اتصل بي وكتب لي بعض الاصدقاء والزملاء يحثوني على قراءة ردود الافعال الكثيرة حول مقالتي التي نشرت في ايلاف تحت عنوان (الشيعة والمستقلة )، بنفس الوقت الذي استلمت على أميلي الخاص الكثير من الرسائل التي تحمل سمات quot; عربية quot; خالصة من خلال التهجم واستخدام الشتائم البذيئة والتي يبدو لي ان اصحابها ارسلوها الى ايلاف ولم تجد طريقها للنشر ضمن التعليقات فلم يشفي غليلهم غير ارسالها الى كاتب المقالة بشكل مباشر، وشخصيا لم تصيبني الصدمة ولم تاخذني الدهشة فنحن امة انحرفت عن مسارها الانساني والتاريخي والرسالي والحضاري بشكل خطير وكبير حتى استوطنها الضعف وقلة الحجة وفقدان الحكمة. ومن يملك مثل تلك السمات يكون سلاحه دائما سلاح الضعفاء والمهزومين من خلال استخدام فوهات الشتائم المشينة والمخجلة. وانا على ثقة ويقين لو كنت تحت مرمى هولاء الاوباش لوضعو راسي في الكرخ وجسدي في الرصافة. او على مستوى الامة بين تطوان والخليج العربي. وكل الذنب الذي اقترفته هو مطالبتي المستقلة وداعميها ومحرضيها بمخافة الله من الحرب الطائفية التي يشنوها على الشيعة بلا هواده !! وخشية السماء بهذه الامة التي تمتلك من عناصر الفرقة مايكفيها لقرون عدة قادمة.

مااثار انتباهي ببعض التعليقات و ايضا بعض الاميلات التي وصلت لي، هي مطالبة البعض والاصرار على محاكمة السيد السيستاني كمجرم حرب !! ومبررات هولاء الفطاحل quot; مثلا ان السيستاني قد سلم العراق الى الامريكان !! او انه قد فتح حدود العراق امام القوات الاجنبية !! او انه محرض على قتل السنة !! واحدهم تمادى لحد المطالبة بمحاكمته لمجرد انه فارسي وليس عربي !! quot;. وكل هذه المبررات لاتحتاج الى عناء الرد عليها بشكل مباشر لانها عبارة عن اكاذيب وهلوسه لها اسبابها الاخرى غير المعلنة. فالسيد السيستاني لم يكن يحمل لقب quot; القائد القومجي الضرورة quot; حين دخلت قوات التحالف الى العراق عام
2003 ولم يكن يوعد العرب بنصر مبين في امهات الخسائر العربية!! بل ان هذه الامة المغلوبة على أمرها غنت ورقصت وصفقت حتى اخر نفس لرموز هزائمها الشنيعة. اما فقط كون السيد السيستاني من اصول ايرانية ومن قومية ليس عربية، فهذا وحده يكفي لمعاداته والمطالبة الساذجه بمحاكمته!!

فمثل هكذا تصور وسلوك بالتاكيد يحمل الكثير من العنصرية ومن امراض التاريخ المريض الذي مازلنا ندفع ثمنها حتى يومنا هذا. وفي المقابل هل يطالب المواطن العربي باحترام رموز القاعدة الارهابية لمجرد كونهم quot;عرب quot; !! هذه فعلا ستكون معركة quot; ام المهازل quot; لان اوباش القاعدة ذبحوا العرب قبل غيرهم وجرائم العراق والرباط والجزائر والقاهرة والرياض وعمان واليمن خير شاهد على ذلك. بينما لم نسمع ولايمكن اثبات على الاطلاق ان المرجع السيستاني قد دعى ولو بحرف واحد الى قتل وبطش بانسان، بل اتذكر جيدا عندما تكلم معه د. موفق الربيعي واصفا السنة العرب في العراق quot; باخوتنا quot;. قاطعه الرجل وهذه حالة ناردة ان يقاطع متحدث امامه قائلا quot; لاتقل اخوتنا بل قل أنفسنا quot;.

وعندما امتد ارهاب القاعدة من حواضنه في العراق وحتى منطقة اللطيفية حيث قام الاوباش بقطع رقاب كل متوجه لزيارة الآئمة المعصومين في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، لا لسبب معين سوى الاختلاف المذهبي. حتى امتد غيهم واجرامهم الى حد الصعود الى الجنازة المتوجهه الى الدفن في النجف الاشرف وقطع راس حتى quot; الميت quot;، حينها اتذكر واعرف جيدا الكثير من شيوخ العشائر العراقية من اهالي الفرات الاوسط والجنوب وامتداداتهم الكبيرة في بغداد الذين ذهبوا الى المرجع السيستاني مطالبينه بالسماح لهم باكتساح كل تلك المناطق التي كانت تحتضن هذا الفكر الظلامي المجرم. سجل الرجل سابقة لم تسجل عليه في وقت سابق حيث quot; رفع صوته بكل قوة quot; رافضا مثل هكذا تصرف وهكذا ردود افعال رغم تفهمه جيدا لحجم الالم الكبير والحزن العظيم التي تعاني منه هذه العشائر بسبب فقدان واستهداف ابنائهم من قبل القاعدة وداعميها.


فاذا كانت هذه هي كبرى ذنوب السيستاني التي يستوجب محاكمته عليها. فماذا بقي لشيوخ الموت والتكفير والتحريض على القتل والطائفية!! والذين لم يسلم منهم انسان خالفهم الرأي او حتى صحفي او اعلامي او فنان. وماذا بقي لشيوخ البلاط من اصحاب فتاوى quot; الجملة quot; التي تحلل قتل الشيعة بالجملة فقط لانهم شيعة لااكثر.

فلنكن واضحين ان سبب كره وحقد الكثيرين على السيد السيستاني. فقط لان الرجل تصرف quot; بحس quot; تاريخي مع العراق بعد 2003. فالرجل ارجع للغالبية الشيعية في العراق quot; وطنهم quot; الذي فقدوه منذ ثمانية عقود في العصر الحديث ناهيك عن قرون من الظلم والاقصاء. فلقد كان اهل العراق من الشيعة يتمسكون quot; بالوطنية quot; ويتركون الوطن الى أقلية حاكمة بدون اي وجه قانوني او حتى شرعي او انساني. فكان ان مات النخيل والبشر والاشجار والاهوار في الجنوب والفرات الاوسط واهلهم في بغداد واستفردت قرى نائيه ومدن صغيرة بحكم البلد وثرواته التي تجري من ارض الجنوب وليس غيرها.

فابن تلك القرى هو الرئيس ونائب الرئيس وابن مدن الخير العراقي هو الموظف الصغير وابن تلك القرى هو الوزير وابن الجنوب عليه ان يعمل كعامل كهرباء فقط وابن تلك القرى النائيه هو السفير اما ابن مدن الخير لايصلح الا لتقديم الشاي في عقيدة هولاء الطائفيين!! وقائد الفرقة والفيلق واللواء من تلك القرى النائيه اما ابن بصرة السياب وميسان التاريخ لايصلح الاان يكون جندي في ذلك الجيش quot; العرمرم quot;. ومحافظ الناصرية من تلك القرى النائية اما ابن المحافظة فحصته من العراق الاغتراب والتهجير، وابن تلك القرى هو مدير جهاز الامن والشرطة والمخابرات اما ابن السماوة فحصته من العراق ان يقدم جلده لهذا الجلاد !! ومدينة الكاظمية المقدسة يتم تغيبها بالقسر والاجبار والاضطهاد وتحضر الاعظمية على الرغم ان quot; ابو حنيفه quot; هو احد تلاميذ الامام جعفر الصادق quot;عquot; و ان ابو حنيفة فارسي القومية وليس عربي لكن شفاعته له عند الزمرة quot; القومجية quot;الحاكمة حينها كونه ليس quot; شيعي quot; !! تخرب مدن مقدسة مثل النجف الاشرف وكربلاء المقدسة فقط لانها رموز دينية واسلامية لكن عين الانظمة الطائفية التي توالت على حكم العراق كانت تراها شيعية ليس الا. وهذا وحده مبرر كافي لخرابها. ومن يملك ذرة صدق وانسانية فلينظر الى جغرافية المقابر الجماعية سيرى 420 مقبرة جماعية مكتشفة لحد الان فقط في الجنوب والفرات الاوسط كنتيجة طبيعية لحكم جائر وطائفي وعنصري واجرامي وحكم أقلية خائفه وقلقه.

ان السيد السيستاني وكما قلت تعامل مع كل هذه الامور وغيرها الكثير بحس تاريخي، ووطني افتقده الكثيرين ممن يدعون عراقيتهم. فالرجل لم يتعامل كما فعل عبد الرحمن النقيب في اتفاقه مع كوكس عندما اقصى الشيعة من الوزارة الاولى. بل ان السيستاني كان دوما يطالب بحصة كل القوميات والطوائف الاخرى. والرجل لم يرحب بالاحتلال الاميركي كما فعل عبد الرحمن النقيب في العشرينات من العقد السابق، بل انه أصر ومازال على خروج القوات الامريكية.

والرجل لم يبني لعراق يحكمه الشيعة دون غيرهم كما فعل النقيب حين تفرد لطائفته بحكم العراق ووضع اللبنة الاولى من الطائفية السياسية والاجتماعية في العراق الحديث. بل ستبقى علامة فارقة ومميزة تحسب للسيد السيستاني انه طالب وأصر ان يكتب الدستور ابناء العراق كما أصر على اجراء الانتخابات الاولى في التاريخ العراقي. واجزم ان هذه هي طلقة الرحمة التي قتلت كل اوهام المتفردين بحكم العراق في التاريخ العراقي الحديث. ان السيد السيستاني وهو ايراني الجنسية يحسب له ان طالب بصندوق الانتخابات لكل العراقيين دون استثناء بينما النقيب من بداية العشرينات من القرن الثاني وورثته حتى نيسان 2003 كانوا لايرون العراق الامن خلال طائفه واحدة وأقلية حاكمة. ومثل السيد السيستاني يستحق الاحترام والتبجيل لانه جمع بين الوطنية والوطن الذي كان ضائعآ. بينما من أسس للعراق الطائفي منذ الاحتلال العثماني وحتى نيسان 2003 هو من يستحق المحاكمة والجزاء العادل.

محمد الوادي
[email protected]