تعود مشكلة مدينة كركوك إلى الواجهة من جديد بعد التصويت السري للبرلمان العراقي على قانون يسمح بتقسيم المدينة إلى أربعة دوائر انتخابية، وهو ما نقضه رئيس الجمهورية (الكردي) جلال الطالباني في أكبر عملية استثمار كردية لمنصب الرئاسة التي لولاها لكانت كركوك تشهد الآن مواجهات مسلحة بين أطرافها المتنازعة.


رئيس إقليم كردستان اعتبر أن ما جرى كان مؤامرة ضد الشعب الكردي، وهو تحذير يصل لدرجة تهديده بالانفصال عن العراق، فيما تنظر كل من تركيا وسوريا وإيران بعين الرضا إلى تهديد العشائر العربية باللجوء إلى القوة في حال قام الأكراد بضم المدينة إلى إقليمهم، وإشارة الناطق باسم العشائر العربية باللجوء إلى القوة لم يكن مشروطاً باستخدام الأكراد للقوة في المقابل لضمها، وهذا يعني انه حتى لو اختارت غالبية سكان كركوك الانضمام إلى إقليم كردستان فإن الديمقراطية ستجابه بالسلاح. ومثل هذا التهديد هو أبعد ما كانت تتصوره تركيا وذلك بزج العرب في معادلة الصراع مع الأكراد بدلاً من التركمان كطرف ضعيف لا يحظى بأي مساندة داخلية حتى في الأوساط التركمانية نفسها المنقسمة بين الولاء للسنة والشيعة والقومية التركمانية. استطاع الاتراك استثمار العرب لمصلحتهم.

لم يعد هناك متسع من الوقت للأكراد في انتظار الإجراءات الدستورية لضم المدينة، ويلوح في الأفق لجوء الأكراد الزحف العسكري المدينة ونواحيها على غرار ما قامت به قوى المعارضة اللبنانية المسلّحة ( حزب الله، حركة أمل، الحزب القومي السوري) وهذا ما يمكن أن نسميه مغامرة الخاسرين التي إما أن تصيب وإما أن تقتل صاحبها، وهو يشكل لهم الحل الأخير بعد أن سقطوا في اللعبة الإقليمية خاصة مع تركيا التي تقصف المناطق التي يتواجد فيها حزب العمال الكردستاني في أقاصي كردستان العراق الجبلية تحت أنظار بل ومباركة رئيس الجمهورية العراقي جلال الطالباني، ومن جهة تقصف إيران معاقل حزب الحياة الحرة الكردستاني.


ضم كركوك بالقوة العسكرية لن يكلف الأكراد الكثير من التضحيات وسرعان ما ستتهاوى القوة العشائرية العربية والقوة التركمانية المبعثرة بين بلدات متباعدة أمام الزحف العسكري الكردي المنظم، لكن السؤال إلى أي مدى سيحافظ الأكراد على المكاسب التي سيحققونها بقوة السلاح عندما يضطرون إلى الجلوس على الطاولة للحوار والتي كانت شؤماً على الأكراد تاريخياً؟


التوافق الإقليمي السوري الإيراني التركي في أوج قوته ضد أي مطامح كردية مشروعة في ضم كركوك إلى كردستان، وهذا التوافق مسؤول عنه بصورة جزئية أكراد العراق أنفسهم عندما تجاهلوا تشكيل جبهة كردية مضادة مؤلفة من الحركات الكبرى في إيران مثل حزب الحياة الحرة الكردستاني، وفي تركيا حزب العمال الكردستاني،الأمر الذي دعا له الزعيم الكردي المعتقل لدى تركيا عبد الله أوجلان مراراً و الذي يرى الأمور من سجنه بشكل أوضح من أولئك الأكراد في قصورهم، فالحسم العسكري سيلجأ له الأكراد حتماً إذا لم ينجحوا في ضم كركوك بالطرق الدستورية، لكن الوقت سيكون متأخراً، والأكثر من ذلك أن التوقيت خاطئ جداً، فعدم حسم المسألة بالطريقة العسكرية في السابق نقل صورة إلى المجتمع الدولي بأنه لا يمكن لطرف واحد أن يستأثر بزمام الأمور في كركوك، وهو ما انعكس في توصيات المبعوث الأممي ديمستورا الذي اتهمه الأكراد بعدم مراعاته لمصالحهم. وأي حركة مخالفة لهذا الاتجاه ستجعل أكراد العراق يخسرون بضعة مؤسسات دولية تبدي تعاطفها معهم، ويصبحون بالتالي خارج الشرعية بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الإطاحة بالنظام العراقي السابق.


سيقع الأكراد في الفخ مرة أخرى عندما يوافقون على تأجيل الإقرار على قانون الانتخابات أو الاتفاق على وضع كركوك حتى إشعار آخر، فهل يعتقد أكراد العراق أن تركيا ستنتظر متفرجة على ما الذي سيفعلونه حتى ذلك الوقت ؟ إن بروز عرب كركوك إلى واجهة المعارضين بدلاً من التركمان يحتاج من الأكراد إلى مراجعة ما الذي فعلته تركيا خلال التأجيلات المتكررة لحسم وضع المدينة، وهناك الكثير من المسؤولين الأكراد يتحسرون حالياً لعدم ضمهم المدينة منذ أول يوم دخولهم إليها مع القوات الأميركية قبل خمس سنوات، مشهد الندم أصبح مسرحية كردية بامتياز.

حسين جمو