بدأتإيلاف ديجيتال، اعتبارا من الخميس (19 أيلول 2008) نشر تعليق يومي مخصص لأسرة التحرير في quot;إيلافquot;. التعليق يتناول تطورات الأحداث في مختلف القضايا والجوانب. ما يُنشَر خلال أيام الاسبوع، سيُجمع وننشره في ملف واحد صباح كل ثلاثاء، ليطلع عليه من لم يحظ باشتراك في quot;إيلاف ديجيتالquot;، الغنية ايضا بمقالات نخبة متميزة من الكتاب، بالاضافة الى الأخبار والتقارير الخاصة، التحليلات الاقتصادية، التحقيقات الميدانية، والمتابعات الثقافية والفنية.


د. أسامة مهدي: حبر على ورق

صدرت في يومين متتاليين من الاسبوع الماضي فتوتان من أعلى مرجعين دينيين هما صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية وآية الله السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى في العراق حيث اباح الاول قتل مدراء الفضائيات الذين وصفهم بالمفسدين الذين يعمدون إلى نشر الإفساد وحرم الثاني المسلسلات الاجنبية المدبلجة معتبرا انها غزو ثقافي غربي كافر.
ان التهديد بالقتل او منع الناس بقوة التحريم من متابعة ماتبثه الاف القنوات الفضائية سواء كانت عربية او اجنبية ليس هو الحل لوقف هذا التدفق الفضائي الذي يقتحم المنازل من دون استئذان ليكون واحدا من اهم افراد العائلة المؤثرين في توجهاتها.
ان المشكلة ليست في هذه القنوات بقدر ماهي مشكلة اللجوء الى الحلول الاسرع والاسهل لقضايا مهمة وخطيرة.. حلول قد تولد نتائج اخطر. فالتحريض على القتل او التحريم بالقوة يشكل احدى ظواهر فشل الفكر الديني المتزمت الذي يبشر به رجال الدين العاجزون عن مواكبة التطورات العلمية الحاصلة في العالم وادواتها في زمن تحطم الحدود واختفائها لصالح العولمة التي يشكل ما يتدفق من فضاءاتها اخطر مظاهرها.
فمع الاعتبار لدوافع الفتوتين الا انهما تؤكدان عجزا عن القدرة على المواجهة الفكرية لهذا الغزو المضر في كثير من جوانبه بمجتمعاتنا العربية نظرا لما يحمله من مفاهيم غريبة عليها ومؤذية لها. فالكثير من رجال الدين غير قادرين على الانفتاح على مجتمعاتهم ومتطلباتها وخاصة حاجات الاجيال الجديدة منها.. فهم يضعون القيود تلو الاخرى على تطلعاتها وتوجهاتها بشكل يدفع الكثير من شبابها الى رفض هذه القيود والسعي لتحطيمها ومواجهتها بالنقيض المنفلت من خلال ردود افعال معاكسة تفرز نتائج مضادة اكثر خطورة وتقود الى الانحراف أحيانا.
فالمطلوب ليس التهديد وتوسيع دائرة القتل الذي ان تفجرت دمائه فلن يستطيع احد إيقاف تدفقها في زمن تسود فيه الكثير من مجتمعاتنا أفكار ظلامية متخلفة.. وإنما الانفتاح والتفاعل وكسب ثقة الشباب واقناعهم ذاتيا بما هو الاصلح والافيد لهم من خلال تناغم ايجابي مع متطلباتهم وحيث تشكل الفضائيات احدى ادوات تلبية هذه المتطلبات.
فاقتحام رجال الدين عوالم البث الفضائي من خلال تشجيع الاعمال الهادفة والبناءة هو احد الوسائل التي يجب ان يلتفتوا اليها ويساهمون في ظهورها وتشجيعها وانتشارها من اجل زرع مفاهيم بناءة في نفوس الناس تجعلهم يتقاطعون ذاتيا مع متابعة كل مايساعد على افسادهم ويخرب عقولهم وبذلك نكون قد اصبنا تلك القنوات بموت بطيء وزرعنا بالمقابل جذور فكر واع وبناء. وبعكس ذلك فأن تلك الفتاوى ستظل.. حبرا على ورق. (الخميس 18 أيلول / سبتمبر 2008)

***


إيلي الحاج: quot;الغرب المسيحيquot;؟

كلما قرأت أو سمعت أحدهم يتناول quot;الغرب المسيحيquot;، فكرت إنه لا يعرف ولا بأس، ما دمت في الإقامة على رأي أن أحداً يجب ألا يسعى إلى تغيير رأي أحد أو حمله على تبديل في نفسه، وطبعاً كان الأصح تعبير quot;الغرب الآخرquot; ما دام المقصود التعبير عن أنه نقيض، وهو نقيض بالفعل ولكن لغيبية حملتها المسيحية إليه في مرحلة إرهاق وخور مرت بها حضارة العقل والمنطق والعلم التي شعت من أثينا وبعدها روما عاصمة العالم القديم. تسللت المسيحية إلى الغرب وكانت بدءاً في اعتباره بدعة يهودية إلى أن حكمته نهاية المطاف بتحول إمبراطوري.
وتلت السيطرة حقبة حكم ديني قضت على حرية الفكر مدى قرون مظلمة على غرار ما تعيش نواحٍ واسعة من الشرق اليوم، فمن قال إن الزمن واحد على كل الأرض وكل الناس؟ يحدث كثيراً أن تكون إلى طاولة واحدة في وقت واحد مع آخر يسبقك أو يتخلف عنك مئات السنوات.
لكن الغرب ما لبث أن انتفض لقيمه المهدورة وعاد في عصر تنوير تلو عصر نهضة وتخلص من حكم الغيب ليعود إلى حضارة العقل والمنطق والعلم وإن بأثمان غالية خسرت بنتيجتها المسيحية ممثلة بمؤسسة الكنيسة السلطة، ليس على السياسة فحسب بل على أفكار الناس أيضاً، وكانت ذروة خسارتها في الثورة الفرنسية التي انتشرت عدواها وتأثيراتها وانفلشت على أوروبا كلها فبقية العالم. ولم يكن أمام الكنيسة سوى أن تتقبل الهزيمة ثم تحاول مع الوقت الحد من الخسائر بالتنازل أمام الفكر والعلم.
وأذكر إني سافرت مرة إلى السويد بدعوة من وزارة خارجيتها أوائل التسعينيات، وشمل البرنامج زيارة لمسجد ومركز ديني إسلامي، شرح لي الإمام القيّم عليه أن الدولة قدمت واهتمت بكل شيء لتكون الجالية الإسلامية راضية مرتاحة لكنه شكا منعه من رفع الآذان بمكبر صوت، وعندما سألت مسؤولة في الخارجية السويدية عن الأمر أجابت إن كلام الرجل صحيح لكنه لم يخبرك إن قرع أجراس الكنائس أيضاً ممنوع لأنه يقلق راحة السكان.
ومعدل الذين يمارسون الطقوس الدينية في السويد 4 في المئة، أما في فرنسا الكاثوليكية بغالبيتها فتجمّع للقاء البابا بينيديكتوس السادس عشر خلال زيارته أخيراً لها نحو 200 ألف على الأكثر حسب التقديرات، وفي لبنان الأصغر بما لا يقاس مقارنة بفرنسا كان في لقاء البابا يوحنا بولس الثاني عندما زاره عام 1987 نحو 500 ألف. هل نعيش في زمن واحد؟(الجمعة 19 أيلول / سبتمبر 2008)

****

أحمد البشري: هوائيون

يقال إنها فكرة نزلت من الجنة، هكذا يعبر عنها طارح الفكرة في فنلندا، بعد أن اشتهرت الفكرة التي كانت نكتة، أو النكتة التي صدقها الجميع لتصبح فناً وحياة التفت لها كثر خلال العقد الماضي. كان ذلك امتداد حلم اليوميين، أو المهمشين في غرف النوم أو في صالات المنازل، في السيارات، في الشوارع، تخفياً أو أمام ضحك الأصدقاء أو العائلة. لكن تداخل الفنون والجنون لم يُطل انتظار اكتمال أحلام متكسرة في الظِل. إنه العزف على الهواء، أو ما يعرف AirGuitar ليست مزحة، بل فناً يعقد له مهرجان يتحدى فيه عازفو الهواء في العالم في فنلندا. المختلف هو أن مجموعة شباب في أمريكا اكتشفوا أنه منذ اكتشاف هذا التجمع 1996 لم يكن هناك متسابق واحد من أمريكا، الأمر الذي دعاهم لعقد مسابقة لانتخاب ممثل للولايات المتحدة في مسابقة فنلدندا. لم يضحك أحد، تجمهر أناس كثر أمام باب المسرح، أغلق الحرس الأبواب لعدم اتساع المكان لعدد أكثر، السي إن إن نشرت الخبر، محللون أخلاقيون بدأو بالتندر والضحك، وأخذ ديدي الأمريكي اللقب ثلاث سنوات متتالية. عرض المنزل لم يعد كما هو أبداً، العزف الهوائي هو اختيار أغنية مفضلة والبدء بالعزف تماماً كما لو أن الجيتار بين اليدين، دون الخطأ في متابعة النوتة الموسيقة، دون الزيادة على الصوت دون النقص، فقط إعطائها تلك اللمسة التي تجعل الجمهور يصرخ دون وعي وكأنه أمام الموسيقيين الحقيقيين لا أكثر. يصفه البعض بأنه فن التأمل، أو فن الاستعراض المُتلقى من إشارات هوائية، تبدأ بالوعي الكامل بالأغنية ثم التلذذ بتأديتها فردياً، الاتصال الداخلي بالخارجي المتخيل. يصل المتسابقون إلى فنلندا، يُقام بتجهيزهم بعدة دورات تدريبية سواء في الاستعراض، فهم الجمهور، معنى أن تكون عازفاً هوائياً. الفكرة الكلية بجانب الفوز بأفضل عازف هوائي في العالم: هو خلق عالم شعاره الأمان والعيش دون قذارات التنافر العالمي الذي يعيشه الجميع اليوم.
العالم مليء باحتمالات غير متأكدة، الشهرة باتت عالماً تتنافس العقول لها، تتشربها الأجساد، تعاش ذهنياً عبر عوالم هامشية غير متحركة أبداً في الضوء، لكن عزف الهواء استدرج الهم إلى الضوء وفتح الفكرة لمن أراد، دون ضابط، دون قيود، إنهم فقط يحبون الموسيقى ويعيشون صدى الكائن الموسيقي. هذا الخلق الذي يوصل العازف الهوائي بالفنان الأصلي، الحرية في الشعور بين الجمهور وبين الأصل الفني الغنائي، أو التقمص الكامل للمغني دون الاكتراث بمعرفة الفنان أو لا، هي فقط مثل من يسمع أغنية ويتمنى لو كانت له، إنه فن أن تكون الأغنيات الجميلة ملكنا فقط وملك من نحب أن نشاركه انفعالاتها. (السبت 20 أيلول /سبتمبر 2008)


****

عبد الرحمن الماجدي: دراما عراقية

لفتت المسلسلات الفنية العراقية خلال شهر رمضان عناية من المشاهدين، خاصة في العراق، بعد ان كانوا موزعين بين متابعات سورية ومصرية وخليجية، حيث سحبت نسبة غير قليلة من المشاهدين العراقيين في الداخل والخارج لمتابعة هذه المسلسلات التي استطاعت حشد عدد كبير من الأسماء الفنية العراقية والعربية من سورية ومصر تحديداً.

وهو حدث يستدعي التوقف إزاءه كمؤشر إيجابي لتراجع الدراما العراقية الطائفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ترنح تحت وطأتها العراقيون طوال خمس سنوات، وباتجاه مغاير نشهد صعوداً للدراما العراقية الفنية؛ إذ التناسب عكسي بين دراما الشارع ودراما التلفزيون.

فبعد أن اختفت قذائف الهاون التي كانت تداهم الصائمين ساعة الإفطار ليرد من سقطت على شارعه تلك القذيفة بأخرى باتجاه شارع آخر كثأر سريع، وتهرع مجموعات الخطف تفتش عن أي مخالف لها في الطائفة لتصفيه، وسط فشل ذريع للفعل السياسي الحكومي والمعارض المنشغل برعاية تلك المجموعات كظهير له في كسب نقاط تجاه الخصم، وبعد أن مل الجميع تلك اللعبة القذرة تخلص كل فريق من ظهيرة العسكري معلنين موت تلك المأساة التي وصلت نيرانها الجميع بعدالة عراقية فريدة.

فصعود الدراما التلفزيونية العراقية مكان الدراما السياسية بات واضحاً لكل متابع جاد للفضائيات العراقية التي ظهرت بشكل فطري خلال السنوات الخمس الماضية نافخة بنار الطائفية. وقد كسدت تلك البضاعة اليوم لتجد نفسها أمام امتحان صعب تجاوزه؛ بعد أن انعدمت هوية معظم الفضائيات العراقية فنياً حين دست رأسها في أحضان الساسة كأبواق لهم.

فليس أمامها اليوم لتجلب مشاهدين لها عراقياً وعربياً إلا بالتخلص من عفن الطائفية والتعلق بحبال الاحتلال والشارع والميليشيات وأخبار الانتحاريين وقصص الخطف، والبحث عن برامج نوعية ونصوص درامية تحترم المشاهد الذي تقف هذه الفضائيات اليوم أمامه في امتحان أول ظهور جاد للدراما العراقية من خلال شاشاتها منذ سنوات.

فإما أن يقفل أصحابها أبوابها ويبحثون عن مكان آخر لاستثمار أموالهم، أو يحافظوا على النجاح المفترض بأعمال درامية وبرامج محترفة. (الأحد 21أيلول / سبتمبر 2008)

***

فهد سعود: حريّة التعبير

تصنف المنتديات على أنها من أهم مكتسبات الإنترنت، التي أصبح لها تأثير كبير على المتلقي، وعلى صانع القرار أيضاً. نظرا لهامش الحرية اللا محدود فيها، الذي أتاح للكثيرين أن يعبروا عن أفكارهم، وينتقدوا واقعهم بحرية تامة.
ومن خلال مسح شامل للمنتديات على شبكة الإنترنت يتضح جليا أن السعودية صاحبة أعلى نسبة للمنتديات في الدول العربية، سواء كانت منتديات عامة أو رياضية أو ثقافية أو اقتصادية...
ورغم أن هذا الأمر يدعو للفخر، لوجود هذا الزخم الكبير من الحراك الفكري والثقافي، إلا أن متصفح الإنترنت في السعودية يجد صعوبة ومشقة في دخول العديد من هذه المنتديات، لكونها بكل بساطة تعاني من غيوم الحجب الرسمي لها.
هذه المنتديات المحجوبة، هي منتديات وطنية، وغالبية أصحابها معروفون، وما يُكتب فيها، قد يُكتب مثله، وأكثر، في بعض الصحف السعودية، ولكن من خلال متابعتي للكثير من المنتديات التي تم حجبها منذ العام 2001م، وحتى اليوم، أستطيع أن أضع الأسباب الداعية للحجب من وجهة نظري في النقاط التالية.
* أن تكون منتدىًَ ذا توجه ليبرالي، هذا يعني أنك تروج لفكرٍ فاسد. فوجب حجبك.
*إن كانت المواضيع المطروحة في النقاش، هي عن المطالبة بالحقوق الفكرية والاجتماعية للمرأة، -قيادة السيارة مثلاً- وجب حجبك.
*أن تنتقد بعض المشايخ والعلماء لأخطاء وقعوا فيها، أو تصريحات أدلوا بها، وجب حجبك!
هناك أسباب أخرى بلا شك، ولكنني ركزت على أهم النقاط الداعية لحجب تلك المنتديات.
أعلم أن الزمن والتقنية، كفيلان بالتصدي للحجب، وإلغائه كذلك، ولكن ما الفائدة أن يتم التلاعب بالشيء، بدلا من حله، فالقفز عن الحجب ليس هو الحل النهائي، ولن يكون، ولكن في ظل غياب الشفافية والوضوح، وعدم وجود قوانين واضحة فيما يخص سياسية الحجب في السعودية، فإن الصراع الفكري، ما بين التوجهات المختلفة سيبقى حاضرا، وربما لن تكون عبارة أحدهم التي قالها يوما: quot;عندما حصلنا على حريّة التعبير من خلال الإنترنت.. فقدنا التعبير!quot; أقول أن مثل هذه العبارة، وغيرها لن تكون الأخيرة التي تحمل هذا القدر من الأسى. (الاثنين 22 أيلول / سبتمبر 2008)