء للعمل معاً ضد الشعب الكردي وتطلعاته.

وحين النظر إلى العلاقات التركية ـ الإيرانية نلاحظ بان تركيا تٌظهر نفسها كجهة ممانعة حيال المشروع الأميركي في المنطقة. تركيا تحاول إظهار نفسها وكأنها في جبهة quot;العداء لأميركاquot;، وبهذا الشكل تتبلور صورة تركيا الرافضة لمواقف ومشاريع أميركا حيث تنجح في فرض مواقفها على واشنطن. لكن تركيا تنجح في الوقت نفسه في إبقاء هذه quot;الممانعةquot; في المجال اللفظي فقط. تركيا تستغل هذا الموقف في حربها القذرة المعلنة ضد الشعب الكردي، والولايات المتحدة تمضي في مساعدتها ومدها بكل ما تحتاجه في هذا المقام. واشنطن تعتقد بانها ستنجح في دفع تركيا في الطريق الذي إختارته لها، وهي تعيش على هذا الأمل.

العلاقات التركية ـ الإيرانية قائمة بدورها على عاملين. فمن جهة تريد تركيا المحافظة على الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط مع الحفاظ على سياساتها الحالية وضمان عدم إدخال أي تغيير فيها، بينما تريد الولايات المتحدة جر تركيا الى المحور الذي تحاول بناءه ضد النظام الإيراني. هذا ينعكس على محتوى العلاقات بين طهران وأنقرة، فالجانبان لايثقان ببعضهما البعض. هناك تخوف من تحول هذه العلاقات الى حالة عداء ونفور متبادلين. تركيا تعي حاجة طهران لها لذلك فهي تحاول فرض مطاليبها عليها وبشكل خاص فيما يخص الموقف من القضية الكردية. تركيا وايران تلتقيان في عدائهما المشترك للكرد. هذا مثال للعلاقات المتناقضة في الشرق الأوسط. وعلى هذا الأساس نرى تقاطعاً ونقاط التقاء بين الأميركان والإيرانيين، وذلك على اساس العداء للشعب الكردي.

لاتخفى حالة العداء المعلنة بين اميركا والنظام الإيراني. والولايات المتحدة تعتكف حالياً على تشكيل معسكر اقليمي ضد ايران. واشنطن تريد ان تكون انقرة في مقدمة هذا المعسكر، والنظام الإيراني بدوره يعلم انه مستهدف من قبل أميركا وهو يناور في نطاق الممكن اقليمياً ودولياً. النظام الإيراني يعقد العلاقات والصفقات مع تركيا. يمد شباكه صوب الولايات المتحدة في الملف العراقي بشكل خاص، وثمة إجتماعات عديدة عقدت في بغداد ضمّت الإيرانيين مع الأميركيين جنباً بجنب. ورغم ان المناورة مع تركيا وأميركا ليست بالسهلة وقد لاتكون لمصلحة النظام نفسه في المدى البعيد، لكن يبدو ان النظام الإيراني لايملك الآن اي خيار آخر.

هناك بإختصار علاقات متناقضة تمتد بين اطراف تختلف وتتنابذ بنيوياً كالنظام الإيراني وكل من أميركا وتركيا. ثمة الآن محاولات لجر العراق الى شبكة هذه العلاقات المعادية للكرد والقائمة على تفعيل هذا العداء. ظهرت محاولات لإستمالة الحكومة المركزية في بغداد وجرّها إلى الصف التركي ـ الإيراني وخلق إقتتال كردي ـ كردي. هناك محاولات لخلق محورquot; سنتوquot; جديد مهمته الحد من تطلعات الشعب الكردي في عموم منطقة الشرق الأوسط. التحركات والإتصالات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والعراق وتركيا تخلق لدينا القناعة بأن هناك اتفاقاً ومحوراً يٌراد له ان يتقوى ضد الكرد. هذه الدول ورغم حجم العداء والتناقضات فيما بينها إلا انها تتوحد اذما تعلق الأمر بقضبة الشعب الكردي. الهجمات الأخيرة التي تطال الكرد هي في الحقيقة نتيجة لتفاعل وتوطيد مثل هذه العلاقات.

طائرات الجيش التركي قصفت مواقعاً في جنوبي كردستان( كردستان العراق)، وهذه المواقع هي لقوات حزب الحياة الحرة الكردستاني. وقد أسفر القصف عن إستشهاد 6 من مقاتلي الحزب. وهذا الحزب يناضل من أجل حقوق الكرد وتحقيق الحرية والديمقراطية في إيران، والضربات التركية وجهت له وبشكل متفق عليه. الهجوم التركي وقع إستناداً على معلومات أميركية وإيرانية.

كانت هناك مقولات تتحدث عن تعاون اميركي مع حزب الحياة الحرة الكردستاني لتقويض النظام الإيراني في سياق حرب أميركية محتملة ضده. لكن الآن نشاهد كيف ان مواقع هذا الحزب تقصف وبواسطة معلومات وأسلحة أميركية. أثناء القصف التركي لتلك المواقع كان وفد تركي يفاوض المسؤولين العراقيين في بغداد. ثمة إذن جبهة عريضة تتشكل لمعاداة الشعب الكردي والإتفاق عليه. هناك حاجة ماسة للتحقيق في هذه العلاقات والبحث فيها. اذا كان النظام الإيراني ينكر إتصالاته مع الأميركيين من أجل ضرب وتطويق حركة التحرر الكردستانية فعليه أن يثبت ذلك. وعلى أميركا التي تنكر حدوث مثل هذا الإتفاق اثبات صحة كلامها. وعلى حكومة جنوب كردستان الإقليمية ان تثبت كلامها حينما تقول انها لن تنجر إلى اي اقتتال كردي ـ كردي بطلب من حكومة بغداد. على كل الأطراف التي تتعاون في السر على الكرد ان توضح مواقفها وتكشف عن نواياها الحقيقية تجاههم.


* قيادي ومن مؤسسي حزب العمال الكردستاني.

الترجمة من الكردية: طارق حمو