quot;الكلمات تحكم العالمquot;
فولتير

المؤكد ان للغة سلطة نمارسها من خلال انتقاءنا للنبرة او اللغة الفلانية. كما ان استخدام المفردات ايضا، ليس امرا عفويا، وحتى العفوية منها يحاسبنا علم النفس الفرويدي عليها. في السياسة وخصوصا اثناء النزاعات تكثر الاعيب استخدام اللغة ومفرداتها، وكل يمارسها من موقعه وضميره واهدافه وكذلك مصالحه. لكن الذي يميز المتلاعب المنفرد عن الموضوعي، هو نسبة حيادية اللغة ومفرداتها المستعملة. قد يقول البعض، ولكن ماهي الموضوعية، وأليس من حق الاطراف، ادعاء الموضوعية وعلى قياس ان للحقيقة اوجه عدة؟


حتى لاندخل في مثل هذه المتاهات، ويبدو ان الاطراف التي تريد التجاوز في نزاعاتها على حقوق الآخرين هي التي تحاول خلط هذه المفاهيم، اذ ان من مصلحتها الدخول في متاهات اللغة والنقاشات البيزنطية التي لها اول وليس لها آخر، وهذه انجح الطرق للدوران حول القضية والحيلولة دون دخولها مباشرة. حتى لاندخل هذه المتاهات، ونوفر على انفسنا الوقت والجهد، نقول ان الموضوعية هي استخدام المفردات التي يكون عليها اجماع، او على الاقل هي حق استخدام هذه المفردات دون غيرها، والاهم من ذلك هو احترام هذا الاجماع والالتزام به وعدم المساس به.


هذه الايام وبعد ان اشتد النزاع حول بعض القضايا العالقة بين شعب كردستان وبعض الاطراف الاخرى في العراق، اخذ البعض وللأسف يستكثر علينا حتى وجودنا. اخذ البعض يتهموننا بشتى تهم الارض، لكن اغرب مافي الامر هو ان بعض هؤلاء، يحاولون اضطهادنا حتى في استخدام اللغة والمفردات التي نتحاور بها. الدافع الواضح من وراء كل ذلك هو، الايديولوجيا العمياء التي لاترى الامور الا من خلال منظارها الاحادي الخداع. هم يستكثرون علينا استخدام مفردات يصل اجماع العراقيين عليها حد القداسة. فكل من لايحترم الدستور العراقي الذي يعد التعبير الاقدس عن ارادة العراقيين هو حر في اختياره التسلطي هذا، اما انا فعن نفسي اقدس هذا الدستور سواء اكنت اتفق معه او اتحفظ على بعضه، لالشئ الا لأنه يعبر عن الارادة الحرة لشعبي.


لا اظن ان احدا يجادل في ان الدستور هو الحكم وهو الفيصل، وانا لا اريد هنا ان افصل وافسر في مواده حسب موقعي من النزاع، لكنني اود ان اشدد على نقطة جوهرية اخرى تدل على شدة احترامنا للدستور والتزامنا به، وتدل ايضا على محاولات البعض للالتفاف على روح هذا الدستور ونصوصه وحتى مفرداته. يبدو ان تجاوز البعض على الدستور وعلى ارداة العراقيين جميعا وصل الى حدود خطيرة جدا، والاخطر هو ان هذه الممارسات لاتصدر عن اناس عاديين، بل نراها ونلمسها يوميا من قبل قيادات يبدو انها لاتدرك مخاطر اشتعال النيران في العراق الذي بدأ يستعيد عافيته من جديد.


هذه الايام يصر بعض الساسة على ان الاكراد يستخدمون لفظة المناطق المتنازع عليها للحديث عن المناطق التي يطالبون بها. ويريد هؤلاء تصوير الامر وكأننا ارتكبنا احدى اكبر الكبائر، وفي محاولة بائسة لذر الرماد في العيون، يجادلوننا ويقولون ان هذه اللفظة لاتجوز لخلاف داخل البلد الواحد، وانها تستخدم للنزاع بين الدول، وان العراق بلد واحد، والغرض من كل هذا الجدل معلوم وواضح، وهو اتهام الاكراد بأنهم يرون انفسهم في بلد آخر غير العراق، لذا فالجانب الكردي يتعامل مع العراق مثل الغرباء، وهذه واحدة من اخطر دلائل العقلية الاقصائية التي لازالت تتمركز في شرائح من ساسة العراق وللأسف الشديد شرائح من مثقفيه ايضا. والكارثة الكبيرة هي ان بعض الكتاب والمثقفين اخذوا يطبلون لهذه الحرب التي اشعلها البعض على صعيد اللغة والامل ان لا تتطور وتصل الى حرب بالاسلحة النارية.


اقولها وبكل صراحة ان تلك المناطق هي مناطق متنازع عليها، وكل محاولات التضليل هذه لن تنطلي على الشعب العراقي والغيورين على مستقبل العراق ووحدته واستقراره وازدهاره. نعم، هي مناطق متنازع ولأسباب كثيرة اغلبها يتعلق بحقوق شعب اضطهد على مدى التاريخ لاجباره على التخلي عنها ولم يرضخ، اغلب هذه الاسباب تتعلق بقضية الحق الذي يناضل من اجل احقاقه، لكنني لن اكرر هنا قائمة الاسباب التاريخية والحقوقية، بل سأكتفي بسبب اقوى من كل ذلك، واشدد على انتمائي الاصيل للعراق الاتحادي الديمقراطي الذي اتمنى ان نبينه. السبب في استخدامي للفظة المناطق المتنازع عليها والاصرار على استخدامها هو انني احترم ارادة شعبي والتزم بدستوره الذي صوت عليه بملئ ارادته الحرة. وهذا بالحرف ماينص عليه دستور العراق الدائم في المادة 140،
quot;المادة (140):


اولاً :ـ تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.


ثانياً :ـ المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.quot;


كما ترون فإن دستورنا يسمي هذه المناطق وبكل وضوح على انها quot;كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليهاquot;، ولغة السياسة لغة تقنية بحتة ويجب ان نلتزم بمفراتها ولانتجاوز عليها، وان لا نستخدمها في غير محلها.


يبدو ان عدم احترام البعض للدستور وارداة الشعب العراقي الحر، وصل حدودا يحاول فيها البعض القاء التهم الباطلة حتى على الذين يستخدمون المفردات التي حددها دستورنا، فمن منا يحترم الدستور ومن يتجاوز عليه ويضرب به عرض الحائط حتى على صعيد استخدام المفردات؟ الدستور العراقي هو اجماع ارادة العراقيين، واستخدام المفردات والاصطلاحات التي حددها بوضوح ودقة هو شرط اساسي للالتزام به واحترامه, والعكس صحيح ايضا اذ ان منع استخدام الاصطلاحات التي اجمع عليها الشعب العراقي من خلال دستوره الدائم يشير الى وجود مخاوف كبيرة تتهدد الديمقراطية وحقوق الانسان في العراق.


اقولها وبالحرف، لا يحق لأحد ان يملي علي حتى لغتي مفرداتي التي استخدمها، واكرر بأنني في الوقت الذي اصر على عراقيتي واتمسك بكل جوانحي بوحدة هذا البلد، وبالاستناد الى انتمائي هذا، اطلق على هذه المناطق تسمية المناطق المتنازع عليها، لأنني احترم ارادة شعبي، لأنني ارفض ان العب باللغة و انني التزم بالاصطلاحات التي حددها دستور بلدي. واشدد على انني اتهم كل من يحاول مصادرة حقي الطبيعي كمواطن عراقي صوت على هذا الدستور، اتهم كل من يحاول مصادرة هذا الحق بالتجاوز على روح الدستور ومفرادته واصطلاحاته، وبالتالي التجاوز على ارادة العراقيين الحرة. اما مسألة ان المناطق المتنازع عليها هي فقط للحديث عن النزاع بين الدول فهذا الكلام غير صحيح وغير دقيق بالمرة، ويمكن ان اعود اليه لاحقا.


سردار عبدالله

[email protected]