يعد السكر في اغلب بلدان العالم مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها أبداً. إلا ان في إيران له أهمية خاصة لكون توفره في الأسواق و ارتفاع أو تدني أسعاره يعد معياراً رئيسيا تقاس عليه قيمة سائر المواد الغذائية الأخرى. فإذا توفر السكر في الأسواق توفرت معه اغلب المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية وإذا فقد فقدت معه وإذا انخفض أو ارتفع سعره انخفضت وارتفعت معه أسعارها وهكذا.
و خلال الأشهر الأخيرة شهدت الأسواق الإيرانية lsquo; ومن دون مبرر lsquo; فقدان السكر و ارتفاع أسعاره ليتبعه فقدان وارتفاع أسعار اغلب السلع والمواد الأساسية الأخرى حد الذي تحولت فيه إلى أزمة حقيقية.


وقد ترافقت أزمة السكر مع قيام أكثر من خمسة الآلف عامل في معمل قصب السكر في منطقة quot; هفت تبةquot; (التلال السبعة) في مدينة السوس بإقليم الأحواز بالإضراب عن العمل وتنظيم مسيرات احتجاجية رفعوا فيها شعارات منها quot; المعيشة حقنا الثابت quot;، و عبارة quot; نحن جياع.. جياع quot; lsquo; وقد تعرض خلالها العمال المضربين إلى قمع شديد من قبل قوات ما يسمى بمكافحة الشغب مما أدى إلى إصابة واعتقال العديد منهم.


وجاء إضراب العمال احتجاجاً على عدم صرف الحكومة لمستحقاتهم منذ عامين حيث تدعي السلطات ان المعمل تعرض لخسائر بلغت 85 مليار تومان مما أدى إلى إيقاف ألفين من أصل خمسة الآلف عامل كما تقرر بيع مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المملوكة للمعمل لسد جزءا من ديوانه. و تزامن ذلك مع ارتفاع أسعار السكر والشاي وسائر المواد الغذائـية والسلع الاستهلاكية بشكل جنوني. ففي محافظة كرمنشاه ارتفع سعر الشاي lsquo; و في غضون 48 ساعة فقطlsquo; من الكيلو 7 آلاف تومان إلى 30 ألف تومان. أما في محافظة أذربيجان فقد قام التجار باحتكار الشاي والسكر و رفع أسعار الزر وسائر المواد الغذائية الأخرى بشكل لم يسبق له مثيل.


وفي إقليم الأحواز والمحافظات الإيرانية المجاورة فقد ارتفعت أسعار السلع التموينية الأساسية وسائر السلع الاستهلاكية في غضون شهر واحد فقط إلى ثلاثة أضاعف. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر علبة مسحوق الغسيل ( حجم دون الخمسة كيلوات) بنسبة 21 بالمائة.أما الرز فقد ارتفعت أسعاره بشكل كبير جداً على الرغم من إن إيران تعد من البلدان المصدرة للرز و لكن تجارة الرز lsquo; التي يهيمن عليها قادة حزب quot; جمعية المؤتلفة الإسلامية quot;lsquo; حولت إيران من بلد مصدر إلى مستورد للرز. فبحسب تصريح مدير دائرة الجمارك فان إيران تقوم باستيراد ما بين أربعة إلى ستة آلاف طن من الرز يوميا مما رفع سعر كيلو الرز الواحد في غضون الأشهر الثلاثة الأخيرة من 1200تومان إلى 2000تومان.


ويأتي هذه في الوقت الذي زادت فيه الحكومة من دعمها لمزارعي الرز مقابل رفع الدعم عن المستهلكين ويعود السبب في ذلك أن اغلب أصحاب مزارع الرز هم من الملالي وبعض الأعضاء المتنفذين في السلطة.


و جاء الارتفاع الجنوني في الأسعار بعد أن أعلنت الحكومة وقف دعمها و تحرير أسعار اغلب المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية و هو ما دفع بالتجار إلى الاحتكار ورفع الأسعار دون ان يتعرضوا إلى أي عقوبات رادعة.


ان ارتفاع الأسعار التي تشهدها الأسواق الإيرانية صاحبها إعلان الحكومة بيع أسهم خمسة من البنوك الحكومية الكبرى وهي lsquo; بنك صادرات lsquo; بنك ملت lsquo; بنك رفاه lsquo; البنك التجاريlsquo; وبنك بست (البريد) lsquo; إلى القطاع الخاص. وقد تم بالفعل لحد الآن بيع أسهم اثنين من هذه البنوك وهن بنك ملت والبنك التجاري وسوف يتم في الشهر القادم بيع أسهم البنوك الأخرى. وقالت الحكومة أن هذه الخطوة جاءت بناءا على قرار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية quot;علي خامنئيquot; الذي أصدره قبل نحو عامين والذي جاء عقب قراره تغيير المادة 44 من الدستور الإيراني. وقد جاء هذا القرار تماشيا مع اقتراح البنك الدولي القاضي بخصخصة البنوك المحلية.


علما أن الحكومة لم تكشف عن الجهة أو الجهات التي اشترت أسهم البنكين المذكورين ولا إلى من ستباع أسهم البنوك الأخرىlsquo; ولكن ما هو مؤكد أنها لم تباع إلى الناس العاديين الذين أنهكم غلاء الأسعار و التضخم الاقتصادي المتصاعد lsquo; وإنما من المحتم إنها بيعت إلى أبناء النظام وعلى رأسهم جنرالات الحرس الثوري الذين أصبحوا الملاك الحقيقيون لكل ما في البلد من مؤسسات اقتصادية وصناعية كبرى.
لقد أصبحت أزمة السكر في إيران عنواناً لازمات عديدة أخرى من أهمها البنزين و الكهرباء. فإيران التي تنتج يوميا أكثر من أربعة ملايين برميل من النفط هي اليوم واحدة من الدول التي تعيش أزمة بنزين حقيقية. فمنذ أكثر من عام والبنزين يصرف بالكابون وقد خصص لكل سيارة مئة ليتر في الشهر وهذا ما أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين في السوق السوداء بشكل خيالي.


أما أزمة الكهرباء فحدث ولا حرج حيث طال التقنين العاصمة طهران التي ظلت إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة بعيدة عن مشاكل الانقطاع المزمن الذي تشهده المناطق الأخرى من البلاد والذي تسبب في أزمات وحوادث خطيرة للسكان. وقد هدد وزير الطاقة الإيرانيquot; پرويز فتاح quot; الشهر الماضي السكان بزيادة ساعات قطع التيار الكهربائي عنهم إذا لم يقللوا من الاستهلاك. مدعيا أن ارتفاع حرارة الصيف في اغلب المحافظات وخاصة في إقليم الأحواز lsquo; المركز الرئيسي لإنتاج الطاقة الكهربائيةlsquo; أدى إلى حصول هذه الأزمة حسب تعبيره. مضيفا أن استهلاك الكهرباء هذا العام مرتفع جدا وان محطات الكهرباء التي تعمل بالماء وتبلغ طاقتها الإنتاجية المفترضة 6500 مغواط فأنها في الوقت الحاضر لا تنتج سوى 1000 إلى 1500مغواط فقط.


علماً أن هذه الأزمات تتكاثر في الوقت الذي تشهد إيران ارتفاع كبيرا في دخلها القومي نتيجة لارتفاع أسعار النفط التي بلغت 140دولارا للبرميل الواحد. هذا إضافة إلى ما تجنيه الحكومة من يادة الضرائب التي تفرضها على السلع و الوسائل المستوردة. إلا أن هذا الدخل المالي الهائل لم يساعد النظام على حل الأزمات التي تعاني منها البلاد أو تخفيف المعانات المعيشية التي يئن منها وطأتها المواطن. و قد بقيت إيران تحتل المرتبة 81عالميا من ناحية التنمية الاقتصادية و المرتبة 16 شرق أوسطيا. وذلك حسب الإحصائية الجديدة التي عرضتها مجلة quot; ذي إكونوميستquot; البريطانية المرموقة في عددها الأخير. وهذا ما يفسر حجم البطالة المرتفعة في البلاد عامة وفي إقليم الاحواز خاصة. فبحسب ما صرح به عضو البرلمان الإيراني الشيخ quot;عبدالمجيد ناصري zwnj;نژاد quot; فان مدينة الفلاحية في إقليم الاحواز سجلت أعلى نسبة في البطالة حيث بلغة 37 بالمائة.


هذا في الجانب الاقتصادي والحياة المعيشية العامة أما عن الأزمات السياسية والأمنية فهناك ما هو أكثر و اكبر من هذا.
فعلى الصعيد الأمني يمكن الأخذ بالأحداث الساخنة والمواجهات الدامية والإعدامات الجماعية التي يشهدها كل من بلوشستان في الشرق وكردستان في الغرب وإقليم الأحواز في الجنوب كنماذج للازمة الأمنية التي تعاني منها البلاد. وهذا لا يعني خلو باقي المناطق الإيرانية من أزمات أمنية وإنما المناطق المذكورة هي الأسخن حاليا. وإذا ما أراد المتتبع معرفة المزيد عن الأوضاع الأمنية فما عليه إلا أن يقرئ الإحصائية الأخيرة الذي قدمها مدير منظمة السجون في إيرانquot; علي اكبر يساقي quot; والذي أكد فيها أن إيران هي الأولى عالميا في أعداد السجناء. فهناك ما بين مائة و أربعين إلى مائة وخمسين ألف سجين في إيران. فمن بين كل 100ألف مواطن هناك 200 سجين وهذا الرقم تجاوز الأرقام العالمية التي سجلت وجود 184 سجين من بين كل 100 ألف شخص.


أما على الجانب السياسي فان البلاد تشهد أزمة صراع داخلي بين مختلف تيارات وأجنحة النظام وقد ساهم هذا الصراع بشكل كبير في تعميق أزمات البلاد الأخرى.هذا ناهيك عن الأزمة السياسية التي تعيشها إيران على الصعيد الخارجي نتيجة ملفها النووي وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعمها للإرهاب والفتن الطائفية.
ولكن مع ذلك كله يصر قادة النظام الإيراني ان بلادهم بخير إلا انه لا يوجد سكر.
و لك ان تتصور كيف يكون طعم الحياة بلا سكر؟.


صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي