من المعروف أن الساحة السياسية في باكستان خلال سنوات نظام مشرف شهدت أمورا لم يخطر ببال أحد. وبينها تحالف حزب الشعب الباكستاني مع جناح حزب الرابطة الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نواز شريف. وكان الانطباع السائد عن ذلك التحالف أنه حيلة من بينظير بوتو للضغط على مشرف. وبناء عليه فإنه شهد تقلبات كثيرة رغم اتفاقهما على بدء حركة ضد الدكتاتورية في باكستان العام الماضي عندما بدأ حزب الشعب مساومتها تحت الطاولة مع الجنرال مشرف.

كما أن تعاون حزب الشعب مع مشرف مكنه من انتخابه رئيسا للبلاد مرة أخرى من برلمان لم يبق من عمره سوى شهر في حين قدم أكثر من 80 نائبا من الجمعية الوطنية احتجاجا على إعادة انتخابه رئيسا للبلاد وهو في الزي العسكري.

طبعا هذا الأمر مد ظلاله على العلاقات بين الحزبين بعد عودة بينظير بوتو ونواز شريف إلى البلاد قبل الانتخابات العامة الأخيرة؛ لكن أخيرا اتفق الجانبان على إنشاء حكومة ائتلافية في المركز عقب الانتخابات شريطة الالتزام بما ورد في (إعلان مري) الموقع بين زرداري ونواز شريف. وكان أهم مطالب حزب نواز شريف فيه إعادة القضاة المعزولين وثم التخلص من مشرف؛ إلا أن حزب الشعب مرة آخرى لعب على نواز شريف ولم يوف بوعوده في إعلان مري. والتماطل في إعادة القضاة المعزولين أدى إلى انسحاب وزراء حزب نواز شريف من المجلس الوزاري، ما جعل الكثيرين يرون أن الائتلاف الحاكم لن يدون طويلا.

وقد ترسخ هذا الانطباع على سبيل الخصوص بعد فشل المحادثات بين الجانبين في العاصمة الباكستانية فالعاصمة الإماراتية وفي نهاية المطاف العاصمة البريطانية. وأخيرا قرر حزب نواز شريف اتخاذ قرار مصيري بعد إجراء آخر دور للمحادثات مع زرداري في إسلام آباد الأسبوع الماضي. وكانت نتيجة تلك المحادثات التي بدت فاشلة خلال اليومين الأولين، قد أوقعت الجميع في حيرة إذ أعلن زرداري في مؤتمر صحفي مزدحم عن مطالبة مشرف بكسب ثقة كليته الانتخابية ndash; البرلمان بغرفتيه والمجالس الإقليمية الأربعة- وفق ما وعد به أمام المحكمة أو أن يقدم استقالته.

وقد بدا الأمر في البداية حيلة أخرى لتبعيد نواز شريف من موقفه عن إعادة القضاة المعزولين؛ إلا أن الإجراءات التي تلته كانت مثيرة للغاية؛ لأن المجالس الإقليمية فعلا بدأت إجراءات تؤدي إلى استقالة الرئيس ومساءلته، إذ قام مجلس إقليم البنجاب برمي أول حجر في هذا الصدد حيث تمكن من تمرير قرار يدعو مشرف إلى كسب ثقة البرلمان أو تقديم الاستقالة بمصادقة 341 نائبا مع معارضة فقط 25 نائبا للقرار. وتلا ذلك القرار، قرار لمجلس إقليم الحدود الشمالية الغربية صدر بموافقة 107 نائبا في حين أدلى فقط 4 نواب بأصواتهم في المعارضة. ثم جاء دور مجلس إقليم السند يوم الأربعاء وتمكن من تمرير قرار مثيل بموافقة 93 نائبا وقد قاطعت المعارضة هناك اجتماع المجلس؛ لكن رغم ذلك فإن القرار قد عبر عن معارضة أغلبية النواب للرئيس مشرف، علما أن هذا المجلس أقوى مجلس في حق مشرف إذ يتضمن 51 نائبا للحركة القومية المتحدة التي تؤيده، رغم أنها شريكة في الحكومة الإقليمية التي يقودها حزب الشعب. وقد اعترف زرداري بخطأه بعدم كسب ثقة زعيم الحركة ألطاف حسين قبل إعلانه بسحب الحصانة من مشرف.

وبقي إقليم بلوشستان ليمرر قرارا مثيلا بعد غد الجمعة على الأرجح. ومن المتيقن أن يكون القرار ضد مشرف؛ لأن الحكومة الإقليمية يقودها حزب الشعب. كما أن تلك الحكومة تحتوي على أكبر عدد من الوزراء إذ يتكون مجلسها الوزاري من 41 وزيرا من أصل 65 نائبا. وقد أكدت وزيرة الإعلام شيري رحمن أنه سيتم طرح قرار سحب الحصانة من مشرف في الجمعية الوطنية خلال الأسبوع المقبل أي بعد الاحتفال بيوم الاستقلال في 14 أغسطس.

ومن المثير للغاية أن حزب الرابطة جناح القائد الأعظم بقيادة الشودري شجاعت حسين قد أخذ على عاتقه الدفاع عن الرئيس مشرف، ورغم إخفاقه في تقديم أي نتيجة تذكر في الأقاليم الثلاثة التي قررت محاسبة مشرف، فهو لا يزال مصرا على الدفاع؛ لكن المشكلة أنه يواجه انقساما داخليا في الجمعية الوطنية. وقد ادعى سردار بهادر خان أحد النواب على لائحة حزب شجاعت حسين أنه سيؤيد قرار الحكومة بمحاسبة مشرف ومعه 22 نائبا من الحزب. وإذا صح كلامه، فإن حزب شجاعت لن يبقى لديه سوى أقل من 20 نائبا. ولا يعرف أحد كيف سيدافع بهم عن الرئيس. وقد نُقل عن سردار بهادر أنه أكد لشجاعت أن يقنع مشرفا بعدم استخدام أكتاف حزبه لإطالة بقائه في الحكم إذ لم يعط حكمه للبلاد سوى الدمار والخلافات والأزمات.

ويبدو من هذه التحركات أن محاسبة مشرف بات أمرا حاسما. وهناك تقارير تشير إلى أن الرئيس قد قرر تقديم الاستقالة مبدئيا؛ بيد أنه ينتظر ما سيتم تقديمه إليه بعد ذلك، في حين تفيد تقارير أخرى أن عواصم قوية تحاول تأمين مخرج آمن لمشرف. وينسب المحللون أهمية خاصة للقاءات يقوم به المفوض السامي البريطاني السابق في باكستان مارك غرانت مع القيادات السياسية في هذا الصدد؛ رغم أن الحكومة تكتمت تلك اللقاءات كما أن المفوضية السامية البريطانية في باكستان لم تكشف عن أي تفاصيل لها؛ إلا أن قصر الرئاسة لا يزال يدحض التقارير التي تشير إلى قيام مشرف بتقديم الاستقالة أو تفكيره فيها.

وهنا ينطرح سؤال ملح بأنه من سيحل محل مشرف في قصر الرئاسة؟ والرد على هذا السؤال لم يعد واضحا؛ بيد أن بعض الاسماء بدأت تطفو على السطح. أشار بعض التقارير إلى أن الجيش قد طرح اسم قائد القوات المسلحة السابق الفريق أول جهانغير كرامت لذلك المنصب الرفيع عن طريق قنوات غير مباشرة، في حين نقل عن حزب الشعب اسم آفتاب شعبان ميراني. وكان اسمه في قائمة المرشحين للرئاسة من قبل أيضا.

ويشير بعض المصادر إلى أن الجنرال جهانغير قد يكون غير مقبول لذلك المنصب لدى حزب نواز شريف، إذ قام نواز بتسريحه من منصب قيادة الجيش عندما كان رئيسا للوزراء.

على صعيد آخر أشار الشودري نثار علي خان أحد أبرز رموز حزب نواز شريف إلى اسم قاضي القضاة السابق سعيد الزمان صديقي وأسفنديار ولي رئيس الحزب الشعبي الوطني وعطاء الله مينكل أحد كبار الزعماء السياسيين في أقليم بلوشستان لإشغال منصب الرئيس، مضيفا أن الرئيس سيكون من الأقاليم الصغيرة. والأقاليم الصغيرة تعني الأقاليم الثلاثة غير البنجاب.

على كل أصبح مشرف في وضع كما يعبر عنه المثل العربي quot; إذا سقطت البقرة كثر الذابحون quot;، في حين سيكون الرئيس القادم طوع أمر القيادات السياسية، لأنه سيتم انتخابه من أجل أن يثبت توقيعه دون أي اعتراض على كل ما يقوم البرلمان بتقديمه إليه. وعلى رأس ما سيتم تقديمه إليه مجموعات من التعديلات الدستورية تهدف إلى تقليل صلاحيات الرئيس التي حصل عليها الرؤساء خلال الأنظمة العسكرية عن طريق إدخال التعديلات الدستورية. والقصد وراء التعديلات المرتقبة إعادة باكستان إلى مسار النظام البرلماني الذي يمنح معظم الصلاحيات لرئيس الوزراء، والرئيس فيه لا يكون أكثر من نمر على ورق.

عبد الخالق همدرد
كاتب ومحلل باكستاني
00923005380546
[email protected]