أصبح دم الشعب الباكستاني رخيصا لكل من القوات الباكستانية والمسلحين والقوات الأميركية على حد سواء، بعد تحالف باكستان مع الولايات المتحدة لإسقاط حكومة طالبان في أفغانستان وحربها المزعومة على الإرهاب في عام 2001.

فما من يوم إلا وفيه أخبار عن مقتل المواطنين الأبرياء، حتى أصبحت الصحف المحلية مثل quot; لوحة الإصاباتquot; لا تتغير فيها إلا الأرقام دون أي مبالغة. ومن هذا المنطلق يثار أسئلة كثيرة أمام تفجير فندق ماريوت إسلام آباد في 20 سبتمبر 2008م أكبر هجوم انتحاري في تاريخ البلاد من ناحية الخسائر والمواد المتفجرة، إضافة إلى وقوعه في موقع لم يكن أحد يتوقع؛ لأن الفندق يقع في قلب العاصمة وعلى مرمى حجر من البرلمان وقصر الرئاسة ومقر رئيس الوزراء.

وقد استعجل مستشار رئيس الوزراء للداخلية رحمن ملك في البداية عندما قال: كل الخيوط تشير إلى وزيرستان الجنوبية؛ ثم قالت الحكومة أن التحقيق لم تشهد أي تقدم، وأخيرا أكد وزير الدفاع الشودري أحمد مختار أن المحققين قد وجدو قطعة لبنة عليها رسم الفرن الذي أعدت فيه، ويمكن للمحققين الوصول إلى إشارة واضحة لمن اشترى اللبن من هناك؛ لكن السؤال المهم لا يزال في مكانه، لما ذا تم استهداف ماريوت بالضبط؟

أكد رحمن ملك في البداية أن هدف الانتحاري كان الفندق نفسه لاغير، في حين قال رئيس الوزراء أن الانتحاري كان يستهدف القيادة الباكستانية؛ لكن لم يمض وقت طويل حتى غير رحمن ملك موقفه ووافق رأي رئيس الوزراء بأن الهدف كانت القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية التي كانت من المقرر أن تجتمع في فندق ماريوت لمأدبة إفطار أقامتها رئيسة الجمعية الوطنية الدكتورة فهميدة مرزا على شرف الرئيس زرداري الذي ألقى كلمته الأولى أمام اجتماع مشترك للبرلمان، مضيفا أن قرار رئيس الوزراء بتغيير موقع المأدبة إلى مقره قد أفشل تلك الخطة الماكرة، ونجت القيادة من موت محتوم؛ بيد أن إدارة الفندق رفضت ذلك الموقف مشيرة إلى أنه لم يكن أي حجز لديها لمثل تلك المأدبة الرفيعة. وقد نشرت بعض الصحف بطاقة الدعوة لتلك المأدبة التي لم تشر إلى ماريوت عن قريب أم بعيد.

وانطلاقا من هذه الحقيقة يتأكد الأمر بأن الهدف لم يكن إلا الفندق؛ إلا أن الدافع وراءه لا يزال خافيا وفق المصادر الرسمية. أما المصادر غير الرسمية فإن صحيفة إنجليزية محلية شهيرة قد كشفت للمرة الأولى بعد يوم من الانفجار أن تواجد عملاء للـ CIA والـ FBI الأميركيتين برفقة أحدث أجهزة التجسس في الفندق، كان المقناطيس الذي جذب الانتحاريين إليه.

وقد أشارت الجريدة إلى أن شاحنة كبيرة دخلت الفندق حاملة صناديق حديدية في منتصف الليل من 16 سبتمبر، ونقل المشاة البحريون الأميركيون تلك الصناديق إلى الطابق الرابع من الفندق دون تمريرها على بوابات الفحص الآلي، في حين لم يسمح لنزلاء الفندق من الدخول أو الخروج أثناء تلك العملية. وقد كشف للجريدة بتلك العملية نائب للجمعية الوطنية على لائحة حزب الشعب الحاكم، وكان في ذلك الحن في لوبي الفندق ينوي الخروج؛ إلا أنه اضطر إلى الانتطار.

وقد أكدت السفارة الأميركية تواجد بعض أجهزة الاتصالات في الفندق؛ إلا أنها أشارت إلى أنه تم نقلها إلى الفندق لاستخدام الجنرال ميك مولن الذي لقي رئيس الوزراء والقيادات العسكرية الباكستانية خلال تلك الأيام؛ لكن يقول تقرير الصحيفة أن مولن كان قد غادر في وقت نقل الصناديق الحديدية إلى الفندق.

ويقال إن المحقققين قد بدأوا ينظرون إلى ذلك الحادث من ناحية تواجد الجواسيس الأميركيين في الفندق إذ إنهم قد عثروا على لقطة فيديو صورت تلك العملية. ومن هذا المنطلق يبدو وكأن الفندق كان وكرا لأجهزة التجسس الأميركية التي كانت تقوم هناك بنشاطات غير مسموحة رسميا وإن كانت لديها سعة لتنفيذ نشاطاتها رسميا أيضا.

ويتأكد هذا الأمر إذا ما قُرن هذا التقرير إلى رسالة المجموعة المسلحة التي تبنت المسؤولية عن الحادث بأن هدفها كان الجواسيس الأميركيين في الفندق. وقد أشارت رسالة أخرى لنفس المجموعة بأن عدد قتلى الأميركيين أكثر مما قال البنتاغون بأن اثنين من المشاة الأميركيين قد قتلا في ذلك الهجوم، مبررة بتواجد عدد كبير منهم في الفندق، ومهددة بأنها ستستهدف كل من يعمل لصالح القوات الأميركية.

على صعيد آخر يرى محلل أن ذلك الهجوم جاء رسالة إلى الأغنياء والأثرياء وأصحاب الحل والعقد الذين يترفون في أنواع من النعيم، في حين تحرق النيران العشوائية من جانب القوات المناطق القبلية، والمئات آلاف من السكان يلتحفون السماء ويفترشون الأرض. وقد حاول المسلحون إثارة السؤال حول ذلك الدمار والنزيف الدموي، عندما يثير الجميع السؤال عن الضحايا الأبرياء في فندق ماريوت بما ذنب نزلاء الفندق، فيقال ما ذنب السكان الأبرياء؟ حتى تحكم الحكومة العقل في ما يجري في تلك المناطق.

إلى ذلك وقد شكل رئيس الوزراء هيئة رفيعة المستوى لوضع إستراتيجية لمكافحة الإرهاب وهي تتضمن أقطاب الأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين؛ بيد أن هناك مخاوف بأنها لن تعود بأي شيء سوى المزيد من الدمار لأسباب عدة، منها: أنها ستعمل تحت رئاسة مستشار الداخلية رحمن ملك، وأنها ليست لديها سوى تقديم المبادرات والاقتراحات دون اتخاذ أي قرارات. ومن المعروف أن المبادرات والاقتراحات لم تنفع في الماضي، فكذلك لن تسمن ولن تغني من جوع في المستقبل أيضا.

عبد الخالق همدرد