لاشك أن كل قنبلة يقع إسقاطها هذه الأيام العصيبة تحدث شروخا في جسد الأمن و الأمان٬ و لا شك أن كل طلقة نار من طرف أو آخر تحدث جروحا في جسد السلم و السلام٬ و لا شك أن كل صاروخ يقع توجيهه بكل عبثية و عشوائية على المدنيين الأبرياء٬ حتى و لو لم يصب أحدا ٬ يجسد عثرة جديدة في مسار التسوية الصعبة و الشائكة لهذه المظلمة التاريخية المزدوجة.
إن ما يجري اليوم في غزة ينسف مقولات حوار الأديان و الثقافات و يسفه خطابات التالف و التآخي و الوئام.
كما أن كوارث هذه الحرب الغير المتكافئة تجسد انتهاكا صارخا للميثاق العالمي لحقوق الإنسان هذا الميثاق الذي تجاهد الإنسانية المفكرة لجعله ملجأ و محاميا للإنسانية المعذبة.


و علينا أن نعترف أن صراخ الأطفال المثخنين بالجراح يؤرق ضمير العالم و أن دموع الشيوخ العاجزين تهز مشاعر الملايين من العرب و المسلمين و الخطر الأكبر و الداهم اليوم هو شبح صراع الحضارات الذي بات يحلق فوق الجميع و يتربص بكل شعوب العالم مهما اختلفت انتماءاتهم و تنوعت أهوائهم.


فالمتأمل في تحركات الجماهير على امتداد هذا الأسبوع من خلال المظاهرات الصاخبة التي عمت كل أرجاء المعمورة يلاحظ عودة الهذيانات الجماعية و الأوهام الغيبية و الخرافية.


كما يلاحظ أيضا انتعاش الغرائز البدائية و الميكروفاشية و قد تجلى ذلك بوضوح في محتوي الشعارات المعادية لليهود كجنس و كديانة وهو ما جسده شعارquot;غارات السبت من أصحاب السبتquot; كما يسود في هذه الفترة القرف من خطابات الحوار وتطغي السخرية اللاذعة من مقولات الشرعية و الديمقراطية والفانون الدولي فهي quot;أصنام عجوي إذا جاع الغرب الحاقد أكلها quot; على حد تعبير الشيخ

ياسر برهامي.ومن جهة أخري برزت الاسلاموفوبيا و العنصرية المتشنجة و دعاوي الانتقام و التشفي.
غزة جعلت الهمجية تطفو إلى السطح و منطقها البغيض يخرج من اللاوعي إلى الوعي و من مجال الهمس إلى مجال العلن.
الآلاف من الشباب المتعلم و الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر و الخامسة و الثلاثين متأثرين لخطاب القاعدة و مرتبطين عاطفيا بها عبر الانترنيت و الدعاية التي تبثها تصب أحداث غزة الملح على جروحهم النازفة و العديد منهم سوف يلبون دعوة الجهاد الذي أصبح في الواقع إرهابا اعمي يحرق الأخضر و اليابس.


هذا الإرهاب الذي يتغذي أيضا من الوعظ السلفي الجهادي الشائع بنسب متفاوتة في كل البلدان السلامية سوف لن يهدد منطقة الشرق الأوسط أو المغرب العربي فحسب بل أيضا أوروبا التي تحتضن قرابة العشرون مليون مسلم.


المنتصر الأكبر في هذه الحرب هو حزب الكراهية و الحقد و الخاسر الأكبر هو حزب دعاة الحوار و نشطاء حقوق الإنسان و مناضلي الإصلاح و التغيير الذين يفقدون مع كل قتيل و جريح مصداقيتهم.

إن السياسة الرديئة و الميكيافلية تسعي إلى الآني على حساب التاريخي و تدعم الأمني على حساب المصيري.
فخلفيات الحرب على غزة و مفارقاتها من وجهة النظر الاسرائلية باتت اليوم معروفة وهي:
- إضعاف السلطة الفلسطينية وهي على أبواب انتخابات و تقوية حماس التي لا يعترف بها احد في العالم للتملص من خوض أية مفاوضات تحت غطاء دولي
- ترميم أسطورة الردع الإسرائيلي التي تصدعت بعد المواجهة مع حزب الله في جنوب لبنان
- كسب انتصار سهل و مريح ضد غزة الجريحة و المنكوبة التي عانت من حصار وصفه حرفيا رتشارد فلك ممثل الأمم المتحدة في فلسطين quot;بجريمة ضد الإنسانيةquot;
و إستراتجية حماس كما هو مشهود هي دائما سياسة الاسوء فهذه المنضمة٬ التي دعمتها و باركت ولادتها إسرائيل لإضعاف منضمة التحرير الفلسطينية -كما دعمت و باركت الأنظمة العربية الاتجاهات الإسلامية في إطار سياسة quot;فرق تسدquot;- ٬تستهتر بأرواح شعبها محاولة الهروب إلى الأمام فهي تسعى يائسة إلى تجاوز أزماتها و حل تناقضاتها الجوهرية أي :
- حربها الأهلية مع فتح و مع حركة الجهاد الإسلامي
- رفضها المطلق للمفاوضات و للشرعية الدولية
- تبنيها لايديوجيا دينية غير متصالحة مع مستلزمات الحقبة و ضرورات الواقع و تعقيداته.

هذه السياسات الرديئة أصبحت كارثة على المجتمع الدولي فهي جعلت مقولة صراع الحضارات تكتسب اليوم تجسيدا واقعيا مؤلما و إذا لم يعد الأمل سريعا إلى النفوس فستحل لعنة غزة على الجميع و ستقع الفؤوس على الرؤوس.

إقبال الغربي