قال نوري المالكي قبل أيام :quot; إن بول بريمر قد ارتكب أخطاء كثيرة في العراق لا تقل خطورة عما ارتكبه الإرهاب، وما زلنا نعاني من تلك الأخطاء ونعمل على معالجتهاquot;.

لكنه لم يقل ما هي هذه الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها بول بريمر، إن الموضوعية التي ينبغي أن يتحلى بها رجل هو رئيس للوزراء تقتضي منه تحديدها بدقة في الأقل لكي يعيها الناس،
ويساعدونه في حصرها وتصفيتها، وعدم تركها تفرخ أخطاءً وخطايا أخرى!

لا شك إنه لا يقصد من هذه الأخطاء، أن بول بريمر إن قد تدخل في تصميم ساحة الطيران في بغداد، أو إنه قد ضيق استيراد الدجاج المجمد ليكون من جزر الكناري فقط، ومنع استيراد القرفة من الصين،أو النرجيلة من الهند، لابد أنه يقصد قضايا أكبر وأخطر من ذلك بكثير!

فالمعروف أن القضية الكبرى الرئيسية التي عمل عليها بول بريمر هي هدم الكثير من ركائز الدولة العراقية ومؤسساتها وحل الجيش، وسن دستور لبناء دولة أخرى وتنظيم الحياة السياسية فيها،ومحاولة تشجيع أنشطة المجتمع المدني. وهي قد جاءت كما نراها اليوم قائمة على أسس : دينية وطائفية وقومية وحزبية وعشائرية!

فهل يريد المالكي القول أن هذه العملية قد خرجت من رحم بول بريمر؟ حاملة ملامحه وملامح أجداده الكفرة والملحدين؟ وإنه وحده مسؤول عن هذه الولادة المشوهة ؟ إذا كان الأمر كذلك فإن المالكي نفسه، بصفته الابن الشرعي لهذه العملية هو أحد أخطاء بول بريمر! وإن تنكره لبول بريمر هو نوع من العقوق والجحود! وإن هذا التصريح يضره كثيراً ولا ينفعه في شيء!

أما إذا كان الأمر كما يقول بول بريمر في مذكراته وتصريحاته اللاحقة وما يفهم منها، وليد نهج وغايات الأحزاب الدينية والقومية والجماعات والشخصيات البارزة الذين أصروا على حل الجيش ( خاصة قادة كرد ) وحل الكثير من مؤسسات الدولة، وصياغة الدستور بهذه الشاكلة وإنهم هم من صاغ ديباجته الطائفية ( الحكيم وحمودي وغيرهما ) وبنوده التفكيكية وشكل مجلس الحكم،بطابعه الديني الغالب، ووفق نسبه الطائفية والقومية حتى أنهم رفضوا إشراك المرأة فيها وبذل جهداً شاقاً لإقناعهم بمشاركتها.

وهم من تصدى وحاصر مجلس إعادة إعمار العراق الذي جاء معه والذي كان يضم قرابة150 خبيراً من الرجال والنساء هم من خيرة التكنوقراط العراقي.وإنه كان ينوي تأجيل الانتخابات العامة لظرف أفضل لكنه لم يستطع إقناع المرجع الشيعي الأعلى على السيستاني الذي أصر على الإسراع بها ودعم جهة دون أخرى بفتاواه ومباركته، وبالتالي جاءت نتائجها بما هي عليه اليوم من خلل وإجحاف وانحراف!

وبهذا تكون الأخطاء هي نتاج القوى والأحزاب والمرجعيات المتصدرة الساحة، بل هي متخمة بأخطائها وخطاياها ولا تحتاج لأخطاء وخطايا الآخرين! ويكون المالكي النتاج الشرعي لأخطاء جبهته الطائفية والحزبية!

ويستطيع بول بريمر أن يقول أنه رحل منذ أربع سنوات ولم يبدأ الذين تولوا الحكم بعده من منطقة الصواب، بل يصرون دائماً على البدء من منطقة الخطأ،ومن المنطقة الخضراء فقط لا المناطق كلها!

لقد كان المالكي وإلى ما قبل أيام يعلق كل فشل تجمعه القائم على المحاصصة والحزبية الضيقة وكل هذا الخراب والحصاد المر في الوضع على شماعة البعثيين،ولا يفوت مناسبة أو حديثاً إلا ولعنهم وتوعدهم رغم إن قسماً منهم صار ضمن عصبته عبر الرداء الطائفي!

لكنه الآن انتقل إلى موجة جديدة فصار يعلق هذا النقص المريع في الكهرباء والماء وانتشار الأمراض الفتاكة واغتيال المثقفين وبقاء الوضع الأمني هشاً قلقاً وغيرها من الكوارث على شماعة بول بريمر! وهذا مؤشر عجز ومغالطات تذكرنا بالذرائع المدمرة للعهود السابقة.

فهناك الكثير من المهمات لم يستطع إنجازها وفي مقدمتها المصالحة الوطنية والتسوية السياسية العامة في البلاد والتي هي العامل الرئيس في استتباب الأمن والحد من الفساد المستشري والتقدم بما يكفي في مجال الخدمات والبناء والاعمار!

وسواء كانت الأخطاء الكثيرة التي هي أخطر من الإرهاب هي من صنع بول بريمر أو من صنع المجموعات السياسية التي تحدثت مع بول بريمر بصفتها ممثلة للشعب العراقي وانتزعت الحكم لها واحتكرته فإنها أخطاء رهيبة حقاً وتقتضي المعالجة دون تأخير، والمالكي نفسه وعد الناس بمعالجتها ولكن عدم تشخيصه لها سيجعل الناس تعتقد أنه سيكتفي بإطلاق استيراد النارجيلات من الهند،والقرفة من الصين، بينما هي تتطلع لأن يقوم المالكي بإعادة سور الصين إلى الصين بعد أن جاءت به تشكيلته الطائفية والقومية والحزبية إلى بغداد والعراق كله وجعلته يلتف بين بيوتهم ويجثم على صدورهم، ويحجب عنهم الشمس والماء الهواء!

على المالكي أن يكون ضمن حلم الناس بقائد وطني فيصفي هذه الأخطاء بغض النظر عمن صنعها سواء بول بريمر أو الحلف السياسي الذي ينتمي هو إليه، ويبدأ العملية السياسية من جديد،ويحرص على أن تجري الانتخابات المحلية والعامة المقبلة بكل شفافية وأمانة ودقة ودون تدخلات أو فتاوى لتنهض دولة جديدة وحكومة جديدة تستندان على أسس المواطنة والكفاءة والنزاهة والحقوق المتساوية وحب العراق والولاء له لا لغيره أية دولة كانت إيرانية أو تركية أو حتى عربية،فلا ولاء ولا خضوع إلا للعراق، وأهل العراق عرباً وكرداً وتركماناً وآشورين ومندائيين ويزيديين وغيرهم من قوس قزحه الجميل، ولا بأس أن تقوم علاقات جيدة ومتينة ومصالح مشتركة مع أية دولة إقليمية أو أجنبية تبادل العراق نفس الشعور ونفس المصالح والمواقف والسلوك!

بهذا يكون المالكي قد تجاوز أخطاء الماضي،وشماعاته المضللة، واتجه نحو المستقبل وشموعه الكثيرة!

إبراهيم أحمد