خطأ الالوسي القاتل:
تكملة لما سبق اقول ليس هناك من يستطيع ان يزايد على وطنية النائب مثال الالوسي خصوصا وأنه قد افنى نصف عمره في المعارضة ضد الديكتاتورية والقمع وقدم ماقدم اسوة بباقي العراقيين البسطاء من تضحيات على ارض الواقع وليس عبر مكبرات الصوت فقط. لكن quot;عقدة الفشلquot; كانت مسيطرة على مجمل تحركات السيد مثال الالوسي الميدانية واطروحاته السياسية لذلك كان برأيه ان الطريق الاسهل لضمان النجاح يمر عبر السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء ومن قبلها عبر بوابة تل أبيب وليس بأفضل من العزف على وتر التدخل الايراني في العراق طبعا وكأن ايران الدولة الوحيدة التي لها تواجد في العراق. بيد ان quot;القشّة التي قصمت ظهر البعيرquot; كما يقول المثل هي ان السيد مثال الالوسي قد قرأ التوجهات العراقية بشكل مجانب للصواب تماما فتجاهل العراقيين لزيارته الاولى لاسرائيل أوهمته انهم مؤيدون لها وشتان بين التجاهل والتأييد خصوصا بعد التعاطف الشعبي quot;الشيعيquot; تحديدا معه لفقده ولديه فنحن شعب نتعاطف في كثير من الاحيان حتى مع جلادينا وتأريخنا معروف فكيف بمن يشاركنا الاحزان ويذرف دموع الحزن على قتلانا ولو لبعض الوقت؟! قراءة السيد الالوسي الخاطئة هذه جعلته يضع كل البيض في تلك السلّة وهو خطأ قاتل في عالم السياسة ولايقع فيه الا هواة السياسة وليس من عذر لمن يطرح نفسه quot;سياسي من الطراز الاولquot;، هذا من جانب!

من الجانب الاخر فان الحنق الذي وصل الى درجة العداء بين السيد مثال الالوسي وبين الدكتور احمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر الوطني العراقي وذلك على خلفية قرار الثاني تعليق عضوية الاول في الحزب كان قد القى بضلاله على كل توجهات السيد الالوسي لدرجة انه قد شكّل له عقدة في طريق النجاح والفشل على حد سواء. نتيجة لذلك فان قطع المساعدات والتعاون بين الجلبي والاميركان كان خط المواجهة الاول بين الرجلين فتفانى الالوسي وذهب بعيدا لاظهار الولاء ماأمكن للمشروع الاميركي والاسرائيلي في العراق محرجا الجلبي من جهة ولكي يضمن ديمومة التمويل والدعم لحزبه من جهة اخرى خصوصا وان الجلبي متهم بعلاقات طيبة مع طهران وليست تصادمية كما هو الحال مع السيد الالوسي. فبدا الجلبي سياسي وقارئ جيد لما يدور محليا ودوليا بينما ظهرت عيوب صاحبنا منذ اليوم الاول لدخوله مبنى البرلمان وهو امر يدعو الى الشفقة حينما يتوهم الواحد منا ان quot;التورمquot; صحة وعافية!

هنا وللامانة لايمكنني تبرئة ساحة الكتل السياسية الكبيرة من توجهات الالوسي هذه فعدم فتح قناة دائمة بينهما جعلت من الرجل يلتجأ الى السفارة الاميركية اكثر فأكثر فكما هو معروف ان الالوسي ليس برجل اعمال ولايملك مايملكه الاخرون لتمويل تحركاته ومقرات حزبه ودفع رواتب اتباعه لذلك كان حريا بالكتل الكبيرة ان تسهم ولو بجزء في تمويل حزب الالوسي في مقدمة لفك ارتباطه بسفارة المنطقة الخضراء وهو مالم يحدث وهذا برأيي خطأ يقع في العنوان الثانوي. بيد ان عدم تمويل الكتل الكبيرة لحزب الالوسي ليس لعدم قدرتها ماديا بقدر ماهو نظرة ضيقة لحسابات الربح والخسارة في الانتخابات وعدد المقاعد. هنا لم يكن امام السيد الالوسي الا المضي في المخطط الذي يريده الممول وهو مخطط نفعي انتهازي يجعل الالوسي قبل غيره في خانة quot;العمالةquot; وهي ذات الخانة التي عاير بها زملائه في البرلمان فأن كان الاخرون quot;عملاءquot; نتيجة تلقيهم تمويلا لاحزابهم من ايران تحديدا فما الفرق اذن بين من تموّله اميركا وبين من تموّله ايران؟! فبدا الالوسي شاربا من ذات الكأس التي سقا الاخرين منها!

الفخ الاسرائيلي للالوسي:
اسرائيل تحديدا تعلم جيدا حجم الالوسي في البرلمان والشارع العراقي، هذا من جهة. من جهة اخرى لو كانت الادارة الاميركية حريصة على مشروع الالوسي ومستقبله السياسي لما اقحمته بتلك الزيارة لكن أغلب الظن ان ضبابية موقف الشارع العراقي من اسرائيل والاحتلال حملا الطرفين الاميركي والاسرائيلي على جس نبض هذا الشارع عبر خطوة عملية لفرز مواقف الكتل السياسية من جهة والوقوف على حقيقة النبض الشارعي والرأي العام العراقي من جهة اخرى. من هنا كان لابد من كبش فداء فلم يكن هناك من هو اكثر تحمّسا واستعداد للقيام بهذا التحرك العملي من النائب مثال الالوسي خصوصا وانه قد زار اسرائيل من قبل. مافعلته اسرائيل وهو ليس ببعيد عن السفارة الاميركية في بغداد كان لاجل وضوح الصورة حول ماهو مطلوب في اطار التحركات المستقبلية للادارة الاسرائيلية والذي يأتي الصراع الاسرائيلي-الايراني في مقدمتها فضلا عن فتح السوق الاسرائيلية في العراق. ماكانت تبحث عنه اسرائيل ببساطة موطأ قدم في العراق يتيح لها بعض الحرية من التحرك الاقتصادي والاستخباراتي عبر شعارات الديمقراطية والحرية الشخصية ولكن كان الهدف ابعد من ذلك بكثير ولايقتصر على ايران وهي الخطوة القادمة بل وعلى العراق فيما هو المرحلة الحالية لهذا المخطط الذي غفله الالوسي وبعض من انطلت عليهم هذه الخطة التي حتما ستقصم ظهر الوحدة الوطنية المنشودة وهو اولى الثمرات المرجوة من الزيارة!

الضجّة التي حدثت تحت قبة البرلمان العراقي لم يكن سببها زيارة مثال الالوسي لاسرائيل كما يتصّور البعض وان كانت مفتاح المشكل الا ان الحقيقة اكبر من ذلك بكثير وهو مالم يره البعض ممن تحكّمت بارائهم العواطف وبمواقفهم الاحكام المسبقة ضد كتل سياسية بعينها. شخصيا لاأعتقد ان اتهام الالوسي للغالبية البرلمانية بالنفاق والدجل سيمر مرور الكرام خصوصا وانه قد اتهمهم علانية في صميم وطنيتهم وجاهر بوصمهم بالعمالة لدولة اجنبية واذا ما اراد هؤلاء مقاضاة الالوسي فمن المؤكّد انه سيخسر القضية من أول جلسة. أضف الى ذلك ان هؤلاء ينظرون الى تحركات الالوسي على انها مخطط اسرائيلي الغرض منه الوصول الى طهران عبر البوابة العراقية وهو مايكمل دائرة محاصرة ايران من افغانستان من جهة وخطا مستقيما يمر من تل ابيب عبر الاردن والعراق وصولا الى طهران، وهو مخطط يضع العراق في خط المواجهة الاول. بينما ترى اسرائيل في هؤلاء المعارضين استكمالا للمشروع الايراني في تطويق اسرائيل لتكتمل الدائرة (ايران العراق سوريا) من جهة و (سوريا لبنان) من جهة اخرى. والوضع كذلك فنحن امام مخطط اكبر من الالوسي ومشروعه الوطني quot;الامة العراقيةquot;! لذلك فحينما صرّح الالوسي بالخطة الاسرائيلية لاقامة quot;نظام استخباراتي عالميquot; لم يثر ايران فقط بل وكل المؤيدين لها والمريدين لان مشروع مثل هذا لو رأى النور فذلك يعني استعادة نظام يحكم العراق اسوء بكثير من نظام صدام حسين وبالتالي نهاية المشروع الاسلامي الذي يحاول البعض ترسيخه في العراق وذلك عبر مراحل فبدا هؤلاء اكثر صبرا وحنكة ودراية من الالوسي الذي بدا حارقا لمراحل مهمة وحيوية لكي يرى مشروعه النور ولاأظنه بعد الذي حصل سيرى ولو بصيصا منه! أضف الى ذلك فان مشروع مثل هذا يعني تحوّل العراق الى لبنان ثاني تتقاذفه الحروب الاهلية وتتجاذبه المخابرات الدولية وهو امر ترفضه الكيانات السياسية العاقلة والواعية لهكذا مخطط حتما لن يكون لابناء العراق مكان فيه ابد الدهر كما هو الحال في فلسطين اليوم، وليس من عاقل فضلا عمن يطرح نفسه وطني يقبل ان يكون العراق فلسطين ثانية؟!

من ذلك يتبين ان الشد والجذب الذي حصل بين السيد مثال الالوسي وبعض رؤساء الكتل في جلسة مجلس النواب التي اتخذ فيها قرارا بالاجماع رفع الحصانة عنه لم يكن سببها زيارته لاسرائيل وهو الظاهر بل ماوراء تلك الزيارة لذلك يرى هؤلاء ان استمرار الالوسي في تعاطي السياسة والتقدم نحو المزيد من المكاسب يعني المزيد من التقدم الاسرائيلي نحو العراق اولا وايران ثانيا. مشروع مثل هذا في العراق يعيد الى الاذهان مشروع انطوان لحد في جنوب لبنان الشيعي الذي لولا وقوف حزب الله بوجهه لما انهار. الجدير بالذكر انه بعد فشل مخطط لحد وبعدما كان زعيما لجيش لبنان الجنوبي انتهى به الامر ليكون quot;صاحب مطعمquot; في اسرائيل! ببساطة شديدة هكذا تنتهي الحياة السياسية لمن يقف مع اسرائيل لو ارادت ان تكافأه فعلا ولاتريد ان تحوّل ملفه الى الموساد لاجل تصفيته، لذلك كان الاجدر بالسيد مثال الالوسي ايضا ان يتّعض من تلك التجربة وان يقرأ الواقع والتأريخ قراءة واقعية فاسرائيل لايمكن ان تغامر بمصالحها من اجل اي عربي مهما كانت حضوته ومهما قدّم لها من خدمات.

القراءة الخاطئة الثانية:
من خلال معرفتي الشخصية بالسيد مثال الالوسي فأنه قد راهن على دعم الثلّة القليلة ممن يؤيدون اقامة العلاقة مع اسرائيل ليس حبا فيها بل ذلك نتيجة الاستياء للتدخل السلبي العربي في العراق كما ان الالوسي قد تناسى رأي الاغلبية الساحقة في العراق ومن كل الاطياف التي تعارض وبشدة قيام اي نوع من العلاقات بين العراق واسرائيل. أكاد اجزم ان الالوسي من خلال وقوفه ضد ايران وان طلب به ارضاء اميركا واسرائيل الا انه من جانب اخر اراد ارضاء الشارع السنّي واللعب على الوتر الطائفي خصوصا وان ايران متورطة في دعم quot;المقاومةquot; ضد التواجد الاميركي في غرب العراق. لكن تناسى الالوسي ان الشارع السني ليس اقل وطنية ولا تشددا من الشارع الشيعي في رفض اي تورط عراقي ضد ايران ليس حبا بايران ولكن تجربة الحرب العراقية الايرانية وتداعياتها لازالت عالقة في الاذهان ولازال العراق يدفع فاتورة اشعال فتيلها!

أيضا قفز الالوسي على حقيقة واقعية فيما هي ان ايران ليست ببعيدة عن الوضع في العراق وان اميركا quot;بجلالة قدرهاquot; قد اقرّت واعترفت بان مفتاح استقرار العراق بيد ايران لابيدها. لذلك من يعرف تلك الحقيقة لا اعتقد انه سيقدم على ما اقدم عليه مثال الالوسي، ليس من قبيل الزيارة مثار الجدل فقط وانما للتصريح الذي ادلى به والذي لايرضي غالبية الشعب العراقي فضلا عن ايران. اضف الى ذلك ضربه الغالبية البرلمانية في صميم عقيدتها وتشكيكه بوطنيتها لا بل جاهر في اتهامهم بالعمالة لدولة اجنبية وبذلك يكون مثال الالوسي قد اغلق باب التقدم على نفسه وحبس حزبه للاسف الشديد في قمقم التصريحات النارية التي كانت سببا لتصفية الحسابات معه وذلك وفقا للسياقات السياسية والاخلاقية والدستورية وادواتها.

بعد ماتقدم ان كان هناك من يُلام فليس من أحد غير مثال الالوسي الذي لم يفرّق بين شخصه ماقبل عضويته في البرلمان ومابعد العضوية خصوصا وان المقعد قد جاء من خلال دعم الكيانات الصغيرة وبترشيح وموافقة من الكتل الكبيرة وتحديدا الائتلاف والكردستانية. خط فاصل للاسف الشديد لايأخذ الحيز المطلوب للتفكير من أغلب السياسيين الموجودين على الساحة العراقية اليوم متناسين ان حال السياسي قبل دخوله البرلمان ممثلا لحزبه فقط بينما بعد عضويته فقد صار ممثلا للشعب فكيف يستقيم الامر من يكون ممثلا للشعب ان يتصرف بأنانية وثأر وحقد وتسيره احكام مسبقة؟!

ترى هل من دواء يصلح ما أفسدته السياسة في روح الالوسي والخطوة الغير محسوبة التي اتخذها خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات التي كنت شخصيا قد توقعت ان يكون له فيها شأن كبير وذلك بعد التذمّر الشعبي من سوء الخدمات وتفشي الفساد واستشراء المحسوبيات. لقد قدّم مثال الالوسي لمن ينازعهم اليوم خدمة جليلة لم يكن يتصورون انها ستأتي وكانوا سيدفعون اي ثمن لاسقاطه وهاهو يسقط بفعل الذات واستشارة من مقرّب لايعلم من امور السياسة شئ وهاهي السفارة الاميركية تثبت مرة اخرى انها غير جديرة باحتواء رجالاتها او على الاقل تقديم النصح اليهم والمشورة. لقد قدّمت السفارة الامريكية للاسرائيلين قبل غيرهم كبش فداء اخر واي كبش! والله انه ليحزنني ان اراك في مثل تلك الحال يا أبا أيمن!

لا اظن ان الطريق الذي سار به الالوسي سيسمح له واضعوه بالتراجع خصوصا وان تمويل التحركات معروف مصدره وبدونه لايمكن له دفع فاتورة كهرباء مقر الحزب، هذا من جانب. من جانب اخر يعتقد الالوسي انه ليس لديه مايخسره بعد فقده لولديه ايمن وجمال وهو مايجعل الالوسي في صورة quot;الثأرquot; من جهة و quot;اليأسquot; من جهة اخرى فبدا لي منتحرا منذ ذلك اليوم!

كم اتمنى ان اكون قد وفقت في التمييز بين مثال الالوسي الانسان ومثال السياسي الذي اتمنى له من كل قلبي ان يعود الى الساحة السياسية قريبا قويا وجديرا بثقة الناخب ولكن حكيما اكثر ولا اعتقد سيتسنّى له ذلك الا عبر خطوات عملية عديدة لابد له القيام بها اولها التخلص من الدائرة المحيطة به من الانتهازيين والمتسلّقين وثانيها ان يرسل رسائل تطمينية عملية للاخرين يجعلهم يثقون به كسياسي يتمتع بحنكة ودراية ويبتعد عن التصريحات النارية التي لاتسمن ولاتغني من جوع ولاتجلب الا المزيد من المتاعب لمثال الالوسي قبل غيره خصوصا وان الاخرين يتمترسون خلف لافتات أصلب من الكونكريت ودعم أقوى مما يتصوره الالوسي ولاتقوى على مواجهته حتى اسرائيل بأعترافها. فدع عنك اسرائيل يا أبا أيمن فليس باسرائيل وحدها تعيش الشعوب، ونحن الضمانة الحقيقة لبناء العراق فالعراق باق مابقي الدهر واسرائيل كيان زائل وان طال الزمن بينما سيكتب التأريخ فيما بينهما مدح وذم.

أخيرا يحدوني الامل في ان اكون قد وفقت لطرح اشكاليات الزيارة وماحملته من خفايا وانا كلي امل ان يكون الجميع على دراية وعلم بما جاء في هذه الوريقات حتى يعرف كل منا مامطلوب منه وماينبغي عليه فعله لاجل استقرار العراق ورفاهية شعبه بعيدا عن الشعارات الحزبية واللافتات الدعائية والمكاسب الفئوية. كذلك لابد لي هنا ان اعترف انني لم اتمكن من الكتابة بشكل تفصيلي وفاضح ولايرجع ذلك لسبب عدم القدرة او لاجل المحاباة بل لقناعتي ان الصحافة تلميح بقدر ماهي تصريح! كذلك حفاظا مني على ترك الباب مفتوحا امام أصحاب الشأن للتأمل واخذ العبرة والدرس والرجوع الى جادة الصواب فالعراق اكبر من الجميع ويجب ان يكون لنا المظلة التي من المفترض الا نختلف عليها مطلقا. اما الاتصالات التي وردتني بشأن التوقف عن الكتابة بهذا الموضوع وان كنت احترمها ولكنها لم تكن منطلقة من المصلحة العامة لذلك لم أتفاعل معها واستمريت بالكتابة حتى النهاية فشكرا للقراء والف شكر لايلاف على دعمها في النشر ومساهمتها في تسليط الضوء على الجانب الاخر من القضية.

رياض الحسيني

كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

روابط متصلة بالموضوع

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة