العراق ارض المقدسات والاطهار وقد اركرم الله ارضه بأنها احتضنت مالم تحتضن ارض اخرى من اجساد النبين والصدقين والأئمة الاطهار، وعلى ذلك لم تخل قصبة او قرية نائية في ربوعه من مرقد مقدس او اثر تأريخي بهذا المدلول يؤمه المؤمنون بمناسبة مقدسة ثابتة او غير ثابتة للمارسة شعيرة من شعائر التعبد او للتبرك بل و حتى للسياحية،، ولا ينحصر امر زيارات المواقع والمراقد المقدسة على المسلمين بشيعتهم وسنتهم سواء اكانوا مسلمي العراق او عموم بلاد المسلمين، وانما يشمل الامر كل الاقليات الدينية التي سكنت ارض وادي الرافديين منذ اقدم العصور، فعلى هذه الارض توجد اقدم معابد بني اسرائيل ومقابر اديانهم التي يحتفي بها المسلمون قبل غيره، مثلما توجد اقدم كنائس الشرق واقدم محجّات المسيحيية،، وحتى ما لايعتبره المسلمون من ديانات اهل الكتاب، ينفرد العراق بأنه الموطن الاول والدائم للطائفتين الصابئية والأزيدية وربما غيرهما الكثير.


واذا كان تصاعد وتيرة العنف وتردي الوضع الامني بعد الاطاحة بالنظام السابق قد بدأ يحد تدريجيا من ان تأمّ المللُ والنحلُ العراقية كافة، مراقدها ومزاراتها الخاصة اوتلك التي تشترك بها مع ملل ونحل اخرى، فأن المجموعات السياسية الشيعية اندفعت في حشد اقصى ما يمكن حشده من ملايين الزائرين وزجهم في خضم مارثونات الزيارات المليونية اللامتناهية، لاتعويضا لهولاء المؤمنين عن القيود القاسية وسياسات التنكيل بمرتكبي تلك الزيارات عبر كل انظمة الحكم التي حكمت العراق بدأ من دولة بني العباس التي انقلبت على العلويين سريعا بعد ان تحصلت لهم البيعة براية (ال محمد) وكانت تجمعهم مع ابناء عمومتهم من علويي بني هاشم، كما جمعهم الحقد على بني امية حتى قبل الاسلام * hellip; ولا رغبة من هذه المجموعات و النخب السياسية لأن يتحصّل لهذه الحشود المتدافعة بالمناكب وعلى شظايا الجمر والرماد وبحور الدماء، عظيم ثواب الدنيا والاخرة، وانما لاستغلال المناسبات والزيارات الدينية لاستعراضات ( الاغلبية ) التي لا يُراد لها الا ان تُحلب اصواتُها بكل انتخابات في عراق ديمقراطية الطوائف والاثنيات، لا عراق الهوية الواحدة،، ورغم ان لا احد، حتى اكثر الحاسدين (لاغلبية ) شيعة العراق، باركهم الله، يأتي بدليل على انهم اقل من نصف سكانه، ورغم ان الدستور التي اعتبرته القيادات السياسية بل وحتى الدينية الشيعية، الانجاز الاول لهذه الاغلبية قد اعتبرت مادته (الثالثة والاربعون): (اتباع كل دين او مذهب احرارٌ في: أ ndash; ممارسة الشعائر الدينية،بما فيها الشعائر الحسينية ) وكأنهم (الاغلبية ) اقل الاقليات، وكان الاجدر ان ترد عبارة (بما فيها شعائر الاقليات والطوائف الدينية ) ولا بأس من اضافة، طالما كان صائغوا الدستور اغلبهم من الاسلاميين عبارة (على الا تتعارض جهارا مع الدين الرسمي للدولة ) لوكان اغلب من صاغوا دستورنا الدائم على علم بالدساتير، قبل العلم بصياغتها.

لقد دق جرس الانذار الاول في مأساة حادثة جسر الائمة عام ( 2005) التي راح ضحيتها اكثر من (1000 ndash; 2500) ضحية اغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ، ولكن تغاضتْ اَذانٌ كثيرة عن ذلك، وراحت تُسهب في تصديق ما زعمت من مؤامرات البعثيين والصداميين الذين تسببوا في تلك المأساة الرهيبة ببثهم شائعة الانتحاري المزعوم فوق الجسر وكيف انها دفعت عشرات الالاف من الزوار ان تسحقهم الاقدام، ويقذف ألاملُ اليائسُ بالنجاة من الانسحاق تحت الاقدام، بالعشرات منهم الى قلب النهر الجارف، قبل ان تنهار اسيجة الجسر القديم المتهالك تحت وطأة تدافع ما لا يسع الجسر من حشود بشرية، وهومفخخ بأطنان من كتل الكونكريت التي عُدّلت اتجاهاتها لتسمح بمرور المشاة فقط،وأصرت قوى سياسية على افتتاحه لتلك الزيارة بأيام قبلها، وكان قد أغلق قبل ذلك بعد تصاعد حدة اعمال العنف التي استولدتها ديمقراطية اريد لها الا تكون على مقاس وطن،وأنما على مقاسات طوائف واعراق.

وبدلا من مراجعة الذات ونقدها وتقويم الاخطاء التي تسببت بذلك المصاب الجلل وقبل اجراء اي تحقيق اولي في الحادث، انطلقت الابواق زاعمة ان بعض الضحايا قد فارقوا الحيأة متأثرين بتناول اطعمة مسمومة قدمها لهم الباعة والمتطوعين من اهالي الاعظمية، غافلين عن ان ارادة الله جلّ وعلى هي التي قدّرت الا تُقسم بغداد الى كرخ سني ورصافة شيعية حيث يشمخ ضريح موسى بن جعفر في كرخها مطلا على من يذكره التأريخ الاسلامي (شهيد ال البيت) ابي حنيفة النعمان في رصافتها، ليربط بينهما الجسر الذي تسمى بهما معا وأرخ تلك المأساة،، مثلما يشمخ ضريح عبدالقادر الجيلاني الذي يثبت صاحب (مراقد المعارف) ابن حرز المعروف بالكندي الثاني ( ت سنة 1934 في النجف الاشرف) علويته وحسينيته وحسنيته، في رصافتها،،وجامع براثا ومصلى عيسى بن مريم وابراهيم الخليل وبئر علي بن ابي طالب في كرخها.

وكان جرس الانذار الثاني اكثر دويا من الاول على الاقل قياسا الى حجم الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي أستخدمتها الاطراف التي قرعته، وقياساعلى ان احداثه لم تجر قضاءا وقدرا وبسبب سوء التخطيط، كما هي احداث مأساة جسر الائمة وانما ترتبت على احتقان سياسي نمى بين القيادات الشيعية نفسها تاركا هذه (الاغلبية ) يخوض بعضها بدماء بعض، دون ادنى اعتبار لحرمتي المكان والزمان، حين خلفت المصادمات المسلحة التي اندلعت بين انصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والشرطة العراقية اكثر من (1000) ضحية بين شهيد وجريح (اصر الصدريون لاحقا ان الشرطة العراقية التي اشتبكت معهم هي ائتلاف القوة التي يقودها العميد رائد شاكر الموالي لرئيس الوزراء نوري المالكي ndash; حزب الدعوة ndash; مع قوات منظمة بدر التي يقودها النائب هادي العامري، الجناح العسكري للمجلس الاسلامي الاعلى بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، زعيم الائتلاف العراقي الموحد، بل وذهب بعض الصدريين الى ابعد من ذلك الى القول ان قوات ما بين الحرمين ndash; مرقدي الحسين واخيه العباس - ع ndash; وقوامها سبعة الالاف مقاتل هي مليشيا مسلحة موالية للمرجعية العليا في النجف الاشرف هي التي استفزت الزوار واول من بدأت باطلاق النار عليهم ).


وعدا عن هاتين الفاجعتين الكبيرتين، فأن مسلسل الفواجع ضد زوار العتبات المقدسة من فقراء الشيعة الذين يساقون الى حتوفهم لكي تستعرض نخبهم السياسية اغلبيتهم بمناسبة او بدونها، لهو مسلسل مستمر قد لاينتهي قريبا، فالمجموعات الارهابية التكفيرية الغريبة عن الجسد العراقي، وكثير من اطراف التمرد السني بذروته وذروة الاحتقان والاقتتال الطائفي وجدت فيهم الخاصرة الرخوة لتحصد ارواح العشرات منهم في كل مناسبة دينية او زيارة منذ العام ( 2003 ) ولحد الان،، ومع كل التقدم المحسوس في المجال الامني الذي شعر به العراقيون في الاشهر الاخيرة وتنفسوا معه الصعداء، الا ان الهجمات الارهابية الذي تعرضت لها الحشود المليونية من الزوار الذين ما كادوا ينتهون من مراسم ذكرى احياء وفاة الامام موسى الكاظم (الامام السابع عند الشيعة الاثني عشرية ) حتى توجهوا لاحياء مراسم ولادة الامام المهدي بن الحسن العسكري (الامام الثاني عشر ) لتدل بما لايقبل الشك ان حماية ملايين من الابرياء العزل ينتشرون في مسيرهم عبر خارطة جغرافية واسعة وسط وجنوب العراق وبظل وضع امني يحتاج لسنوات ليستقر، على ان يسبقه تحقق استقرار سياسي، لهو امر في غاية الصعوبة على المؤسسة العسكرية العراقية مهما تنامت قدراتها، ان تضمن امن وسلامة هولاء الزوار مع تعدد مواسم هذه الزيارت سنويا وكثرة اماكنها المقدسة وسعة انتشارها.

ولأن النخب السياسية الشيعية لن تخسر شيئا بخسارة اي عدد من الارواح في اي استهداف او عمل ارهابي جبان يستهدف تلك الحشود في مناسبة من هذه المناسبات، ان لم تعمد الى توظيفه في مهرجانات استعراض الاغلبية والاستقطاب الطائفي الكفيل بمنحها المزيد من الاصوات في اية انتخابات قادمة في ظل الديمقراطية المفروضة اميريكيا، ومن غير المعقول ان نتوقع منها اكثر من بيانات الادانة والتنديد،، وحساب عدد الملايين من الزوار المتزايدة في كل مناسبة، مستغلة كل وسائل اعلامها ومنابرها للترويج لهذه الزيارات على انها لاتقل بحال عن فروض العين الوجبة شرعا، شأنها بذلك شأن النخب السياسية السنية التي ازدادت نفوذا ووجاهة وثراءا بمحيطها السني بالمتاجرة بقضية التهجير الطائفي الذي تعرضت لها العوائل السنية في بغداد اكثر من غيرها، ولاتزال عالقة في بلاد الشتات، حين ابت ان تخرج من سطوة المليشيات الى سطوة مقاتلي القاعدة وفرسانها العرب الذي كانوا يبسطون قبضتهم على اغلب المناطق ذات الغالبية السنية.

ولأن الجانب العقائدي من اكثرالجوانب ثوبتا في سايكولوجيا النفس البشرية مما يجعل من العسير على اية عملية تثقيف ان تقوم بدورها المطلوب ازاء ثبوتيته العسيرة على الفهم اكثر الاحيان،، وهو يدفع في عين الوقت الى تحدي اية مخاطر يمكن ان تضع على المحك ثبوتية هذه العقيدة، مما يدفع معتنقيها الى التصرف بالضد مما يخطط له صانعوا المخاطر، او المخاطر المتأتية من سلوكه شخصيا،، يعضد ذلك في حالة الزيارت الشيعية في العراق وجود المئات من منابر التثقيف التي اتاحها فضاء الحرية، تدفع نحو اتجاهات الاصرار وتحدي المخاطر الهائلة، طالما انها تناقض ثوابت العقيدة، مستغلة سايكولوجيا الذات الجمعية التي تكون اقل استشعارا بالخطر اصلا واسهل انقيادا للسلوك الجمعي غير المدرك والاقل تحسبا وانظباطا من السلوك الانفرادي الطبيعي.

ولان الدولة وبالرغم من كل ما لها من حق وما لديها من سلطة في كبح جماح سلوك مواطنيها متى ما رأت ان هذا السلوك ضارا بهم او بها، فأن الدولة العراقية المركبة توافقيا (طوائفيا واثنيا) والحكومة العراقية المترشح رئيسها أئتلافيا (نسبة للأئتلاف العراقي الموحد ) قبل ان يتم انتخابه ديمقراطيا، ومع الاقرار بكل ما حققه رئيس وزرائها مؤخرا السيد نوري المالكي من اقترابه اكثر ممن سبقوه الى رجل الدولة منه الى رجل السلطة اوالحزب، فلا الدولة ولا الحكومة بقادرة، ولو جزئيا على تنظيم هذه الزيارات من حيث عدد وشروط المسموح لهم بالزيارة وفقا للغطاء الامني المتوفر والمساحة اللازمة لايواء العدد المناسب من الزوار لاداء شعائرهم في كل مرة، بضمان الامن والسلامة وقبلهما الادمية، كما تفعل المملكة العربية السعودية مثلا في تقدير عدد الحجيج المسموح لهم بأداء الفريضة سنويا. ومتأتى عجز حكومة السيد المالكي عن اجراء مثل هذا التنظيم حتى لو ابتغته، هو ان اطراف المعارضة الشيعية السابقة، ومنها حزب السيد المالكي نفسه كانت تضع تقييد هذه الزيارات او حظرها وملاحقة القائمين عليها، على رأس مظلوميات الشيعة، رغم ان ظرف اليوم يستدعي من التنظيم اكثر مما كان ظرف الامس يستدعي من التقييد او الحظر او الملاحقة قياسا الى حجج النظام السابق وواقع خسائر اليوم، الامر الاخر الذي يحد من قدرة الحكومة على اجراء مثل هذا التنظيم بما يضمن تقليل الخسائر البشرية الى الحد الادنى على الاقل هو ان هذه الاطراف قد الزمت نفسها بنصوص دستورية حددت هذه الحريات صراحة مما يجعل اي محاولة للتظيم الحكومي خرقا لمبادئ الدستور قد يعرض به اقرب الحلفاء بناء على اي متغير سياسي بين اطراف الائتلاف الشيعي انفسهم، وقد يتربص بهذا الخرق اي متربص اخر ليبرر لنفسه خرقا مثله، وما اكثر هفوات الدستور وما اكثر الغامه التي زرعها الاخوة الاعداء بطريق بعضهم البعض، عليه فلا حديث عن اي مجال لتقنين هذه الزيارات بأستخدام ادوات الدولة وسلطاتها.

فما هو الحل اذا؟؟ وهناك مئات بل والالاف البشر يموتون سنويا، وهم بالتأكيد لايبتغون ممارسة طقوس الانتحار الجماعي كما فعلت بعض اقليات الاديان المنحرفة التي اعتقدت بنهاية العالم لتسير اليه طائعة قبل ان تُساق مع العوام،، او اخرى اعتقدت انها اختبرت كل ما في هذا العالم فقررت الذهاب لأكتشاف حياة العالم الاخر،، وانما هناك ملايين من البشر لهم دينهم وعقائدهم وطقوسهم التي لهم كل الحق في ممارستها في بلد تتعددي له دستور يضمن حقوق وحريات كافة افراد المجتمع..

من ثقافة متشابهة وفي اطار نفس الدين يمكن لنا القياس على حوادث مشابهة للحوادث الدامية التي تعرض وسيتعرض لها زوار العتبات المقدسة من شيعة العراق وأن كانت اقل منها دموية واسبابا ونتائجا الا وهي حوادث التدافع على منسك رمي الجمرات في فريضة الحج واخرها التدافع الذي اودى بحياة المئات من حجاج بيت الله الحرام عام 2005 حتى اضطرت هيئة كبار العلماء في المملكة الى الموافقة على مشروع العاهل السعودي المغفور له فهد بن عبد العزيز بتطوير جسر الجمرات بعد ان ترددت تلك الهيئة سنوات عدة بالقبول بهذا المشروع الذي كانت السلطات السعودية قد اعدته بالفعل، وبعد ان وصل الجدل بين التيار الاصلاحي والتيار المحافظ داخل المملكة وخارجها الى اقصى مدياته داخل وخارج المؤسسة الدينية، على ان اي من المصلحتين اولى بالاعتبار: حفظ ارواح العباد ام حفظ شكلية المنسك كما ورد عن النبي -ص- حرفيا، وقد انتصر الاسلام في النهاية بتغليب جوهره على الشكليات التي يقف عندها المحافظون، وفي اقل من عام وقبل بداية موسم الحج التالي انجزت مراحل متقدمة من مشروع جسر الجمرات حالت في عدم وقوع مثل تلك الحوادث المؤسفة،وبعلمي ان العمل على توسيع مشروع جسر الجمرات قائم العمل عليه حتى الساعة.

فمن لشيعة العراق وهم مسلمون يسفك دمهم كل يوم وكأن ما يحدث لهم لايعني الامة الاسلامية، بل وكأن هذه الأمة قد انقسمت الى قسمين لاثالث لهما،فئة تحسب انهار دمائهم اعلاء للدين والمذهب، ولا تملك الا ان تدعوا لهم بالحور العين والولدان المخلدين، واخرى لسان حالها يقول، هذا ما كسبته ايديهم، فهل من مزيد

بل وحتى مثقفينا من الليبراليين والعلمانيين اتراهم يأخذون نفس الموقف لو تكررت مثل هذه المأساة الانسانية في اي مكان اخر من العالم؟ ام تراهم وفروا على انفسهم التهم الجاهزة من صدامية او بعثية الى تكفيرية او طائفية لن يتردد بأن يطلقها هذا الطرف المتاجر سياسيا ودينيا ودنيويا بهذه المأساة، او ذاك.

ان تتعدد الزيارات المليونية بتعدد مناسباتها قد نجمت عنه اخطار كبيرة لا اشك ان اخطرها هذه الخسائر البشرية الكبيرة والمرشحة للزيادة طالما لايزال الحديث عن استقرار امني مسبوق بأستقرار سياسي ليس من مفردات القريب العاجل في قائمة الاحتياجات العراقية الملحة، حتى مع تحول بوصلة الصراع بالاتجاه الاثني وفق ما انتجته العملية السياسية ودستورها الكسيح من صراعات انية واخرى مؤجلة، وحتى مع نجاحات الحكومة العراقية في هذا الملف او ذاك طالما انها لازالت محكومة بمعادلات اطراف المعادلة السياسية والدستور الكسيح، وساهمت هذه الزيارات ايضا بتعطيل الجهد البشري الذي احوج ما يكون اليه بلد دمرته الحروب، مثلما عطلت وأحتجزت في نفس الوقت جزءا كبيرا من عمل المؤسسة الامنية والعسكرية والخدمية التي ما ان تتنتهي من زيارة حتى تتوجه كوادرها للتحضير لاخرى،، حيث كان من المفترض ان ينصب هذا الجهد على بسط الامن واعادة بناء البنى التحتية لينتفع بها المواطن زائرا او مستقرا ولحين عودة الامور الى مجراها الطبيعي فلا يكلف الزوار الحكومة ومؤسسات الدولة والشعب المتعدد الاطياف شيئا غير شكرههم عن طيب الدعاء للوطن والامة.

ولعل اخطر ما تجب الاشارة والتنبيه اليه ان الهجمات الارهابية التي تعرض لها زوار العتبات المقدسة في الزيارتين الاخيريتين وسعتها وانتشارها بالرغم من كل التحسن لامني الملحوظ وبالرغم من الاجراءات الامنية المشددة، وبالرغم من الهزائم المتلاحقة التي تعرض لها تنظيم القاعدة ودولته الاسلامية في العراق بفعل الجهد العسكري الاميريكي- العراقي المشترك ودور رجالات الصحوة الكبير بضرب معاقل التنظيم في معاقله السابقة، فأن هذه العمليات تشير بما لايقبل الشك على ان هناك اكثر من مراهن على عدم السماح لكل هذه الجهود والنوايا الطيبة بأنجاح عودة اللحمة الى الوحدة الوطنية، بعد كل ما انتجته تشظيها من كوارث وعبر، وليس اسهل من استهداف زوار العتبات المقدسة لاستفزازهم او استفزاز من ينوب عنهم بالرد بعمل او سلسلة من الاعمال الطائشة الكفيلة بأعادة الامور الى مربع العنف الطائفي الاول، ولعل ما ينذر بالخطورة اكثر ان تستجد خلافات سياسية جديدة، عدا عن الخلافات التي حدثت مسبقا، بين اطرف اخرى مع سخونة الساحة السياسية في الانتخابات القادمة او اي انتخابات قادمة اخرى مما يستلزم حكما تقييد مثل هذه التجمعات الهائلة التي لا يخضع الفرد لسلوكه الطبيعي فيها وانما يخضع لسلوك الجماعة،،حيث يكون من السهل جدا على عدد قليل اشعال ما لايمكن اخماده من مناوشات تحت وطأة حمى الصراعات السياسية والانتخابية بين كل الاطراف.

ولا يعد الحديث بعد كل تلك المخاطر الجسام ذو اهمية عن حجم الميزانيات الهائلة التي تخصصها الدولة لكل منسبة من هذه المناسبات او الزيارات لتجد طريقها الى بطون مافيات الفساد الاداري في بحور متلاطمة من الفساد اصلا، فلا ينال الزائر منها قنية ماء، ان وجدت وما يجود به عليهم اهل البر والاحسان من مأكل ومشرب، يكون لازما على كل ذي ضمير ان يتوجه الى من يملك الحل الوحيد لهذا المشكل الخطير الذي لايبرز اعلام الدولة واعلام الاحزاب الشيعية غير جانبه المنير ويضعه الاعلام الاخر في باب المسكوت عنه تواطأ على ارواح الناس ومصلحة الامة، ويضعه الاعلام الحر ومنه الاعلام الغربي في سلة اخبار اليوم التي لاتتكر اليها الحاجة غدا،، ولا تملك الحل الا المراجع العليا في النجف الاشرف وحوزتها العلمية وعلى رأسهم اية الله العظمى السيد علي السيستاني، وقد يكون ابسط الحلول فتوى من سماحته لا بجعل الزيارة وهي مندوب في كل الاحوال فرض كفاية لا يستلزم التكرار بأنتفاء المصلحة في تكراره ويسقط عن باقي المسلمين ان قامت به او اقامته طائفة منهم،ولا بتحديد هذه الزيارة او احداها بوجوبها مرة واحدة بالعمر، وانما بتحديدها بزيارة واحدة ولمناسبة واحدة في السنة الواحدة على اقل تقدير، لكل شخص حتى استقرار الوضع الامني والسياسي والاقتصادي او حتى اجل معلوم،، وبرأي ان ذلك وحده سيسمح للزائر العراقي بأخلاء مكانه لاخيه الزائر الاجنبي عل بركات ال البيت الاطهار المتأتية من السياحة الدينية تسد ما عجزت عنه مليارات النفط من ابسط حاجات الشعب.
وليت السيد رئيس الوزراء يطلب من وزرائه ومستشاريه اعداد مثل هذا المشروع كل بحسب اختصاصه ليفعل ما فعلته المملكة العربية السعودية بعد موافقة هيئة كبار العلماء على برقية الراحل الملك فهد.
ليس ارواح زوار العتبات المقدسة وحسب وانما روح اي موطن عراقي مهما كان دينه او طائفته هي في صلب مسؤلية رجال الدين كافة،، وفي مقدمتهم الحوزة العلمية في النجف الاشرف ومراجعها العظام،،ويقني انهم لايرون مصلحة اولى من اهدار دم المؤمنين على ما يمكن تأجليه او الاستعاضة بغيره عنه دفعا لمفسدة اعظم.


[email protected]

ــــ
* المعروف تأريخيا ان الشيعية الكيسانية (لايشترطون العلوية الفاطمية) ومنهم المختار الثقفي هم اول من دعى لبيعة ال محمد-ص- مستعينين بقوة نفوذهم في الكوفة في اواخر العصر الاموي وكانوا يدعون لبيعة ابي هشام بن محمد بن الحنفية الذي كان يزاور هشام بن عبد الملك الى توجس منه الاخير فاوكل اليه من يدس اليه السم بطريق عودته الى الكوفة وقبل ان ينال منه السم ادرك (الحميمة) في بلاد الشام حيث كان يلوذ بها رهط من بني العباس خوفا من يظفر بهم الامويون فأوصى ببيعته الى محمد بن علي بن عبدالله بن عباس الذي اوصى بها هو الاخر الى ولده ابراهيم الامام وهو من اوكل الى ابي مسلم الخراساني قيادة الثورة ضد الامويين في خراسان داعيا لبيعية (ال محمد من البيت العلوي والعباسي) براية واحدة،،وبعد ان وهنت الدولة الاموية اجمع البيتان على وجوب البيعة لاكثر ال محمد ndash;ص- وجاهة فأجمعوا على اختيار محمد بن عبدالله (النفس الزكية ) لمبايعته وهو ما نكث به العباسيين لاحقا، ويروي ابن كثير في البداية والنهاية ان ابا مسلم لما استتب له الامر اراد البيعة لجعفر بن محمد (الصادق) لكنه ابى معتبرا ان ابا مسلم ليس من رجاله وليس الزمان زمانه وهذا مايراه المحدثون رغبة في سلوكه - ع ndash; لبناء المجتمع السليم بعيدا عن متغيرات السياسية- وهو لعمري الدور الحري ان يأخذ به كل رجال الدين المسلمين سنة وشيعة.
ويضرب المسعودي في مروج الذهب(ج3 ص254) مثلا اكثر وضوحا عن زهده عليه السلام في السلطة الدنيوية، فلما ارسل اليه ابو سلمة الخلال وهو من دهاة الدعوة لبيعة (ال محمد) ص- في الكوفة عارضا عليه البيعة فأنه اجاب رسول ابي سلمة: (مالي ولابي سلمة وهو شيعة لغيري)،،ثم امر خادمه ليدني السراج فأدناه فوضع عليه كتاب ابي
سلمة واحرقه دون ان يفتحه وقال قد علمت جوابي لصاحبك.