1-
اعذر الذين يصابون بصداع نصفي، وقد يتطوّر إلى مستوى quot;الشقيقةquot; فالعرب كأنهم ببغاوات، أكثر الذي يدور في إعلامهم مجرد أيقونات مكررة خذوا معي هذه الكلمات: (بنات الرياض، طاش ما طاش، الإرهاب، مكافحة الإرهاب، الوسطية، تحصين الشباب، غلاء الأسعار، فلسطين، خارطة الطريق، صائب عريقات، أحمد قريع، إسماعيل هنية، خالد مشعل، قتيل في بغداد، انفجار في بعقوبة، خطاب جديد للظواهري، ميشيل حايك، حسن نصر الله، بن لادن، سقوط جسر، بناء جسر، غرق عبارة، حكومتنا الرشيدة، سيدي الرئيس، معالي الوزير، حكمة معالي الوزير، تصريح معالي الوزير، حذرت من قبل، ولي تصريح سابق، العولمة، محرّم، كافر، علماني، فاسق) كل تلك العبارات تملأ كل أماكن التعبير العربية التي تثير الشفقة والاشمئزاز. مصيبة الشخص العربي أنه حينما يكتب يظنّ أن كل العرب العاربة والعرب المستعربة-في نفس اللحظة- تقرأ له، بينما هو لا يكتب سوى ثرثرات بدون أسلوب، بطريقة كتابة تشبه تعليمات استخدام المكنسة الكهربائية، أو الحِكم اليومية التي توجد خلف تقويم quot;أم القرىquot;.

2-
العزلة نعيم لا يمكن للهمج الذين انساقوا وراء ترّهات الحياة أن ينعموا بها، هي ثقب الكون أن تفتح داخل جرم الكون كوّة تبصر من خلالها معايب العالم، وفضائح البشر، حينما تشاهدهم عرايا مع كل ألبستهم، تشاهدهم مساكين رغم كل نعيمهم، إنه quot;الوجود الحقيقيquot; مقابل quot;الوجود الزائفquot; (حسب تعبير مارتن هيدغر) حينما تقرأ كل مثالب العالم والناس عبر تلك الكوّة، ولكنك لا تقرأها منطلقاً من كمالك، وإنما من نقصك، أن تعرف حجم نقصك، ثم تدرك مناقص الآخرين، ولعل المحْمدة التي تجبّ نقائصك أنك ndash;على الأقل- عرفتَ نقائصك بينما الأكياس المتحرّكة التي تسمى ndash;مجازاً- بـquot;البشرquot; هي مجرد قاطرات تمرّ على أرض الحياة، وتزحف على قشرة الأرض ذهاباً وإياباً ثم تتخثر وتموت مثل الفطيسة التالفة، من دون أن تقدّم أي شيء، باستثناء بيع كل شيء من أجل حفنة مال، بيع كل الذمم والضمائر. لقد أصبح أرخص سوق في العالم quot;سوق الضمير العربيquot; أن تحفِر لغيرك، أو تحاول أن تفعل ذلك، أن تكتب التقارير والدسائس، إنها مهنة العربان الآن، حينما أصبحوا عالة على العالم. من ثقب العزلة تعرف حجم الانهيار الذي يحدث بهذه البقعة البائسة من العالم، تعرف حجم بؤس هذه الكائنات البشرية الزاحفة، المريضة بالخرافات والأوهام والأباطيل المدججة بالمعتقدات والهلوسات.

3-
الناس لا زالوا في غيبوبة تاريخية، يهلوسون، بزرقاء اليمامة والزير سالم والمهلهل وعنتر بن شداد والأخطل الصغير والفرزدق وجرير والمنصور وصقر قريش، أبو زيد الهلالي، وإلى جمال عبد الناصر وصدام حسين وعمر البشير وإلى شيوخ الفضائيات السذّج الذين يهرفون بما لا يعرفون، وأصبحوا بفضل بيع الكلمات في الفضاء يجنون الملايين جرّاء بيع الدين، وأصبح الدين بالنسبة لهم ولغيرهم من السذج والبسطاء والعامة -الذين يُخفون تاريخهم المتطرف وشهاداتهم الضعيفة- مجرد مشروع تجاري يلعبون به!
ثم لا ننسى الهوس بقضية فلسطين، والتي أصبحت أكبر منظّمة ضمان اجتماعي في التاريخ، أذكر أنني قرأت قبل 5 سنوات تحليلات مثيرة كتبها الكاتب السعودي: عبد الله القصيمي، في كتابه (صحراء بلا أبعاد) يحلل وضع العرب لو حلّت قضية فلسطين، كيف أن البطالة ستنتشر بين الكتّاب والسياسيين ووزراء الخارجية، وكيف أن الشعراء سيشعرون بالعجز حينما يتم حل القضية الفلسطينية، وكيف أن الجوع والفقر سينتشر فبعض الدعاة والمثقفين عاشوا على مؤتمرات قضية فلسطين، وأصبحت فلسطين هي المشروع الذي يجنون منه الذهب، كيف أن باعة فلسطين سيشعرون بالتشتت والضياع، بالاندثار والتلاشي، وهي رؤية ذكية، نفس الشيء لو انتهى موضوع الإرهاب هناك تجمّعات بشرية ودينية وثقافية ستموت جوعاً أو ستبحث عن مكان ارتزاقٍ آخر يمكّنهم من العيش وإعاشة من يعولون.
إنها العفونة التي صبغت تاريخنا العربي أن يحفر أصحاب القضية لقضاياهم، وأشد أعداء العربي-على طول التاريخ- هو العربي نفسه، (انظر مثلاً كتاب عقلية التخاصم عند العرب). وإذا أردْنا استيعاب أو فهم السوء الذي آلت إليه كل قضايانا والانهيار الذي يحيط بكل شيء، وبكل مجالات الحياة والحريات والأفكار، فلننظر إلى quot;الرويبضاتquot; الذين يتصدّرون الإعلام والمنابر والمنائر والمؤتمرات، فقط نظرة واحدة أو مطالعة واحدة لكتاباتهم ومحاضراتهم وندواتهم وأوراقهم تعرف أن كل الذي وصلنا إليه-على سوئه- قليل في حقّ أمة سلّمت مصيرها لحفنة من السفهاء، ولحثالات من quot;البومquot; المشؤوم.

فهد الشقيران
كاتب سعودي.
[email protected]