يستمر النظام التركي في شن حربه المعلنة ضد الشعب الكردي. هناك حرباً خاصة تٌشن وبإمكانيات كبيرة ضد الكرد. هذه الحرب تٌطور وتتوسع بشكل ملحوظ. الخطط والتكتيكات الممارسة ضد الكرد في إطار هذه الحرب وبهذا الشكل الراهن، تدل على إصرار كبير على السير في طريق سياسة الإنكار والإمحاء. نظام الحرب الخاصة في تركيا يجاهد في تفعيل وإستخدام كل السبل والتقنيات الحديثة المتاحة لضمان إنتصار خططه في إجتثاث الشعب الكردي وسحق حقوقه.

نظام الحرب الخاصة في تركيا يٌدار من جانب مجموعة كبيرة من قادة الدولة التركية ومسؤوليها، وهذه المجموعة تعمل بمعزل عن المعايير الأخلاقية. تقر بإستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد الكرد، وتحاول نسج علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية على أساس العداء الصريح وغير المحدود ضد الكرد ومطاليبهم. وبعض هذه العلاقات تٌخترق وتنحرف لتتحول إلى شكل مقايضات وصفقات قذرة ضد الكرد. ومن المهم القول هنا بان كل تحرك لمجموعة الحرب الخاصة هذه وفي اي اتجاه كان يهدف في حقيقته إلى إستنباط طرق جديدة لإنجاح سياسة الحرب الخاصة المركزة المعادية للكرد.

مجموعة الحرب الخاصة في الدولة التركية تكذب على نفسها عندما تدعّي النجاح والفوز وتصدق كذبتها هذه. بل وتحاول أن تمرر كذبتها على الشعب التركي أيضاً.

الإمكانيات كلها متوافرة من أجل تحقيق نظام الحرب الخاصة لإهدافه ضد الكرد. هذا النظام يعتمد على إمكانيات مالية كبيرة كانت متوفرة له في الماضي. لكن الحديث يدور الآن عن نضوب هذه الإمكانيات مع ظهور إنتقادات كثيرة للسياسة الإقتصادية التي تنتهجها الحكومة التركية. بعض الخبراء يتحدثون بصراحة عن برنامج الحكومة الإقتصادي الذي quot;من الصعوبة تطبيقه بالشكل الحاليquot;. والعمل بإصدار الليرة التركية الجديدة لم ينجح في إنعاش الإقتصاد في تركيا.

المشهد السياسي لايختلف كثيراً عن الحالة الإقتصادية. فهناك صراع خفي بين مكونات ومراكز القوى التي تتشكل منها مجموعة الحرب الخاصة في تركيا. تأزم الحالة السياسية يفرض عملية البحث عن كبش فداء للتضحية به ورص الصفوف عن طريق تصوير عدو قادم، والتهويل من دوره. الشعب بدوره مل من مثل هذه السياسات. الناس أصبحت تفكر بصوت عال عن الحل وجدوى كل هذه الدماء المراقة في الحرب التي تٌشن على الشعب الكردي. جبهة اليسار تتقوّى بدورها في البلاد.

في مواجهة نظام الحرب الخاصة الذي يعيش الآن أزمة بنيوية كبيرة، فإن حركة التحرر الكردستانية تتقوّى وتتصدر وتطرح مشاريع وإنطلاقات جديدة في الميدان السياسي. الكرد يعيشون ثورة كبيرة تناضل من أجل رفع هذا الواقع عليهم. والزخم الشعبي المؤيد لهذه الثورة يوضح مدى فشل سياسة الحرب النفسية الخاصة الموجهة ضد الكرد.

في الآونة الأخيرة، وكتعبير عن مدى الإفلاس الذي تعاني منه، روجت مراكز الحرب الخاصة في الدولة التركية أنباءاً كاذبة تتحدث عن إنتصارات وهمية وضربات متخيّلة تلقتها حركة تحرر الشعب الكردي. ولأن نظام الحرب الخاصة يصدق هذه الأكاذيب ويريد من الناس تصديقها، فإن حاله يشبه كثيراً حال الراعي الكذّاب الذي كان يهدد القرويين بقدوم الذئب ليتمتع برؤيتهم مستنفرين، إلى ان جاء الذئب ذات يوم ولم تنفع صرخات الراعي وإستغاثاته في إنتخاء القرويين ودفعهم للدفاع عن قطعانهم.

المسؤولون الأتراك والقادة العسكريون يروجون أخباراً كاذبة عن إنتصارات حققوها في ميادين القتال ضد الحركة التحررية الكردستانية. ليس هناك من يمل من تكرار الكذبة وإعادة إنتاجها بعد إكتشاف امره وتحقق الناس من إنها كانت مجرد كذبة في حقيقة الأمر لا أكثر ولاأقل. أصبح الأمر منهجاً عند هؤلاء لايملون من تكراراه ولايحيدون عن ذلك ابداً. هؤلاء ينظرون في اعين الناس ومن ثم يكذبون. وبعد أن تنكشف هذه الأكاذيب يعودون في اليوم الثاني ويلوكون أكاذيباً جديدة دون حياء او خجل. ولهذا فإننا نرى بأن الناس لم تعد تثق بتصريحات كل من الحكومة وهيئة أركان الجيش التركي فيما يخص المواجهات والمعارك مع حركة تحرر الشعب الكردي. وهذا بحد ذاته يمثل اكبر إندحار لسياسة الحرب النفسية الخاصة الموجهة ضد الكرد، والتي تٌرصد لها إمكانيات هائلة. أكاذيب مراكز الحرب الخاصة جعلت من مصداقية الجيش التركي في الخضيض.

في تركيا لم يكن احد يجرؤ على إنتقاد اي موقف للدولة والجيش مهما كان، لكن الآن نجد ان هناك من ينتقد ويناقش بصوت عال مواقف الجيش وتصريحاته، بل هناك من يتندر على هذه المواقف ويطلق النكات حولها. الناس لم يعودوا يثقون بمؤسسات الجيش والدولة ومايصدر منهما.

وعلى هذا الأساس كانت تصريحات قيادة الجيش التركي الأخيرة حول quot;المفاجأةquot; التي تستعد قيادة الجيش للكشف عنها. بعد مرور ساعات لم يظهر شيء وتبين ان هذه quot;المفاجأةquot; كانت كذبة محبوكة، في إطار الحرب النفسية الخاصة، لكي تغطي على حدث آخر.

لماذا جاءت تصريحات قيادة الجيش التركي هذه ياترى؟. نحن نعلم السبب، ولذلك نقول ان مجموعة الحرب الخاصة في الدولة التركية تكذب على نفسها وتصدق كذبتها، وماتقوم به ليس أكثر من ذلك.

حركة التحرر الكردستانية تقود نضالاً قوياً ومنظماً لإنتزاع الحقوق المشروعة. المكاسب التي حققتها هذه الحركة واضحة وبادية للعيان في كل مكان. الشعب الكردي لايخاف الآن ولايمكن لأحد أن يهدده أو يثنيه عن اهدافه بالتلويح بالإرهاب أو ممارسته. الكرد أقوياء ولهم موقفهم وكلمتهم المستقلة.

الشعب الكردي من شعوب منطقة الشرق الأوسط العريقة. مثلما هو عريق فإنه في الوقت نفسه يواكب العصر ويجاري التقدم والتطور. وعلى هذا الأساس فهو مٌلزم بالدفاع عن هويته القومية والإستفادة من كل جديد وحديث لحماية هذه الهوية. على كل الأطراف ان تعي هذه الحقيقة. من يفكر أن يٌخيف الكرد ويٌرهبهم بالصراخ والزعيق والتهديد لن يفلح وهو يوهم نفسه لاأكثر.

ينبغي، والحال هذه، التعامل مع سياسة وخطط مجموعة الحرب الخاصة في تركيا إزاء الكرد وقضيتهم، وعلى هذا الأساس يجب التعامل مع مفهوم الحرب النفسية المدبرة ضد قضية الشعب الكردي.

جميل باييك

* قيادي ومن مؤسسي حزب العمال الكردستاني

الترجمة من الكردية: طارق حمو