الصديق الشاعر والباحث هوشنك بروكا كتب نصاً جميلاً ( قف لنبك) في موقع quot;إيلافquot; عن ذكرى المبدع الراحل محمود درويش. نص هوشنك سبقه عشرات، وربما مئات، النصوص التي كتبها شعراء وصحفيون وكتاب اكراد في مناسبة رحيل شاعر الثورة الفلسطينية. تلك النصوص رثت درويش، وأشار واضعوها، كل بطريقته، إلى مكانة درويش وشعره في حياة وتاريخ فلسطين والعرب.

وكنت أسأل نفسي وبعد قراءة كل نص، ترى لو كان درويش المتوفي كردياً، هل كنا سنشهد كل هذا الرثاء العربي له؟. بكلام آخر، لو رحل شاعر كردي كبير، يقابل درويش في المكانة والإبداع لدى قومه الكرد، هل سنقرأ عشرات ومئات النصوص العربية ترثيه وترثي أدبه ونضاله في صفوف ثورة الشعب الكردي؟.

بإختصار، وبلا لف أو دوران، لا أعتقد...

الكرد تحدثوا طويلاً عن درويش وشعره وتجربته بلغتهم الكردية، وكذلك بالعربية، وغيرها من اللغات التي ملكتها يمينهم. وقبل درويش تحدثوا كثيراً عن شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، وكبتوا فيه المؤلفات والدراسات وعقدوا على شرفه المؤتمرات. قد يكون للأمر علاقة بموقف كل من درويش والجواهري حيال قضية الأمة الكردية المجزأة. فدرويش كتب قصيدة quot; كردستانquot;، بينما سجل الجواهري مطولة مدهشة عن نضال الكرد.

فماذا عن الجانب المقابل؟.

في خبر نشرته صحيفة quot; القدس العربيquot; اللندنية( 7ـ8ـ2008) تحت عنوان ( الشاعر الكردي شيركو بيكه س في بيروت في أمسية غاب عنها الشعراء) ذكر مراسل الصحيفة ناظم السيد بأن شعراء العربية لم يحضروا اللقاء، وإن الحضور إقتصر على بعض العراقيين من العرب والكرد، الذين quot;راحوا يتبادلون الحديث عن بيكه س بالكردية ويلتقطون الصور معهquot;. ونقل المراسل عن الشاعر اللبناني إسكندر حبش هذه الجملة quot;عيب على الشعراء في لبنان أن يكون 'بيكه س' في بيروت ولم يحضر منهم أحدquot;. ويفهم المرء من عدم حضور الشعراء العرب اللبنانيين موقفهم الإستعلائي من الشعر والأدب الكرديين، ونزعة الإستكبار التي ترى في الكردي تابعاً، ينبغي متابعة الوصاية والحجر عليه، وأي تمظهر قد يقوم به هذا الكردي ويبين شيئاً من خصوصيته، فهو إنفصال وتمرد ينبغي التصدي له ومقاطعته، حتى ولو كان ندوة شعرية عابرة.


***

أمة العرب قلما تتحدث عن الآخرين ومناقبهم. هي تترفع عن الإشادة بالآخر وكيل المديح له او وضع الرثاء العميق فيه. العرب أمة، المزاج السائد لدى خاصتها وعامتها يميل إلى الأنفة والإستعلاء على خلق الله. وهذه الثقافة آتية من النص الديني الذي صوّر العرب quot; خير أمة أخرجت للناسquot;. أمة الرسالة والقرآن والمعجزات. لذلك، فإن العرب تمدح نفسها وتتوقف عند ذلك الحد. اما الآخر، فهو quot;المجوسيquot; وquot;الشعوبيquot; وquot;الطورانيquot; وquot;الرافضيquot; وquot;المندسquot; المرتبط بالإستعمار والصهيونية...

هل قرأتم مايقوله الرحالة إبن فضلان عن شعوب أوروبا في رحلته قبل ألف عام من الآن؟.

الحق، إن العرب أسرى ثقافتهم التي لاتعترف بأي إنسان يختلف عنهم في العقيدة. وإلا فكيف تفسرون كل هذا الإرهاب وكل هذه الشرور الآتية من المعين العربي لثقافة التحجر؟ أنظروا في الصين والهند، وهما نصف سكان العالم، هل ترون من يٌكفر الآخر ويحاول، بقوة السيف والديناميت، فرض دينه عليه وفتح معتقده المجهول، فتحاً بيناً؟.

***

عند وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، أصدر كل من حزب العمال الكردستاني وحكومة اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق) بيانات تنعي القائد الفلسطيني الكبير، وتتحدث عن نضاله في قيادة ثورة شعب فلسطين. هذا رغم مواقف عرفات الخاطئة في تأييد سياسة الديكتاتور العراقي صدام حسين ضد الكرد ومجمل الشعب العراقي.

الكرد وللآن، يبتعدون عن اقامة العلاقات مع إسرائيل لخاطر العرب. ورغم ان اسرائيل هي دولة قائمة في منطقة الشرق الأوسط ومعترف بها من جانب المجتمع الدولي ومؤسساته الرسمية، لكن الكرد وتخوفاً من زعل الأخوة العرب، يتهربون من اية اتصالات مع إسرائيل الرسمية والشعبية كذلك. حتى هنا في المهجر، أصبح الكردي وعندما يصادف إسرائيلياً يلتفت يميناً وشمالاً خشية ان يكون اخاه العربي قد لمحه وهو يرتكب quot;الخطيئة الكبرىquot;.

هذا رغم الواقع الذي يقول بان الإسرائيليين موجودون في كل عواصم العرب، ولديهم السفارات والملحقيات العامرة في بلاد أولاد عمومتهم الواسعة، الممتدة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر...

حتى لو صافح الكردي إسرائيلياً متأبطاً ذراع الرئيس الفلسطيني نفسه، فإن الطامة هنا كبرى والرد حارق صاعق. لسان حال العرب يقول: حلال عليّ وحرام عليكم معشر الكرد...

***
رفعت الأسد معارض سوري. كان في زمانه جباراً من جبابرة الشرق. تقول أدبيات الإخوان المسلمين بانه كان وراء إعطاء الأوامر لجنود quot;سرايا الدفاعquot; بقتل مئات المعتقلين الإسلاميين في سجن تدمر الصحراوي. ولأجل خاطر الجماعة المؤمنة، فإن لااحد من الكرد يتجرأ في الإتصال برفعت وحزبه، ويظل أغلب الكتاب والساسة والصحفيين الكرد يتهربون من المشاركة في فضائية رفعت مراعاة لمشاعر اخوتهم في المعارضة السورية الإسلامية.

فماذا عن الجانب المقابل؟.

من نافل الكلام القول بأن الأغلبية الساحقة من قوى الإسلام السياسي كانت تؤيد سياسة صدام حسين وجرائمه ضد الأبرياء الكرد. كان هؤلاء يبررون قتل صدام لأطفال ونساء الكرد وحرقهم بالكيماويات بquot;سعي الأكراد للإنفصال وتخابرهم مع إيرانquot;. بل إني سمعت قيادياً في الإخوان المسلمين وهو يقول بالحرف في إحدى غرف الدردشةquot; بيستاهلوا كلهم الموت، هم خانوا صدام وغدروا فيه، وهاي نتيجة الخيانة والغدرquot;.

الأطفال والنساء يستحقون الموت لأن بعض quot;القيادات الكردية تخابرت مع إيرانquot;، أو رفضت مد رقبتها على النطع الصدامي، فكان ان استحقوا الموت في عرف جماعة quot; الإسلام هو الحلquot;.


***
أوليس هذا هو عين المنطق الكارثي المدمر، الذي كان وراء بقاء العرب في ذيل امم الأرض. كان وراء تأخرهم في التنمية والثقافة والفن والرياضة والإبداع. المنطق الديني النصّي، المتحجر المتكلس، المتقوقع، هو الذي حوّل بلاد العرب الآن إلى خرائب ودفع بشبابهم إلى ركوب الأهوال على أمل ان تقذف به موجة في غرب المتوسط. هو المنطق عينه الذي جعلهم يخرجون ب8 ميداليات ذهبية في أولمبياد بكين، مقابل خروج الروس ب23 ميدالية، علماً بأن العرب يزيدون الروس بضعفين وأكثر...

أوليس هو ذلك المنطق، الذي جعل الشعوب العربية تتراكض، وتتطالق، وتتشاجر، وتفتي، وتصدع رؤوسنا، لمجرد مشاهدتها مسلسلين تركيين، تحمل فيه الفتاة quot;دون زواج شرعيquot;، ولايحدث قتل أو غسل للعار؟. حتى الصحافة الألمانية تكلمت عن quot;الإنفجارquot; الذي احدثه كل من quot;مهندquot; وquot;نورquot; وquot;يحيىquot; في العالم العربي.

أمة يهزها مسلسلان وينشغل quot;علماؤهاquot; بالرد عليهما هي أمة نائمة في العسل الأسود، كل مساهمتها في الحضارة الآن هي تعليب وتصدير ثقافة الحشاشين وفكرهم.

أمة مسيرة التنمية فيها توقفت، وسجونها توسعت، ومدارسها تعطلت، وأصاب الصدأ سلاحها لن تقدر سوى على منح الكره وباهت الكلام والفعل.

أمة ينشط علماؤها ـ سراً وعلناً ـ في إقناع الشباب بأن quot;الآخرة خير وأبقىquot; وquot;ما الدينا سوى دار فناء وزوالquot; لن تنجح في صنع المستقبل، بل ستجتر غابر الماضي و..تجتره.. وتجتره، وتعيش على الأحلام، حتى يرث الله الأرض وما عليها....

طارق حمو
[email protected]