مع تزايد الدور و الحضور الکوردي على الساحتين الاقليمية و العالمية و ثبات و إستقرار التجربة الکوردية الفتية في إقليم کوردستان العراق و تطور الإحساس بالانتماء القومي لدى الشعب الکوردي في الاقسام الاخرى من کوردستان، لم يبق أمام الحکومة الترکية و مؤسستها العسکرية ـ الامنية سوى الإذعان للأمر الواقع هذا و التصرف وفق الابجديات و الاحداثيات التي تستجد منها وبالامس القريب رضخت أنقرة لمبدأ الحوار و التشاور مع حکومة إقليم کوردستان العراق بعد فترة طويلة من رفضها لذلك و إعتبارها الامر تجاوزا على خطوطها الحمراءquot;الاتاتورکيةquot;، واليوم وبعد مشوار طويل من التجاهل و الإنکار غير الموضوعيين لثقافة و تراث الشعب الکوردي، أعلنت حکومة العدالة و التنمية الترکية في خطوة غير مسبوقة موافقتها على إطلاق قناة ناطقة باللغة الکوردية مع بداية العام الميلادي الجديد.


الخطوة من حيث ظاهرها قد تبدو منطقية و منصفة لکن التمعن و التدقيق في توقيت إطلاق القناة و اسلوب الدعاية لها، تعطي أکثر من تفسير و تأويل غير إيجابيين، سيما وأن قطاع عريض جدا من الکتاب و المثقفين الکورد قد أعلنوا رفضهم القاطع للتعامل و التعاون مع هذه القناة و اعتبروها خطوة مشبوهة و مغرضة و ذات أهداف مبيتة. أطراف کوردية قريبة من قناةquot;روج تيفيquot;المتهمة بموالاة حزب العمال الکوردستاني، أکدت بأن إطلاق القناة في هذا الوقت بالذات يأتي من أجل بث الفرقة بين الشعب الکوردي و شق صفوفه سيما في وقت يکاد أن يکون مقتربا من الاتفاق على نظرة موحدة للأمور، کما إن توقيته يأتي مع إقتراب موعد الانتخابات البلدية في ترکيا حيث تؤکد هذه الاطراف بأن حزب العدالة و التنمية قد فقد مصداقيته بين الشعب الکوردي في شمال کوردستان وان کل التوقعات تشير الى انه لن يتمکن أبدا من الحصول على النتائج التي أحرزها في الانتخابات السابقة وإطلاق هذه القناة بالذات يهدف الى کسب تعاطف و تأييد الشعب الکوردي مجددا لکي يضمن حزب العدالة و التنمية نتائج کبيرة تمنحه الاغلبية. ولفتت هذه الاطراف الانظار الى ما إعتبرته نقطة مهمة وهي أن السلطات الترکية مازالت تعتبر التعامل باللغة الکوردية غير قانوني وأن إطلاق قناة بلغة غير مجازة و قانونية هو أساسا خطوة غير قانونية بنظر الدستور الترکي. أما اطرافا کوردية محايدة فقد رأت في الخطوة بداية مشجعة و تبعث على التفاؤل ومن شأنها أن تساهم في توفير أرضية ملائمة لمعالجة المشکلة من اساسها، وشددت هذه الاطراف المحايدة على أن الخطوة مع الاخذ بنظر الاعتبار أبعادها و أهدافها السياسية الخاصة، فإنها تبقى خطوة إيجابية تخدم مسألة التعايش السلمي بين الشعبين الترکي و الکوردي. فيما قال أعلاميون مقربون من الحکومة الاقليمية الکوردية، بأن الخطوة الترکية في أساسها من الممکن إعتبارها إيجابية و النظر إليها وفق هذا المغزى، لکن الخطوة قد لا تکون کافية و أساسية في تحقيقها لهدفها المنشود فيما لو يتم تعزيزها بنى تحتية تخدم هذا الاتجاه و تعززه و تخرجه من الاطار المحدد.


ان النقطة المهمة جدا و التي يجب ملاحظتها و التمعن فيها مليا هي أن الدستور الترکي مازال لا يقر باللغة الکوردية کلغة رسمية و حتى أن السلطات الترکية قد قامت بإجراءات قانونية مشددة بحق ساسة کورد من شمال کوردستان لأنهم دعوا الى إستخدام اللغة الکوردية في المخاطبات الرسمية في الشمال الکوردستاني الى جانب اللغة الترکية وأن هذه الازدواجية في المعايير ولاسيما ان لم تعالج و يوضع لها أطر دستورية مناسبة سوف تساهم وبقوة في النظر بشك و إرتياب لهذه الخطوة و عدم الايمان بمصداقيتها وأن حکومة العدالة و التنمية لو کانت فعلا صادقة في مشروعها الاعلامي هذا فيجب أن تعيد النظر في دستورها الحالي الذي يغبن حق جزء کبير من شعب ترکيا ومن هذا المنطق فقط سوف تثبت الحکومة الترکية للعالم صدق مزاعمها بتأسيس قناة ناطقة باللغة الکوردية.

نزار جاف
[email protected]