1-
صديق لي صحافي وإعلامي حدثني أنه قابل منذ فترة quot;محمود درويشquot; في مطار دولي، وحينما اقترب منه لإلقاء التحية وإبداء التواصل، سأله محمود درويش، هل أنت سعودي؟ وحينما أجاب بالإيجاب، قال:quot;أنا لست محمود درويشquot;، ثمّ ولى، هذا الموقف السيء من هذا الشاعر الذي يدّعي أنه يحارب عنصرية الإسرائيليين ضد الفلسطينيين تذكّرني بهجوم محمد الماغوط عليه، ففي حوارات أجراها خليل صويلح مع محمد الماغوط ونشرها في كتابه (اغتصاب كان وأخواتها) قال عنه الماغوط: (محمود درويش شاعر موهوب جداً لكنه غير صادق) (انظر الكتاب ص 72) هذا الشاعر الذي أبى أن يصافح الإعلامي السعودي في المطار نسي ما جاد به الشعب السعودي على quot;فلسطينquot; وهي القضية التي يدّعي هذا الشاعر أنه ينتمي إليها بكل ما أوتي من شعر، لكنه quot;الصدقquot; حينما يغيب لصالح الذات، ولصالح الولع الصبياني بحفلات التكريم والتتويج، كادت القضية الفلسطينية أن تكون قضية السعوديين أنفسهم في حينٍ من الدهر، وشارك المواطن السعودي في فترة من الفترات مع أشقائه العرب في الدفاع عن فلسطين، وقتل منهم مجموعة وهم ينافحون عن فلسطين، بينما كان درويش ينشد شعره في quot;الانتفاضةquot; وهو يتبطّح في أفضل المهاجر بعيداً عن مكان قضيته، هل هي نظرية (قتل الأب) على قاعدة فرويد أن يتشوّق الإنسان-أحياناً- لقطع اليد التي أحسنت إليه؟ أم أن درويش يعتب على منظّمي المؤتمرات الخليجيين أنهم لا يدعونه إلى مؤتمراتهم؟ أم يظنّ أنه جدير بزاوية تدرّ عليه المال الطائل من إحدى كبريات الصحف الخليجية؟
2-
لماذا كل ذلك الادعاء؟ حمى الادعاء والتكاذب الجماعية؟ من ادعاءات رجال الدين والسياسة والخرافة، إلى ادعاءات بعض الليبراليين،، قلتُ مرةً أن quot;الليبراليةquot; عربياً في أكثر وجوهها مجرد موضة تعلّق بها بعض المراهقين من دون فهمها حتى، أذكّر هنا بهجوم quot;هيغلquot; على (المراهقين الذين يدعون إلى الحرية وهم لا يفهمونها ولا يمارسونها على ذواتهم) أحد أقطاب الليبرالية في القرن التاسع عشر أعني به quot;طوكفيلquot; كتب: (إن معنى الحرية الصحيح هو أن كل إنسانٍ نفترض فيه أنه خُلق عاقلاً يستطيع حسن التصرف، يملك حقاً لا يقبل التفويت في أن يعيش مستقلاً عن الآخرين، في كل ما يتعلق بذاته، وأن ينظّم كما يشاء حياته الشخصية) أما ملهم الليبراليين العرب في عصر النهضة وهو من روّاد الفلسفة الليبرالية الفيلسوف البريطاني quot;جون ستيوارت ميلquot; فقد ذكر في كتابه الشهير (في الحرية): (حيثما كان الاستبداد توقف التاريخ والتقدم) ورأى عبد الله العروي أن هذه الجملة (هي خلاصة لتنظير ميل عن الحرية) أما فولتير فكتب: (لمّا يفسد العقل يتحول الإنسان إلى خليط من العجماوات تفترس بعضها البعض إلى قردة تحاكم ذئاب وثعالب، هل نريد أن نجعل من تلك العجماوات رجالاً؟ علينا أن نقبل أولاً أن يكونوا عقلاء) إن ادعاء انتهاج الليبرالية الذي يغشى البعض المستبدّين سخف ما بعده سخف، وعلى الباحثين والمفكرين المساهمة في وقف هذا العبث، بعض أدعياء الليبرالية لا يفرق-علمياً على مستوى تاريخ تشكّل المفهوم- بين (الليبرالية) و (الحرية) من جهة ارتباط الأولى بالمسار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وارتباط الثانية بحوارات ذات أبعاد فلسفية ربما نتعرض لها لاحقاً فلهذا مجال آخر ونقاش آخر. من تلك النصوص الصغيرة في محتواها الكبيرة في معناها نعرف المسافة الشاسعة التي تفصيل بين الليبرالية كطريقة لها أبعادها على الذات وعلى المجتمع والاقتصاد والسياسة، وبين الادعاءات التي ينتهجها بعض الأفراد من باب ركوب الموضة، بينما هو بداخله متطرف، أو همجي.
3-
إن من يتدرج في وظيفة أو في مكانٍ من الأماكن وهو نقيّ السريرة يعاني الأمرّين، وفي فيلم (The Ballad of Jack and Rose) من بطولة دانيال داي لويس، يهتف الفتى بأذن الفتاة بعد أن ظنّت أنها غريبة الأطوار ويقول: quot;الأنقياء خطرونquot; لم تكوني أبداً غريبة أطوار، وإنما كنت quot;نقيّةquot;. متعة أن تكون شفافاً تكتب ما تقتنع به، مهما كانت النتائج كارثية، وعلى حدّ قول quot;كامل مروةquot; المقتول عام 1966 quot;هي كلمة إن قلتها ستموت وإن لم تقلها ستموت، قلها وامضquot; مهما اندسّ بعض الذين أوجعهم النقد بأسماء مستعارة يكتبون التفاهات، يجب أن لا نأبه، يجب أن تتأسس مفاهيم النقد على quot;الفتحquot; أن تفتح كل الجدر المغلقة، وأن تكون هناك quot;طواحينquot; نقدية ذات أسنان كبيرة وحادة وأن تقرض تلك الأسنان كل شيء، حتى لو قرضتْنا نحن أيضاً، إن بقعتنا العربية الصلدة التي تتكاذب عبر كل الأساليب والوسائل جديرة بالتحريض الحادّ والنقد العلني.عبر النقد نعرف تناقضات الناس وتتكشف السّتُر ارصدوا السخف بهدوء تبصرون الأعاجيب.
كاتب سعودي
[email protected]